شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الثاني من شهر رمضان لعام 1437 هـ

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضرته الرمضانية ، و ذلك في ليلة الثاني من شهر رمضان المبارك لعام 1437 هـ ، وتحت عنوان " الفرار إلى الله " ، ابتدأ سماحته بآيات من سورة الذاريات " فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ " . الوقوف مع قول المولى نجد فيه دعوة تنطلق من السماء لسائر العباد الى ضرورة الفرار الى الله ، ومن منطلق رحمته بعباده ، قد فتح سبحانه وتعالى أبواب لطفه ليعود الخلق اليه ، نحن العباد المذنبون و المفرطون ، عندما نتجرأ الى الله و نعصيه ، فإن باب رحمة الله لا يُقفل ، تأتي الدعوة تدريجية ، الأمر الأول يأتي المولى ليرفع حالة الإحباط واليأس لعبده ، من سورة الزمر " قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " ، وهو التعزيز المعنوي من قبل الله للعبد المذنب ، ثم تأتي الدعوة في سورة آل عمران " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " وقد جاء خطاب أشد من ذلك بمصطلح " ففروا " وهو أشد من المسارعة ؛ لأن بالعودة لله نجاة للعباد . للعلماء وقفة في هذه الايات و لهم عدة آراء في المراد من الفرار .
القول الأول ، الفرار هو الفرار من حالة الشرك و التعددية في الإلهية الى التوحيد ، الفرار من حالة الإلحاد وانكار وجود الرب الى حالة الإيمان ، ولهذا فهي دعوة تنطلق من الله سبحانه وتعالى الى نبيه ، ليبلغها عباده بضرورة الفرار اليه ، فيهجر الإنسان حالة التعددية في الألوهية ، الله من خلال أنبيائه ولا سيما النبي الخاتم ( ص ) يؤكد على ضرورة الفرار ، لا يوجد أكثر من اله ، لسنا كالنصارى الذين يؤمنون بالتثليث - الله و الإبن وروح القدس - ، الذات الالهية ذات بسيطة و البساطة المقصود بها فلسفيًا أي بمعنى عدم التركب ، فالروح بسيطة أما الأبدان فهي مركبة و كل مركب فقير ، والإيمان بالله ضرورة .
القول الثاني ، الفرار يكون من الذنوب والخطايا الى حالة التوبة ، هذا النوع من الفرار يتجلّى واضحًا في شهر الله ، كلّما أذنب الانسان ذنبًا فإن الذنوب تبعده عن الله ، فمن زاوية العبد فهو يبتعد بذنوبه ، واذا نظرنا من زاوية الله فإن الله قريب ، من سورة البقرة " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " ، الله سبحانه وتعالى قريبٌ للمطيع و العاصي ، البعد لا يكون من الله ، وانما نحن نتسبب بمعاصينا وخطايانا في البعد ، ما أحوج العبد الى أن يوجد حالة الفرار ، ولابد أن يعيش حالة العبد الفار المنكسر لله ، و أن يتقن لغة الخطاب ليكون عبدًا تائبًا ، من دعاء كميل " وقد أتيتك يا إلهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي معتذرا نادما منكسرا مستقيلا مسـتغفرا منيبا مقرا مذعنا معترفا ، لا أجد مفرًا مما كان مني ولا مفزعًا أتوجه إليه في أمري ، غيـر قبولك عذري وإدخالك إياي في سعة رحمتـك " . أبواب السماء في هذا الشهر مفتحة ، و اذا كان هناك قصور فهو من الفاعل ،لأن الله فتح الأبواب و ما علينا الا أن نفر اليه .
القول الثالث ، المراد من الفرار هي فرار العبد الى الله في حالة الشدائد و النوائب ، عندما تنزل على العبد بلية أو رزية ، قد يعتقد الإنسان أن كل الأبواب قد اغلقت بين يديه ، لكن باب الله لا يُغلق ، فهو مفتوح على مصراعيه ، فالعبد يجب أن يُلح في طرق الباب ، من دعاء الإفتتاح " فَاِنْ أَبْطأَ عَنّي عَتَبْتُ بِجَهْلي عَلَيْكَ ، وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُْمُورِ" . القول الرابع هو كما تذكره الرواية أن مصداق الفرار هو الحجّ ، نشد رحالنا الى حج بيت الله ، اما بحج او بعمرة ، والرواية ناظرة الى الحج .. العجب من قوم يبذلون أموالهم الى السفر الى هنا وهناك ولا يفكرون الى السفر لبيت الله ، الحج تكليف واجب ، من الغريب من هذا الإنسان تضييع امواله من دون الحج ( الفرار ) . القول الخامس هو فرار العاشقين ، وهو ليس فرار مذنبين ولا أهل الغفلة ، وانما فرارُ عبدِ محب لله ، يفر من الدنيا وشهواتها وغرائزها ومغرياتها . عن علي عليه السلام " يا دنيا غرّي غيري " و الدنيا هنا المقصود بها المعنى العام ، هذا منطق الفرار لمن يصل الى أعلى مراتب الشوق ، من أقواله أيضًا عليه السلام " إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنّتك، ولكنّي وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك " .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع