شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الثالث عشر من شهر رمضان عام 1437هـ

تحت عنوان " صفات الدعاء في القرآن الكريم " واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية وذلك لليلة الثالثة عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1437 هـ ، وقد ابتدأ سماحته بآية من سورة يوسف " يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار " سورة يوسف ، وجميع قصص الأنبياء مليئة بالعبر و الدروس ، المقطع القرآني يشير فيه الله الى صورة مؤلمة موجعة ، النبي الله يوسف الذي قضى في السجن زمنًا ظلمًا ، حفاظًا على عفته وطهارته ونقاء قلبه ونقاء دعوته ، النبي يوسف نموذج مثالي جسّد الطهارة في كامل أبعادها ، في دعوته وسلوكه وحركيته وواقعه ، هذا المقطع المبارك يحكي لنا موقفًا لنبي الله يوسف ، وهو يحدّث رجلين ومن حوله من أصحاب السجن وكلهم مشركون وليسوا موحدين ، و أخذ يحرّك فيهم ضرورة الدّعوة الى التوحيد ، من الواضح بأن يوسف ومع شدة المحنة ، فانه يدعو الى الله أينما كان ، وبالتأمل في هذا النص نجد أن الآية المباركة تبيّنُ لنا أهم و أبرز صفات الإنسان الداعيَ الى الله و أبرز صفات الإنسان الرسالي .
أهم صفاة الدعاة لله و المبلغين لله - القرآن يطفح بصفاتهم وسيماهم - ، الصفة الأولى هي الحركية في الإصلاح ، داعية المصلح لا يُحدّ بزمانٍ ولا مكان ، هذا المشروع الإصلاحي ينطلقُ به الأنبياء و الأولياء ومن يتبعهم ، فهم يقارعون الظلم قريبًا او بعيدًا ، المصلحون يتحرّكون خارج دائرة الزمان و المكان ، في ظرف الشدة وظرف الرخاء ، يوسف الصديق كان داعية مجندًا لله ، سواء كان في قصر العزيز او في طامورة السجن ، المصلحون الرساليون في الشارع دعاة لله و في بيوتهم وفي جامعاتهم . الدعوة لله تكون من الصغير و الكبير . من سورة التحريم " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " فهي دعوة لله ، من سورة طه " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى " ، عن الإمام الصادق عليه السلام " بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة "، من سورة مريم " وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا " التفاسير تشير ان معنى مباركًا أي فعالًا للخير أينما كان و أينما ذهب ، فهو مصدر ليفيض للناس بالألطاف و البركات .
الصفة الثانية هي قوة البيان و الخطاب ، كل دعوة اذا لم تمتلك قوة في الخطاب و الحجة لن تصل الى أهدافها ، عندما أراد أن يغيّر نبي الله يوسف من اولئك الذين من حوله ، استعمل قوة الخطاب و البيان ، الخطاب الداعوي يجب ان يتسم بالقوة مضمونًا و بلاغيًّا و أدبيا ، الإمام الحسين استعمل خطابا راقيا في كل حركاته ، الحذر كل الحذر من الركاكة في الخطاب ، قوة الخطاب هي من المبادئ التي يستند اليها الحراك الديني و السياسي ، وهو جزء أساسي يعبر عن مضامين وقوة القيم و الحركة . " رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري " ، ما هي عقدة موسى والتي جعلت هارون أفصح منه ؟، القول الاول عندما كان صبيًا ، تأثر لسانه بوضع جمرة في لسانه ، الرأي الثاني ، كان موسى يحدث الله بلسانه ، و صار لا يطيق أن يكلّم الناس بهذا اللسان ، الرأي الثالث ، لسان موسى فيه رتة و عجلة . الرتة يقابلها الفصاحة ، ومع اختلاف الأراء مع قوتها وضعفها ، الأنبياء هم من يجسدوا الكمال ، وعلى هذا الأساس ، الدعوة لله عز وجل تحتاج الى خطاب و بيان وهذا أمر مهم .
الصفة الثالثة هي قوة الإرادة ، وقد يعبر عنها بسعة الصدر ، الصراع مع الباطل و الصراع مع الظلم و الإنحراف يحتاج لقوة وثبات و إرادة ، وقد تجلّت الإرادة صلبة في نبي الله يوسف ، و لم يكن عليه السلام ضعيفًا في الإرادة ، من سورة يوسف " وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون " ، كلمة " معاذ الله " تعبّر عن قوته عليه السلام في وجه المغريات ، " قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ، فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم " ، والنبي المصطفى عندما أراد المشركون أن يحيدوه عن الدعوة أرسلوا اليه عمه أبو طالب بالمغريات لأن يترك الدعوة ، كان ردّه ( ص ) " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته " .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع