شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة التاسع من شهر رمضان عام 1437هـ

تواصلت محاضرات الشيخ إبراهيم الصفا وذلك لليلة التاسعة من شهر رمضان المبارك لعام 1437 هـ ، وتحت عنوان " من بركات الإمام المهدي المنتظر (عج) " إبتدأ سماحته بحديث لصاحب العصر والزمان " وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب " ، قضية الإمام المهدي ( عج ) قضية تتعدى الحدود العقائدية الإسلامية لتكون قضية إنسانية شاملة ، لا توجد امة من الامم الا و تعتقد بضرورة وجود مخلّص في آخر الزمان ، غايةُ الامر أن كل أمة وكل دين ينسب المخلّص الموعود لدينه وعقيدته ومذهبه ، قضيته ( عج ) قضية انسانية شاملة ، اليهود يعتقدون بوجود المخلص وعلى يديه يتم اعمار الأرض الا انهم نسبوه الى نفسهم وأسمهم بالسيد الميكائيلي ، والنصارى يشتركون بنفس الرؤية وان المسيح سيعود وسيصلح الأرض ، والبوذيون أيضا بأن آلهتهم بوذى سيعود من جديد وسيكون اعمار الأرض على يده ، و أصحاب الأديان الأخرى يعتقدون أيضًا بضرورة وجود المخلّص ، فلا يوجد فساد وظلم وعدوان وجور دائم ، ستأتي لحظة ومنعطف في حياة البشرية يعيش الناس فيه ذروة العدالة والسعادة والإنسانية .
نحن كمسلمين ، قضية إمام الزمان فيها زاويتان ، زاوية سنية و زاوية شيعية ، لا ريب أن الشيعة يتوافقون ويُطبقون على رأيٍ واحد بأنه ( عج ) قضية حتمية لابد منها ، ويجب التسليم بها ولو أنكر منكرٍ لعُدّ ذلك خلل في عقيدته ، ومن هنا فإن الطائفة الشيعية تُطبق على ضرورة الإيمان بإمام الزمان ، السنّة انقسموا الى قسمين و قسم ثالث متطرف ، المتطرف منها يدّعي أنّ قضية الموعود من تًرّهات الشيعة لما نزل منهم من عدوان جعل منهم يتعلّقوا بقضية واهمة ، وهذا كلام يُضرب به بعرض الجدار ، القسمان الآخران ، قسم توافق مع الإمامية الشيعية انه من سلالة رسول الله وأنه وُلد ومغيّب عن الأبصار ، القسم الأخر وهو الأكثر يًسلّموا بوجود الإمام المهدي الا انهم يذهبون الى عدم ولادته وانه سوف يولد في آخر الزمان ، وهذه دعوة لا تصمد ، من حديث الثقلين وهو حديث متواتر لفظًا ومعنًا عندنا وعندهم ولا أحد ينكر هذه الرواية " إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " ، " العترة " هم أهل البيت ، " ولن يفترقا " هناك ثلاث صور للإفتراق ، الإفتراق الزماني و الإفتراق المكاني و الإفتراق الروحي ، الافتراق المكاني هو ممكن ، وهو أن يوجد المعصوم في مكان و القرآن في مكان آخر ، الإفتراق الروحي غير ممكن ، فلا يعقل أن يدعو القرآن لشيء ويأتي إمام الزمان يدعو لخلافه ، كأن يحرّم القرآن شيء ويحلله المعصوم ، الإفتراق الزماني محال أيضًا ، لا يمكن أن يوجد قرآن ولا يوجد بإزائه إمام معصوم ، نهاية الإفتراق تكون بقيام الساعة ويوم القيامة .
ما هو وجه الشبه بين الإمام ( عج ) والشمس ؟ تشبيه الإمام نفسه بالشمس مؤشر على ان الكمال التكويني لهذا الوجود لا يتكامل الا بوجوده ، الكمال نوعان ، كمال تشريعي وكمال تكويني ، الكمال التشريعي أن يؤتى بأحكام جاء بها الإنبياء و الأوصياء من أجل ضبط حركة الأمّة ، من حقوق اسرية و حقوق الحاكم و المحكوم وغيرها ، هذه أحكام شرعية لو طُبقت بحذافيرها لأوجدت الحياة القويمة المعتدلة السعيدة ، وتوصل المجتمع الى كماله ، من سورة الأنبياء " وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ " كل تعليمات الأنبياء ولا سيما ( ص ) . الكمال التكويني ينطلق من قانون الله في أرضه ، ولا خيار للإنسان في كمال الوجود التكويني ، الشمس مثلا ، لو جئنا بضرورة تقريب بين وجود الإمام و بين ضرورة وجود الشمس في هذه النشأة ، لو أن الشمس انعدمت ، هذه الوجود الفلكي سينفلت و ستعم الفوضى ، وجه التشبيه بضرورة وجود الإمام بالشمس ؛ لأنه قطب رحى هذه الوجود . عن الإمام الرضا عليه السلام " لو خلت الارض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها " الإمام طريق موصل لله ، فلسفة وجود المعصوم في الأرض هي إقامة قواعد الدين ، " لاَ تَخلُو الأَرضُ مِن قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشهُوراً، وَ إَمَّا خَائِفاً مَغمُوراً " وجود امام الزمان هو كمال الوجود ،
النكتة الثانية ، الشمس تستر ولكن ، غيابها عن الأبصار وعن الأفق يكون عن البعض ولا تغيب عن الكل ، وهكذا الإمام ( عج ) ، رؤية الإمام ( عج ) في زمن الغيبة ممكنة شرعًا وقولًا . قضية الإمام ومن خلال هذا النص حينما يشبه نفسه بالشمس ، الشمس مصدر عطاء للطاقة ، ومصدر منفعة للامة ، ولو أن هذه الشمس عدمت لهلك الناس ولو اتجهت درجة واحدة باتجاه الأرض لأحرقت الأرض ولو ارجعت درجة لتجمّدت ، فهي ميزان متقن الهي ، و هو ( عج ) مصدر فيض وعطاء للناس ، هذه الآثار المعنوية من الشمس مقرونة بالإستعداد ، فمن أوجد لنفسه نافذة صغيرةَ كانت او كبيرة ، فان الشعاع سيكون مقرونا بحجم النافذة ، و قلوبنا كذلك ، القلوب السليمة تحضى بالرعاية ، و يعطى الإنسان على قدر اقبال قلبه على إمام الزمان . من سورة الرعد " أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال " هذه صورة بلاغية رائعة بينها الطباطبائي ، وهو كل واد يتسع من غيث الله و أمطاره بقدره ، وهذه آية الأرزاق كما أوّلها الإمام الصادق عليه السلام .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع