شارك هذا الموضوع

الزواج الإسلامي : عرس الزهراء (ع) نموذجاً

يعاني مجتمعنا الإسلامي في العصر الحاضر من مشاكل عديدة تنخر جسده في الصميم من أساسه ومرتكزاته. ومن بين أهم تلك المشاكل مشكلة العزوف القهري  إلى حد ما  عن الزواج بسبب كثير من العوائق والموانع التي ترجع لو دققنا فيها إلى أعراف وتقاليد بالية في كثير من الأحيان، وإلى أوهام لا تصمد كالزبد تزول بأدنى هبة ريح من رياح العقل والتفكير المنطقي أو الإسلامي.


 الإهتمام بالقشور والشكليات‏


أن أحد أهم أسباب هذه المشكلة يرجع إلى الاهتمام بالقشور والشكليات. والإسلام لم يدعُ إلى ترك الشكليات بشكل مطلق ولكنه رغم ذلك اعتبرها قشوراً وركز على ما هو أسمى واجل منها. ومشكلة مجتمعنا أنه وقف عند القشور واستعاض بها عن المضمون وأخذ صدف الأمور وترك جوهرها وهذه الشكليات قد طغت على اهتمام أفراد المجتمع الإسلامي في جميع أصعدة حياته في الموت والعزاء كما في الأعراس والأفراح.


المهر:


لقد أكد الإسلام أن الميزان الذي ينبغي أن يتم اختيار الزوج على أساسه أمران:


الأول: الخلق الحسن.


الثاني: التدين.


حيث قال رسول الله (ص) «من جاءكم ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». فهي صريحة في الاهتمام بالأخلاق والدين وانهما رصيد الزوج دون المال والثروة والسلطان،لان المهر مجرد وسيلة للاستقرار، وإلا فمتى كان المهر حاجبا للزوج عن أذية الزوجة أو باعثاً لاستقرارها. وهكذا أكد الرسول (ص) حين رجح عليا ًلدينه وخلقه، ولم يعبأ بفقره وضيق ذات يده، على ثروة عبد الرحمن وماله.


وقال أيضاً: «أفضل نساء أمتي أقلهن مهراً».


وقال صادق أهل البيت (ع): «شؤم المرأة في كثرة صداقها».


وهذا حل واقعي لمشكلتنا، الذي بدوره يساعد على بناء الأسرة وتعزيز التواصل والمحبة والألفة بل ويساعد على تعزيز عجلة الاقتصاد وهو القائل (ص) «الزواج ينفي الفقر».


 الأثاث:


كثيراً ما حال أثاث البيت بين زوجين حبيبين متآلفين لعدم إمكانية شراء غرفة نوم ذات مواصفات محددة أو غرفة جلوس أو، أو، ويتذرع البعض بالشأنية تارة، وبالتقاليد أخرى ويتدخل أهل الزوجة في تفاصيل ذلك، ما يعكر صفو العلاقة بين الزوجين ما يفضي في نهاية الأمر إلى الفراق في بعض الأحيان.


لماذا ذلك؟ وهل هذا العمل افضل من زواجها؟ وهل هي أفضل من الزهراء (عليها السلام)؟ هل والدها شأنيته تفرض عليه ذلك؟...


الصحيح أنها في وهم وخيال حين تظن أن السعادة هي بالأثاث الثمين أو غير ذلك. ها هو بيت الزهراء القدوة كان جل آنيتهم الخزف وهو القائل (ص): «اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف».


 العرس:


العرس في مجتمعنا يعني أن من حق الزوجة أن تفرح وتكبر الفرحة بازدياد السرف والبذخ. وهذا ما يقف عائقاً وحاجزاً مخيفاً أمام العريس الأمر الذي يجعله يؤخر أمر الزواج حتى يؤمن تكاليف العرس، أو يعرض عن الزواج إلى إشعار آخر.


والحل بتذليل العقبات ورفع المعوقات من أمام العروسين، أو بالأعراس الجماعية، التي لها من الآثار الحسنة على أهلنا، من بينها تخفيف الكلفة والأعباء المادية على الزوج.


 السكن:


وهو من المشاكل الحقيقية في عالمنا ولكننا حين نواجه هذه المشكلة نواجهها بعوامل تساعدنا على غلبة أنفسنا وانهزامها أمام هذا الواقع المشؤوم ولكن عند الالتزام بالأمور المطلوبة والضرورية في الموارد السابقة الذكر يصير أمر السكن سهلا، وخصوصاً إذا تعاطينا معه بالاقتصار على الضرورات، فلا تكاليف باهظة للعرس، ولا مشاكل في تأمين ثمن الأثاث ولا المهر غال يوجب الشؤم.


 عرس الزهراء


أمام هذه المعوقات التي ذكرت وغيرها ما هو الحل؟


لا شك في أن الحل المناسب هو بالرجوع إلى النبع والأصل من القرآن الكريم، وسيرة النبي وأهل البيت عليهم السلام.


فكيف كان زواج الإمام علي (ع) والسيدة فاطمة (ع) وهي بنت النبي محمد (ص).


وهل في الوجود أعظم شرفاً وفضلاً منهم؟ ومع ذلك كيف كانت تشريفات هذا الزواج ومراسمه؟


عندما أتي علي (ع) إلى الرسول (ص) يخطب منه ابنته فاطمة (ع) قال له الرسول: يا علي قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك.


فقام الرسول وترك علياً جالساً ينتظر النتيجة. ودخل على ابنته فاطمة، وأخبرها بأن علياً جاء يطلب يدها، فسكتت، ولم تولّ وجهها، ولم يرَ فيها رسول اللَّه (ص) كراهة، فقام وهو يقول: اللَّه أكبر! سكوتها إقرارها.


ورجع النبي إلى علي وهو ينتظر، فأخبره بالموافقة.


ثم قال له: هل معك شي‏ء أُزوجك به؟


فقال علي: فداك أبي وأمي! واللَّه لا يخفى عليك من أمري شي‏ء، أملك سيفي ودرعي وناضحي(1)!


فقال النبي (ص) يا علي! أما سيفك فلا غنى بك عنه، تجاهد به في سبيل اللَّه، وتقاتل به أعداء اللَّه، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك، وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكني قد زوَّجتك بالدرع ورضيت بها منك، بِع الدرع وأئتني بالثمن!


باع علي (ع) الدرع بأربعمائة وثمانين أو بخمسمائة درهم، وجاء بالدراهم إلى النبي (ص) وطرحها بين يديه، وتمَّ الوفاق على أن يكون ثَمن الدرع صداقاً لأشرف فتاة في العالم، وأفضل أُنثى في الكون، وهي سيدة نساء العالمين، وبنت سيد الأنبياء والمرسلين وأشرف المخلوقين!


وقد أقيمت حفلة القِران في السماء الرابعة عند البيت المعمور، اجتمع ملائكة السموات كلها حيث نُصب منبر الكرامة، وأوحى اللَّه تعالى إلى مَلَكٍ من ملائكة حُجُبه يقال له (راحيل) أن يعلو ذلك المنبر، فعلا المنبر ومما قال: إختار اللَّه الملك الجبار صفوة كرمه، وعبد عظمته لأمَته سيدة النساء، بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين، فوصل حبله بحبل رجل من أهله، على الوَصول بفاطمة البتول ابنة الرسول.


وبينما النبي (ص) في المسجد إذ قال لعليٍّ: هذا جبرئيل أخبرني أن اللَّه قد زوَّجك فاطمة؛ وأشهد على تزويجها أربعين ألف ملَك، وأوحى إلى شجرة طوبى أن أنثري عليهم الدرَّ والياقوت والحلي والحلل، فنثرت عليهم، فابتدرت الحور العين يلتقطن من أطباق الدر والياقوت والحلي والحلل، فهم يتهادونه إلى يوم القيامة.


وأجرى الرسول (ص) صيغة العقد في المسجد وهو على المنبر، بمرأىً من المسلمين ومسمع، وهكذا سنَّ رسول اللَّه الإعلان والإشهاد في عقد النكاح، وقال (ص): «لا تغالوا في الصداق فتكون عداوة». وجعل النبي (ص) المهر الذي جرت عليه السُّنة خمسمائة درهم.


هذا وعندما باع علي (ع) الدرع، وجاء بالثمن إلى الرسول، قسَّم النبي (ص) المبلغ أثلاثاً: ثلثاً لشراء الجهاز، وثلثاً لشراء الطيب والعطر للزفاف، وثلثاً تركه أمانة عند أُم سلمة ثم ردَّه إلى علي قُبيل الزفاف إعانةً ومساعدة منه إليه لطعام وليمة الزفاف.


وقد جاء إلى الرسول أُناس من قريش فقالوا: إنك زوَّجت علياً بمهر خسيس فقال لهم: «ما أنا زوَّجت علياً، ولكنّ اللَّه زوَّجه ليلة أُسري بي عند سدرة المنتهى...» الخ(2).


 جهاز فاطمة (ع)


كان جهاز السيدة فاطمة (ع) جهازاً في غاية البساطة قوامه:


 فراشان من خيش مصر، حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جز الغنم.


 نطع من أدم (جلد).


 وسادة من أدم حشوها من ليف النخل.


 عباءة خيبرية.


 قربة للماء.


 كيزان (جمع كوز) وجرار (جمع جرَّة) وعاء للماء.


 مطهرة للماء مزفَّتة.


 ستر صوف رقيق.


 قميص بسبعة دراهم.


 خمار بأربعة دراهم.


 قطيفة سوداء.


 سرير مزمَّل بشريط.


 أربعة مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر (نبات معروف).


 حصير هجري.


 رحى لليد.


 مخضب من نحاس.


 قعب للبن.


 شنٌّ للماء.


فلما عرض المتاع على رسول اللَّه وكان في حجرة أُم سلمة جعل يقلِّبه بيده ويقول: «بارك اللَّه لأهل البيت. جُلُّ آنيتهم الخزف...».


من صداق فاطمة (ع) الشفاعة يوم القيامة


وقد ورد في الخبر أنها (ع) لما سمعت بأن أباها زوَّجها وجعل الدراهم مهراً لها فقالت: «يا رسول اللَّه إن بنات الناس يتزوَّجن بالدراهم فما الفرق بيني وبينهن؟ أسألك أن تردّها، وتدعو اللَّه تعالى أن يجعل مَهري الشفاعة في عصاة أُمتك»، فنزل جبرائيل (ع) ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: (جعل اللَّه مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أُمة أبيها) فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن. فوُضعت، وقالت: «إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي وشفعت في عصاة أُمة أبي»(3).


الزفاف ومقدماته‏


كان علياً (ع) يستحي أن يطالب رسول اللَّه (ص) بزوجته. وطالت تلك الفترة شهراً أو شهوراً، وأخيراً جاء عقيل إلى علي يسأله عن سبب السكوت والقعود. فالتقت أُم أيمن بهما، وتكفلت هي إنهاء الأمر، ولهذا ذهبت إلى أُم سلمة فأعلمتها بذلك، وأعلمت نساء النبي، فاجتمعن عند الرسول وكان في بيت عائشة فأحدقن به، وقلن: فديناك بآبائنا وأُمهاتنا يا رسول اللَّه! قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجة في الأحياء لقرَّت بذلك عينها!


قالت أم سلمة: يا رسول اللَّه! هذا أخوك في الدنيا، وابن عمك في النسب، علي بن أبي طالب يحب أن تُدخل عليه زوجته فاطمة تجمع بها شمله.


فقال (ص): فما بال علي لا يسألني ذلك؟ قالت: الحياء منك يا رسول اللَّه! فقال لأُم أيمن : إنطلقي إلى علي فإتيني به.


وحضر علي (ع) عند الرسول (ص) وجلس مطرقاً رأسه نحو الأرض حياءً منه، فقال له: أتحب أن تدخل عليك زوجتك؟ قال: نعم، فداك أبي وأبي! قال: نعم، وكرامة، ادخلها عليك في ليلتنا هذه أو ليلة غد إن شاء اللَّه، هيى‏ء منزلاً حتى تحوِّل فاطمة إليه. فقال علي: ما ههنا منزل إلاَّ منزل حارثة بن النعمان. فقال النبي: لقد استحينا من حارثة بن النعمان، قد أخذنا عامة منازله!


وقد وصل الخبر إلى حارثة، فجاء إلى النبي وقال: يا رسول اللَّه! أنا ومالي للَّه ولرسوله... وجعل حارثة أحد منازله تحت تصرُّف علي، وقام علي بتأثيث حجرة العروس وتجهيزها، فقد بسط كثيباً (رملاً) في أرض الحجرة، ونصب عوداً يوضع عليه القربة واشترى جرّة وكوزاً، ونصبوا خشبة من حائط إلى حائط للثياب!، وبسط جلد كبش، ومخدّة ليف!


هذا جميع ما كان يتمتع به علي (ع) من متاع الحياة الدنيا وزخرفها!


وتقدَّم بعض الأصحاب إلى علي ببعض الهدايا، وأمر النبي (ص) علياً أن يصنع طعاماً فاضلاً لأن اللَّه تعالى يحب إطعام الطعام وأن يدعو الناس إلى وليمته.


فأقبل علي (ص) إلى المسجد، وصعد على مكان عال، يسمعه كل أحد، ونادى: «أيها الناس أجيبوا إلى وليمة فاطمة بنت محمد». وصل صوته حتى إلى بساتين المدينة ومزارعها، فأقبل الناس رجالاً ونساءً وحتى أهل البساتين، يأكلون ويشربون، ويحملون معهم من ذلك الطعام.


وهنا ظهرت بركة رسول اللَّه (ص) إذ أن الطعام لم ينفذ، مع أن العدد كان كثيراً والطعام قليلاً بل وكأنه لم ينقص، ودعا رسول اللَّه بالأواني فمُلئت بالطعام، ووجَّه بها إلى بيوت زوجاته وأخذ صفحة (آنية) وقال: وهذه لفاطمة وبعلها!


أمر رسول اللَّه (ص) زوجاته بتزيين السيدة فاطمة الزهراء (ع) استعداداً للزفاف، فقامت النسوة فضمَّخنها بالطيب، وألبسنها الحلي، فكانت إحداهن تمشط شعرها، والأخرى بتزيينها ولبست الحلَّة التي جاء بها جبرئيل من الجنة، وكانت الحلَّة لا تُقوَّم بقيمة، ولا تثمَّن بثمن.


ولما انصرفت الشمس نحو الغروب دعا الرسول بابنته الطاهرة ودعا بصهره العظيم فأقبلت السيدة فاطمة وقد لبست ثوباً طويلاً، تجرّ ذيلها على الأرض، وقد تصبَّبت عرقاً حياءً من أبيها سيد الأنبياء.


وأتى النبي ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: إركبي. وأمر (ص) سلمان أن يقود البغلة، وكان هو (ص) يسوقها(4).


وقد روى الخطيب البغدادي والحمويني والذهبي والعسقلاني والقرماني والقندوزي عن ابن عباس أنه قال:


لمَّا زُفَّت فاطمة إلى علي كان النبي (ص) قُدَّامها، وجبرئيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك خلفها، يسبِّحون اللَّه ويقدِّسونه حتى طلع الفجر.


وهكذا اجتمع رجالات بني هاشم يمشون في موكب السيدة. وأمر النبي (ص) بنات عبد المطلب (عماته) ونساء المهاجرين والأنصار أن يرافقن فاطمة في تلك المسيرة وكانت زوجات الرسول (ص) يمشين قُدَّامها، ويرجزن فكانت أُم سلمة تقول:


سِرنَ بعون اللَّه جاراتي‏         واشكرنه في كل حالات‏


واذكرن ما أنعم رب العلى‏       من كشف مكروه وآفات‏


فقد هدانا بعد كفر قد             أنعشنا ربّ السموات‏


وسرن مع خير نساء الورى‏     تُفدى بعمَّاتٍ وخالات‏


يا بنت من فضَّله ذو العلى‏       بالوحي منه والرسالات‏


 وكانت النسوة يرجّعن أول بيت من كل رجز، ودخلن الدار، ثم أنفذ رسول اللَّه (ص) إلى علي ودعاه ثم دعا فاطمة فأخذ يدها ووضعها في يد علي وقال: بارك اللَّه في ابنة رسول اللَّه.


يا علي! هذه فاطمة وديعتي عندك!


يا علي! نعم الزوجة فاطمة!


ويا فاطمة! نعم البعل علي!


اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في سبيلهما، اللهم إنهما أحب خلقك إليَّ فأحبَّهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم.


ثمَّ دعا بماءٍ فأخذ منه جرعة فتمضمض بها، ثم مجَّها في القعب، ثمَّ صبَّها على رأس فاطمة وعلى صدرها وبين كتفيها ثم دعا علياً فصنع به كما صنع بها.


وأمر رسول اللَّه (ص) النساء بالخروج فخرجن.


هذا عرس أشرف الخلق بعد النبي (ص) فلنقتدِ بهم وليكن عرسهم نموذجاً لأعراسنا.


 


(1) الناضح: البعير الذي يُحمل عليه الماء.


(2) من لا يحضره الفقيه.


(3) سنوافيك في أواخر هذا الكتاب بطائفة كبرة من الأحاديث حول شفاعتها يوم القيامة.


(4) أمالي الشيخ

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع