شارك هذا الموضوع

الديهي في ليلة الثامن و العشرين من شهر رمضان المبارك عام 1437هـ

تواصلت مجالس سماحة الشيخ الدكتور عبدالله الديهي الرمضانية بحسينة الحاج أحمد بن خميس وذلك في الليلة الثامنة و العشرين من شهر رمضان لعام 1437هـ ، حيث ابتدأ سماحته محاضرته لهذه الليلة بآية من سورة البقرة " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " حديثنا سيدور أولًا حول صفات شجرة الإنفاق في الاسلام ، فمتى عرفنا الصفات والمزايا بعد ذلك نأتي الى الفعل - الإنفاق - و شرائطه الذي ذكرته الآية المباركة ، ثانيُا هناك حقوق مالية لله وحقوق مالية للبشر ، سنحاول أن نتحدث عن بعض الحقوق المالية لله ، ومن ضمنها الزكوات .
المحور الأول ، الإنفاق لغة من نفقة ، أي مضى ونفذ ، النفقة هو اسم للإنفاق ، من ضمنها نفقة الأبوين والأولاد و الزوجة ، و إلا الإنفاق هو عام وليس خاصًا ، الإنفاق بشكل عام له صفات ، أول صفة من صفات شجرة الإنفاق أنها ذات فروع ، فلو تأمّلنا الفروع في الإسلام فانها تصل الى ثلاثين فرعًا و أكثر ، ثانيًا لها غصون كما لها فروع ولها أوراق و ثمرات ، فمن أراد أن يصل الى الجنة يجب أن يأخذ بعض فروعها بشرطها و شروطها ، ثالثًا أنها لذيذة الثمرات ، فهي ليست شجرة عادية يستفاد منها الظلال أو الخشب أو الجذوع فقط ، بل يوجد بها ثمرات تلتذّ بها ، وسنأتي الى ثمارها لاحقًا وتبدأ بالنّفس و تنتهي للناس و لله ، ومن لا ينفق يكون بعيدًا عن الله ، بعيدًا عن الناس ، بعيدًا عن الجنة . لابدّ من اجتماع صفات وشرائط في الإنفاق ، رابعًا أصلها ثابت و فرعها في السماء ، كل إنفاق له معطيات في الحاضر و المستقبل ، لمّا تقوم بالإنفاق تبقى عطائتها الى يوم القيامة و يكون ذلك العطاء مستمرًّا و مُتواصلًا .
" وما تنفقوا من خير فلأنفسكم " من صفات الإنفاق يكون للنّفس ، وقد بدأ القرآن بالنّفس لأنّ الإنسان يُحبّ ذاته وحُبّ الذات ليس منقصة ما دام لم يصل الى حدّ الأنانية ، فإحدى الحوافز للعمل الصالح هو حبّ الذات ، لأن هذه المؤسسة التي تنفق عليها لك و لأبنائك و زوجتك وأهل بلدتك أولًا ، ثانيًا هناك بعض القضايا الإنفاقية تؤدّي الى تأليفِ القلوب ، وهذا يولّد الإطمئنان ، ثالثًا الفقر هو أحد أسباب الجريمة و الإنحراف في كلّ الدول الإسلامية وغير الإسلامية ، هذه الإنفاقات لفقيرٍ او مسكينٍ او منقطع ، و لإنسان يُريدُ العلم ، هذه الطّاقات المُكَبّلَة قد يُقيّدُها الفقر و الحالات المادية ، فأنت عندما تَضمن له علمه ، تضمن علمًا و أمنًا اجتماعيًا و نفسيًا . معنى " يوفّ اليكم " ، الله إن اراد أن يُعطي ، يُعطي ويجعل عملنا منجّيًا في أكثرِ الحالات .
إذا كان الله هو الغني فلماذا يطلب منّا أن نقرضه ؟ يجيب علينا أمير المؤمنين " وَقَالَ تَعَالَى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ وَلَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ اسْتَنْصَرَكُمْ وَلَهُ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَاسْتَقْرَضَكُمْ وَلَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اللَّهِ فِي دَارِهِ رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ وَأَزَارَهُمْ مَلَائِكَتَهُ وَأَكْرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً وَصَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَنَصَباً ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " ، نحقق هذه الصفات بأمرين ، أولًا أن تكون ابتغاء وجه الله ، فمن أعطى رياءً يوم القيامة ، يأتي النداء ( خذ أجرك ممن عملت له ) . وقد وُرد في الحديث القًدسي " المال مالي والأغنياء وكلائي والفقراء عيالي فإذا بخل وكلائي علي عيالي أذقتهم وبالي ولا أبالي " ، ثانيُا أن يكون الشيء الذي تُنفقه خيرُا ، المال خيرٌ ، الوساطة خيرٌ ، العلمُ خيرٌ ، الموعظة و النصيحة خيرٌ ، قد ينفق الإنسان مالٌا أو شخصيته او عفوه . لابدّ أن يكون حلالًا ، فلا نفقة من مال حرام ، فمن أراد الحجّ أو الزكاة أن لا يكن فيه حق لله او للناس ، حتى نصدق في علاقتنا مع الله و مع نفسنا ومع النّاس . و لابدّ أن يكون طيبًا ، وهو ما يلائم صاحبه . من سورة آل عمران " هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " الذرية الطيبة هي التي تحقق أماني الإنسان في أقوالها و أقوالها و أخلاقها وسلوكها ويقال عن البنت أو الولد قُرّة عين ، تميل النفس الى الطيب ، وتستسيغه الأشمام ، وهو ما يكفيك نفسيًا و صحيًا وغذائيًا ، البلد الطيب و المعيشة الطيبة ، أن تكون الحياة مبنية على القناعة ، و المال الذي تنفقه لابدّ أن يكون طيبًا حلالًا ،
الزكوات ، أولا هي مأخوذة من مطلق النماء ، زكى الشيء أي زاد ، وقد يراد منه لمعنى النفسي " ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها " ، " قد أفلح من تزكى ، وذكر اسم ربه فصلى ، بل تؤثرون الحياة الدنيا ، والآخرة خير وأبقى ، إن هذا لفي الصحف الأولى ، صحف إبراهيم وموسى " وهي الزيادة و النماء ، أمّا بالنسبة الى القرآن الكريم فكل ما ورد لا يراد به المعنى الشرعي بل المعنى اللغوي ، و هو مطلق الزيادة إلا أن يقيّد ، الصدقات الواجبة في القرآن ذكرت فقط في موريدن ، المورد الأول المتفق عليه في قضايا الزكاة الواجبة ، من سورة التوبة " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم " المراد من الصدقات هي الزكواة الواجبة ، والتي قسمت الى ثلاثة أقسام ، القسم الأول الزكاة المالية ، والقسم الثاني زكاة الحيوان ، القسم الثالث الغلاة ، القرآن جاء بشكل مطلق ، وعرفنا ذلك من رسول الله ، وليس الأصل في الزكوات المالية وجود الذهب و الفضة و الزكوات الحيوانية وجود الأنعام ، البقر و الإبل والغنم ، وزكاة الغلاة في وجود الحنطة و الزبيب و الشعير ، القرآن ذكرها على نحو التطبيقات و ليست اصل ، المراد منها أخذ الضريبة ، فلا تستقيم دولة بدون ضريبة .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع