شارك هذا الموضوع

جانب من مناظرات الإمام (عليه السلام)

عندما أصبح الإمام الرضا وليّاً للعهد وأصبح قريباً من الحكم وتحت متناول يده أراد الحكم أن يضع من قدره فيبين للناس أنّه لا يستحق منصب الخلافة فكان المأمون يسأل الرضا أمام الملأ المسائل المحرجة والرضا (عليه السلام) يجيب بكل هدوء حتى النهاية.


وقد عمد المأمون - وكانت عادة شائعة - لخلق ندوة فكرية على مستوى علماء الأديان جميعاً من نصارى ويهود وصابئة ومجوس وغيرهم من أجل أن يحاور الإمام ويقطعوه وعندئذٍ يستطيع الحكم أن يجد مجالاً للغمز في شخصية الإمام والنيل من كرامته ويقول للناس: هذا الذي تدّعون بأنّه يعرف جميع العلوم أفحم أو سكت مقابل فلان الكافر ويثير شبهة بعد أخرى ويشوّش ما أمكن التشويش لكنه والحمد لله خسئ ولم يتجرّع إلاّ كأس الندم عندما سقطوا جميعاً في المحاورة وبقي الإمام واقفاً في حلبة الصراع كما يقف الأسد وسط عرينه.



الدعوة إلى المناظرة:


قال الحسن بن محمد النوفلي: لما قدم الإمام الرضا على المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر وأصحاب زرادشت ونسطاس الرومي والمتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال:


أدخلهم عليّ ففعل فرحّب بهم المأمون، ثم قال لهم: إنّي إنّما جمعتكم لخير وأحببت أن تناظروا ابن عمّي المدني القادم عليّ فإذا كان بكرة فاغدوا علي ولا يتخلّف منكم أحد فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين، نحن مبكرون إنّ شاء الله قال، الحسن بن محمد النوفلي: بينما نحن في حديث لنا عند أبي الحسن إذ دخل علينا ياسر الخادم، وكان يتولّى أمر أبي الحسن (عليه السلام) فقال له: يا سيدي إنّ أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول: فداك أخوك إنّه أجمع إلى أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلمين من جميع الملل فرأيك في البكور إلينا إن أحببت كلامهم وإن كرهت ذلك فلا تتجشم، وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا.


فقال أبو الحسن أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت وإنّي صائر إليك بكرة إن شاء الله، فقال الحسن بن محمد النوفلي: فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال: يا نوفلي أنت عراقي ورقّة العراقي غير غليظة فما عندك في جمع ابن عمّي علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات فقلت: جعلت فداك، يريد الامتحان ويجب أن يعرف ما عندك؟ ولقد بنى على أساس غير وثيق وبئس والله ما بنى، فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟


قلت: إنّ أصحاب الكلام والبدعة خلاف العلماء ذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة، إن احتججت عليهم بأنّ الله واحد قالوا صحّح وحدانيته، وإن قلت: إنّ محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالوا: أثبت رسالته ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجته ويغالطونه حتى يترك قوله فأحذرهم جعلت فداك.


قال: فتبسّم، ثم قال لي: يا نوفلي أفتخاف أن يقطعوا عليّ حجتي؟


فقلت: لا والله ما خفت عليك قط وإنّي لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله.


فقال: يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم المأمون. قلت نعم.


قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى أهل الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم.


فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى قولي علم المأمون الموضع الذي هو بسبيله ليس بمستحق له، فعند ذلك يكون الندامة ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.


فلما أصبحنا وأتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك إن ابن عمّك ينتظرك وقد اجتمع القوم فما رأيك؟ في إتيانه؟


فقال له الرضا تقدمني فإنّي صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله.


ثم توضأ للصلاة وشرب شربة سويق وسقانا منه ثم خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون وإذا المجلس غاصّ بأهله ومحمد بن جعفر وجماعة من الطالبيين والهاشميين والقوّاد حضور، فلما دخل الرضا (عليه السلام) قال المأمون وقام محمد بن جعفر وجميع بني هاشم فما زالوا وقوفاً والرضا جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس، فجلسوا، فلم يزل المأمون مقبلاً عليه يحدثه ساعة ثم التفت إلى الجاثليق فقال: يا جاثليق هذا ابن عمّي علي بن موسى بن جعفر وهو من ولد فاطمة بنت نبيّنا وابن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم) فأحبّ أن تكلمه أو تحاجّه أو تنصفه، فقال الجاثليق: كيف أحاج رجلاً يحتجّ علي بكتاب أنا منكره ونبيّ لا أؤمن به فقال له الرضا (عليه السلام): يا نصراني، فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به.


قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل. نعم والله أقرّ به رغم أنفي!


فقال الرضا: سلّ عمّا بدا لك واسمع الجواب.


فقال الجاثليق: ما تقول في نبوّة عيسى وكتابه هل تنكر منهما شيئاً؟


قال الرضا: أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشرّ به أمّته وأقرّ به الحواريون، وكافر بنبوّة كل عيسى لم يقرّ بنبوّة محمد (صلى الله عليه وآله) وبكتابه ولم يبشّر أمّته.


قال الجاثليق: أليس إنّما نقطع الأحكام بشاهدي عدل. قال بلى.


قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوّة محمد (صلى الله عليه وآله) ممن لا تنكره النصرانية وسلفاً مثل ذلك من غير أهل ملتنا.


قال الرضا (عليه السلام): الآن جئت بالنصفة يا نصراني! ألا تقبل مني العدل المقدم عند عيسى ابن مريم؟


قال الجاثليق: ومن هذا العدل؟ سمّه لي.


قال: فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أن يوحنا قال: إنّما المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشّرني به أنّه يكون من بعده فبشّرت به الحواريون فآمنوا به.


قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشّر بنبوّة رجل وبأهل بيته وأمّته أتؤمن به؟


قال سديد: قال الرضا لنسطاس الرومي: كيف حفظك للسفر الثالث.


قال: ما أحفظني له، ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال: ألست تقرأ الإنجيل؟


قال: بلى لعمري.


قال: فخذ علي السفر فإن كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمّته فاشهدوا لي وإن لم يكن فيه ذكر فلا تشهدوا لي ثم قرأ (عليه السلام) السفر الثالث حتى بلغ ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) وقف، ثم قال: يا نصراني إنّي أسألك بحقّ المسيح وأمّه، أتعلم إنّي عالم بالإنجيل؟


قال: نعم، ثم تلا علينا ذكر محمد وأهل بيته وأمّته.


ثم قال: ما تقول يا نصراني هذا قول عيسى ابن مريم (عليه السلام) فإن كذبت بما ينطق به الإنجيل فقد كذّبت موسى وعيسى (عليهما السلام) ومتى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل لأنّك تكون قد كفرت بربّك ونبيّك وبكتابك.


قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل وإنّي لمقرّ به.


قال الرضا (عليه السلام): اشهدوا لي إقراره. ثم قال: يا جاثليق سل عما بدالك؟


قال الجاثليق: أخبرني عن حواري عيسى ابن مريم (عليه السلام) كم كان عدّتهم وعن علماء الإنجيل كم كانوا؟


قال الرضا (عليه السلام): على الخبير سقطت، أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلاً. يوحنا الأكبر باج ويوحنا بقرقيسيا ويوحنا الديلمي وعنده كان ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) وذكر أهل بيته وأمّته وهو الذي بشّر أمّة عيسى وبني إسرائيل به.


ثم قال له: يا نصراني والله إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله) وما ننقم على عيساكم شيئاً إلاّ ضعفه وقلّة صيامه وصلاته.


قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعفت أمرك وما كنت ظننت إلاّ أنّك أعلم أهل الإسلام.


قال الرضا (عليه السلام): وكيف ذلك؟


قال الجاثليق: من قولك: إنّ عيسى كان ضعيفاً قليل الصيام قليل الصلاة، وما أفطر عيسى يوماً قط ولا نام بليل قط ومازال صائم الدهر وقائم الليل.


قال الرضا (عليه السلام): فلمن كان يصلي ويصوم. فخرس الجاثليق. قال الرضا (عليه السلام): ما أنكرت أنّ عيسى (عليه السلام) كان يحيي الموتى بإذن الله عزّ وجل؟


قال الجاثليق: أنكرت ذلك من أجل أنّ من أحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، فلم تتخذه أمّته ربّاً ولم يعبده أحد من دون الله عزّ وجل، ولقد صنع حزقيل، النبي (عليه السلام) مثل ما صنع عيسى ابن مريم فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة ثم التفت إلى رأس الجالوت، فقال له:


يا رأس الجالوت أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة اختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا إليهم فأحياهم، هذا في التوراة لا يدافعه إلاّ كافر منكم.


قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه قال: صدقت. ثم قال: يا يهودي خذ هذا السفر من التوراة فتلا (عليه السلام) علينا من التوراة آيات، فأقبل اليهودي يترجح لقراءته ويتعجّب ثم أقبل على النصراني فقال:


يا نصراني، أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟ قال: بل كانوا قبله، فقال الرضا (عليه السلام): لقد اجتمعت قريش على رسول الله (صلى الله عليه وآله).


فسألوه: أن يحيي لهم موتاهم فوّجه معهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط، الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك: يا فلان ويا فلان يقول لكم محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوموا بإذن الله عزّ وجل، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم.


ثم أخبروهم أن محمداً قد بعث نبيّاً فقالوا:


وددنا أنّا أدركناه فنؤمن به. ولم نتخذه ربّاً من دون الله عزّ وجل ولم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم، فمتى اتخذتم عيسى ربّاً، جاز لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربّاً لأنّهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى ابن مريم (عليه السلام) من إحياء الموتى وغيره. وإنّ قوماً من بني إسرائيل خرجوا من بلادهم من الطاعون ولم ألوف حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة، فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة، فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميماً فمرّ بهم نبياً من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم ومن كثرة العظام البالية فأوحى الله عزّ وجل إليه:


أتحب أن أحييهم لك، فتُنذرهم قال: نعم يا ربّ، فأوحى الله عزّ وجل إليه: أن نادهم. فناداهم فقال: أيتها العظام الباليةّ قومي بإذن الله عز وجل، فقاموا أحياء أجمعون، ينفضون التراب عن رؤوسهم. ثم إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) حين أخذ الطير فقطعهن قطعاً ثم وضع على كل جبل منهن جزءاً ثم ناداهن فأقبلن سعياً إليه. ثم موسى بن عمران وأصحابه السبعون الذين اختارهم. صاروا معه إلى الجبل، فقالوا له: إنّك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته فقال لهم: أنّي لم أره فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا إلى آخرهم وبقي موسى وحيداً.


فقال: يا ربّ اخترت سبعين رجلاً من بني إسرائيل فجئت بهم وأرجع وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به، فلو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منّا؟ فأحياهم الله عزّ وجل من بعد موتهم.


وكل شيء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه لأنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به.. فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين يتّخذ ربّاً من دون الله، فاتخذ هؤلاء كلهم أرباباً. ما تقول يا يهودى؟ فقال الجاثليق: القول قولك ولا إله إلاّ الله.


ثم التفت إلى رأس الجالوت، فقال: يا يهودي أقبل عليّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران (عليه السلام) هل تجد في التوراة مكتوباً بنبأ محمد (صلى الله عليه وآله) وأمّته، إذا جاءت الأمّة الأخيرة أتباع الجدد فليفرغ بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئن قلوبهم فإنّ بأيديهم سيوفاً ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض، أهكذا هو في التوراة مكتوب.


قال رأس الجالوت: نعم إنّا لنجده كذلك.


ثم قال للجاثليق: كيف علمك بكتاب شعيا قال: أعرفه حرفاً حرفاً.


قال لهما: أتعرفان هذا من كلامه يا قوم: أنّي رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور ورأيت راكب البعير مثل ضوء القمر.


فقالا: قد قال ذلك شعيا (عليه السلام) قال الرضا (عليه السلام): يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى (عليه السلام): إنّي ذاهب إلى ربّكم وربي، والبارقليطا، جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له، وهو الذي يفسّر لكم كل شيء، وهو الذي يبدأ فصائح الأمم وهو الذي يكسر عمود الكفر.


فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئاً بالإنجيل إلاّ ونحن مقرّون به فقال: أتجد هذا ثابتاً في الأناجيل يا جاثليق: قال: نعم.


قال الرضا (عليه السلام): يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأول حين افتقدتموه عند من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل فقال له: ما افتقدنا الإنجيل إلاّ يوماً واحداً حتى وجدناه غضّاً طرياً فأخرجه إلينا يوحنا ومتى، فقال الرضا (عليه السلام): ما أقلّ معرفتك بسنن الإنجيل وعلمائه؟!


فإن كان هذا كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل، وإنما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أياديكم اليوم فلو كان على العهد الأول لم تختلفوا فيه ولكني مفيدك علم ذلك.


اعلم أنّه لما افتقد الإنجيل اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى ابن مريم (عليه السلام) وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم فقال لهم لوقا ومرقانوس ويوحنا ومتّى إن الإنجيل في صدورنا ونحن نخرجه إليكم سفراً سفراً في كل أحد فلا تحزنوا عليه ولا تخلوا الكنائس فإنّا سنتلوه عليكم في كل أحد سفراً سفراً حتى نجمعه كلّه فقعد لوقا ومرقانوس ويوحنا ومتّى فوضعوا لكم هذه الأناجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأول.


وإنّما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ، تلاميذ الأولين أعلمت ذلك؟


فقال الجاثليق: أمّا هذا فلم أعلمه، وقد علمته الآن، وقد كان لي من فضل علمك بالإنجيل وسمعت أشياء ممّا علمته، شهد قلبي أنّها حق فاستزدت كثيراً من الفهم.


فقال له الرضا (عليه السلام): فكيف شهادة هؤلاء عندك؟ قال: جائزة، هؤلاء علماء الإنجيل، وكلما شهدوا به فهو حقّ.


قال الرضا (عليه السلام) للمأمون ومن حضره من أهل بيته وغيرهم: أشهدوا عليه، قالوا: شهدنا.


ثم قال (عليه السلام) الجاثليق: بحق الابن وأمّه هل تعلم أنّ متّى قال: إنّ المسيح هو ابن داود ابن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهوذا بن خضرون، فقال مرقانوس في نسبة عيسى ابن مريم (عليه السلام): أنّه كلمة الله أحلّها في الجسد الآدمي فصارت إنساناً وقال لوقا: إنّ عيسى ابن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيها الروح القدس.


ثم إنّك تقول من شهادة عيسى على نفسه حقّاً: أقول لكم يا معشر الحواريين إنّه لا يصعد إلى السماء إلاّ من نزل منها، إلاّ راكب البعير خاتم الأنبياء، فإنّه يصعد إلى السماء وينزل فما تقول في هذا القول؟


قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا ننكره.


فقال الرضا (عليه السلام): فما تقول في شهادة لوقا ومرقانوس ومتّى على عيسي؟


قال الجاثليق: كذبوا على عيسى، فقال الرضا (عليه السلام): يا قوم أليس قد زكّاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حق.


فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء، قال الرضا (عليه السلام): فإنّا قد فعلنا، سل يا نصراني عمّا بدا لك.


قال الجاثليق: ليسألك غيري فلا وحق المسيح ما ظننت أنّ في علماء المسلمين مثلك.


ثم تنحى الجاثليق وبدأ الإمام جولة جديدة من المناظرة مع بقية العلماء فأفحمهم جميعاً حتى اندهش المأمون من معلومات الإمام وسعة أفقه وبيان حديثه وعظيم حجته. وبهذه المناظرة ذاع صيت الإمام أكثر فأكثر بأنّه هو العالم الروحاني الذي يجب أن يحل محلّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمّا غيره من الملوك فلا تليق بهم هذه الكرسي إلى ما هنالك من كلام حول هذا الموضوع، فندم المأمون على عقد هذه المناظرة ندماً شديداً وبذلك صدقت نبوء‌ة الإمام (عليه السلام) في حقّه بأنّه سيندم حينما يسمع الإمام يستدل على جميع الكتب السماوية ويفحم أربابها.


لقد كان ظنّ المأمون أن يحطّ من قدره ولكن الله رفع قدر الإمام بهذه المناظرة وأمثالها.


هذا قسم من هذه المناظرة الكبيرة ومن أراد التفاصيل فعليه بمراجعة البحار أو عيون أخبار الرضا فإنّه يجدها كاملة وقد اختصرت هذا القسم منها رحمة بالقارئ الذي لا يملك وقتاً طويلاً.

التعليقات (1)

  1. avatar

    حياك الله وحشرنا وايك مع ائمة الهدى انشاء الله

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع