شارك هذا الموضوع

قراءة تحليلية للمواكب الشبابية في قرية السنابس: مأتم عبد الإمام كنموذج

إعداد اللجنة الفنية - حسينية الحاج أحمد بن خميس
قراءة تحليلية للمواكب الشبابية في قرية السنابس: مأتم عبد الإمام كنموذج
المقدمة:
تعتبر فئة الشباب فئة الإنتاج في المجتمع، فهي الفئة التي يعول عليها وينظر إليها بأنها الفئة التي يصل بها إلى أعلى قمم الازدهار والعمران. و قد يبدو للوهلة الأولى سهولة تعريف الشباب، لكن الواقع أن المكانة المعاصرة التي يشغلها الشباب في كافة المجتمعات يمكن النظر إليها بوصفها نتاج للتغيرات الاجتماعية والسياسية والديموغرافية والتعليمية والتربوية التي شهدها القرن الحالي.

في عام ١٩٨٥م اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة تعريفا لفئة الشباب لا يزال يستخدم إلى الآن كمعيار معتمد دولياً في أغلب الدراسات والإحصائيات بأنهم الأفراد الذين تقع أعمارهم ما بين ١٥إلى ٢٤ سنة.

وتعتبر مرحلة الشباب من أهم المراحل التي يمر فيها الفرد، حيث تبدأ شخصيته بالتبلور وتنضج معالم هذه الشخصية من خلال ما يكتسبه الفرد من مهارات ومعارف، ومن خلال العلاقات الاجتماعية التي يستطيع الفرد صياغتها ضمن اختياره الحر. وتتحدد خصائص وسمات الشباب في:

إن الشباب طاقة للتغيير والتشكيل.

الشباب طاقة إنسانية تتميز بالحماسة، الحساسية، الجرأة والاستقلالية وازدياد المشاعر.

درجة عالية من الديناميكية والحيوية والمرونة، المتسمة بالاندفاع والانطلاق والتحرر والتضحية.
إن الشاب اجتماعي بطبعه، وهذا يعني الميل الطبيعي للانتماء لمجموعة اجتماعية يعطيها وتعطيه تشبع رغباته وتوجهاته.
ولمعرفة استعدادات الشباب وانخراطهم في العمل المجتمعي سواء أكان نشاطًا اجتماعيًا أو سياسيًا أو تنمويًا، فإن المطلوب معرفة الاحتياجات الأساسية للشباب، والعمل على تلبيتها باعتبارها متطلبات ضرورية يجب إدراكها من قبل المعنيين، نذكر أهمها:
1.الحاجة إلى توزيع طاقاته في نشاط يميل إليه، وخصوصاً أن الشباب لديه طاقات هائلة وعدم تفريغها في أنشطة بناءة يزيد من حالة الاضطراب والملل والتوتر لديه.
2.الحاجة إلى تحقيق الذات، بما يعنيه من اختيار حر وواعٍ لدوره ومشاركته المجتمعية وشعوره بالانتماء لفكره أو مجموعة اجتماعية لها أهداف عامة.
3.الحاجة إلى بناء الشخصية القيادية الشابة من خلال تنمية القدرات القيادية وصقلها للمواهب الواعدة.
وبطبيعة الشباب أن يتمردوا على الواقع المعاش، فالشعور بالإستقلالية قد يكون استجابة فطرية كما عبر عنها عالم النفس إريك أريكسون في نظريته (النمو النفسي الاجتماعي). ففي البند الخامس من نظريته يتحدث اريكسون عن ما يسميه (أزمة الهوية او استكشاف الهوية) وتعني أن الشاب في بداية مرحلة المراهقة يسعى للإستقلال بشكل كبير ليحدد لشخصيته إطار مختلف وهوية مستقلة، لتأتي بعدها مرحلة الرشد، وفيها يكون الشاب مهتما بتكوين العلاقات والإنسجام مع الجماعات التي يحبها مثل النشاطات الرياضية أو السياسية. كما تتبلور وجهات نظر الشاب وتوجهاته، والتي يعبر عنها بالانضمام لجماعة تشبع هذا التوجه و تغذيه.
مواكب الشباب في قرية السنابس:
بناء على ما سبق، يمكن تحليل الموكب الشبابية التي كانت متواجدة في قرية السنابس خلال فترة الثمانينات من خلال ما ذكر اعلاه، فالشباب هنا كانت لهم استقلالية في قرارهم بعيدا عن تأثير مأتمي الكبار كما يشير الرادود عبد الشهيد الثور في مذكراته (تجارب موكبية في سيرة رادود)، حيث كانت لديهم قصائدهم التي تتطرق للوضع السياسي وقتها، من انتصار الثورة الإسلامية إلى الحرب العراقية الإيرانية، وهنا نرى ان شخصياتهم قد حددت أطرها وأن افكارهم قد نضجت، وهل هنالك افضل من نضوج الفكر على حب الحسين؟
في إطار عام، تعتبر قرية السنابس رائدة في مواكب العزاء منذ ما يزيد على القرن، فحسينية الحاج أحمد بن خميس تأسست في عام ١٨٧٧م ومنذ تأسيسها كان لها الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في أن يكون موكب العزاء فيها وجهة للقاصدين من مختلف مناطق البحرين، وهذا ما يفسر كون العزاء المركزي فيها في المناسبات الكبيرة كاليوم العاشر من المحرم.
بالعودة لحركة العزاء الحسيني، سنركز في هذا البحث على المآتم الشبابية التي نشطت - كما ذكرنا - في القرية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات، ويرجع سبب تأسيسها لعدة أسباب أهمها مفاهيم الثورة والحماس وشعلة النشاط التي تكونت لهذا الجيل، خصوصا مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، يضاف لذلك الوضع السياسي آنذاك الذي كان يخنق حركة المواكب الحسينية.
مأتم عبد الإمام: الفكرة والتأسيس:
في لقاء معه، استرجع سلمان علي رضي ذكرياته لبداية الثمانينات، حيث يؤكد أن مأتم عبد الإمام كان نتاج اندماج مأتم (الجِلل والأنجاوي)، وأكد هذا الرادود عبد الشهيد الثور في مذكراته السابق ذكرها، ويتابع سلمان علي رضي حديثه: عندما ضاقَ مأتم (الجِلل) بالمعزين الشباب، اقترح القائمون على المأتم الإنتقال لفضاء أرحب، يحيون فيه الشعائر الحسينية وفق قدراتهم، معتمدين على طاقاتهم الحماسية. بعد أن تم اختيار المكان الجديد للمأتم، باشروا بناءه من مواد بسيطة مستخدمين الأخشاب، وبوسط المأتم وضعوا عمود خشبي بمساحة لا تتجاوز الـ ٥x٤ أمتار.
بعد اكتمال البناء، أصبح المأتم جاهزا لإستقبال المعزين من مختلف الفئات العمرية، فما إن ينتهي الخطيب الحسيني حتى يبدؤن العزاء، ويتناوب عدة رواديد معتمدين في بداية الأمر على ما يفرغونه من الأشرطة العراقية، أو ما كتبه الشعراء العراقيون، ثم تطور الأمر لقيام بعضهم بالبدأ في كتابة قصائده بنفسه متجاوزا نظام القوافي والأوزان في بدايته.
يشير الرادود عبد الشهيد الثور في مذكراته: أن مواكب العزاء كانت تعتمد على القصيدة العراقية، والشاعر العراقي، أو ما ينشده الرادود العراقي.ثم جاءت لحظة انتقال القصيدة من الطور واللهجة العراقية للطور واللهجة البحرانية في العام ١٩٨٦م، وهذا ما عبّر عنه بـ (بحرنة القصيدة).
نهاية مشروع شبابي طموح:
نرجع مرةً أخرى لسلمان علي رضي حيث يكمل حديثه: في أحد أيام شهر أغسطس ١٩٨٣م، وكان ذلك في أيام الصيف اللاهب، تم اعتقال عبد الإمام وانقطعت أخباره، لتحزن والدته عليه حزنًا شديدا حيث لا أحد لها سواه، ولا أحد له سواها. بعد اعتقال عبد الإمام بأسبوع، تم اعتقالي أيضا. في التحقيق عرفت جريمتي، كانت قصيدة ألقيتها في ذكرى استشهاد الإمام الصادق عليه السلام كان مستهلها (يا مفجر علوم الأولين والآخرين)، تم توجيه أصابع الإتهام لي بأنني أقصد مفجر الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني بكلماتها، أما صاحبي عبد الإمام فجريمته أنه مسؤول المأتم، وهو من سمح لي بإلقاءها.
يواصل سلمان حديثه: أنكرت بأنني أقصد أي أحد غير الإمام الصادق (ع) سادس أئمتنا وصاحب المناسبة التي أحييناها، فلم يصدقوا ذلك!.
بالرجوع لمذكرات الرادود عبد الشهيد الثور: أن أعين جهاز أمن الدولة أصبحت تحوم حول مشروع مأتم عبد الإمام، بسبب الوضع السياسي آنذاك، إلى أن تمَّ اعتقال عبد الإمام وسلمان علي رضي، وبعد الإفراج عنهما، كانت نهاية المأتم قد كُتبت فعليا، وبقي التنفيذ.
تم احتجاز عبد الإمام لمدة أسبوعين، أما سلمان علي رضي فقد لبث نصف مدة صاحبه في سجن (القلعة)، وتم الإفراج عنها بعد توقيع تعهد يتضمن هدم المأتم بحجة أنه غير مرخص وليس مسجلا في الأوقاف الجعفرية وكان هذا الإفراج المشروط بوساطة أحد وجهاء القرية.
بعد توقيع التعهد والإفراج، خرجا قاصدين للقرية مشيًا على الأقدام، ليصادفهم أحد السيّارة ويقلهم لقرب مسجد المقبرة بعد أن عرف بقصتهم، حين وصلا لقرب المقبرة، شاهدا صاحبهم موسى جعفر وهو يحدق بعيدا، ولربما كان يفكر فيهما. قام الشباب بالعمل الصعب، وهو هدم المأتم، المأتم الذي لم يبلغ من العمر أكثر من ٣ سنوات.
بالعودة لمذكرات الرادود عبد الشهيد الثور: أن نهاية مأتم عبد الإمام كانت نهاية حلم كبير، كانوا يبنون عليه آمال عريضة، يشاطره في هذا الرأي سلمان علي رضي، الذي كان متفائلا حين قال: لولا اعتقالنا لكان مأتم عبد الإمام قائما للآن.
ما سبق، هي قراءة لمشروع شبابي جبّار في زمن صعب، حاولنا أن نستذكرها للتوثيق واسترجاع ذكريات لم يعشها البعض، وعاصرها البعض الآخر. حاولنا في هذه القراءة أن نكشف سر انتشارها وازدهارها، وسر قوتها، فهل نشهد عودة المواكب الشبابية كما كانت في السابق؟!
فيما يلي بعض الصور لمأتم عبد الإمام من النشاط في بداية الثمانينات وبعد ٣٢ عامًا من الهدم وما تبقت من الأنقاض











التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع