الاقدام على الزواج واختيار شريك العمر هاجس لا يكاد يفارق كل فتى وفتاة بلغا مرحلة الرشد والبلوغ الفكري والعقلي. وهذا الاختيار أمر في غاية الصعوبة والدقة وعليه تتوقف سعادة الانسان في مرحلة كبيرة وواسعة من حياته المستقبلية.
وتبقى الاستفهامات الحائرة تدور في مخيلة كل شاب وشابة لم يطأ بعدُ عتبة الحياة الزوجية حول المؤهلات اللازم توفرها في الشريك القادم والصفات التي بها يتحقق الوئام والانسجام والصفاء. غير أن الشريعة الاسلامية السمحاء والأحاديث الشريفة الواردة عن الرسول (ص) وأئمة الهدى عليهم السلام لم تترك هذا الجانب المهم من حياة كل انسان دون أن تغنيه بالارشادات اللازمة والنصائح المفيدة. فوضعت حدوداً للرجل في اختيار الزوجة الصالحة، ووضعت للمرأة ولمن يعنيه أمرها المعايير المهمة التي عليها يتوقف اختيار الرجل المؤمن والكفؤ المناسب لها.
المؤمنة كفؤ المؤمن:
ليس فوق الاسلام والايمان شرف للمسلم المؤمن في من يبتغي الارتباط بها وكذلك هو بالنسبة للمرأة المسلمة المؤمنة، وليس فوق التقوى فضل وكرامة «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، والقرآن الكريم أكّد هذه الحقيقة الناصعة في آياته الباهرات، قوله تعالى في سورة النور (الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) 26 فطهارة الاسلام والايمان تفرض طهارة وطيباً، والطيب لا يقترن إلاّ بطيب مثله، والطاهر لا يلتقي إلاّ بطُهر مثله. كما أن الخبيث «من لم ينزه باطنه من قذارة الشرك والمعصية» لا يمكن أن يجتمع إلاّ بخبيث من صنفه (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات) النور 26.
وعليه فإن أول أمر يجب أن يضعه المسلم نصب عينيه في زوجه القادم، هو الاسلام والايمان.
ثم تتدرج الأحاديث الشريفة في تعيين صفات المرأة الصالحة التي يجد فيها الرجل الحجر الطيب لأولاده، والكفؤ المناسب لغاياته وأهدافه والسّكَن الهادىء الذي يروي به ظمأ عواطفه، وتحذره في الوقت نفسه من الاقتران بنساء جميل ظاهرهن خبيث مصدرهن، لا يستقيم بهن صفو الياة الزوجية وودها.
عليكم بذات الدين:
جاء عن رسول الله (ص) أنه قال: «تنكح المرأة على أربع خلال: على مالها، وعلى دينها، وعلى جمالها، وعلى حسبها ونسبها، فعليك بذات الدين»(1). تختلف الدوافع للزواج من فرد لفرد كل حسب تفكيره وقوة عقيدته ولكن الرسول (ص) وهو الذي لا ينطق عن الهوى يحصر تلك الدوافع جميعها بصورة إجمالية بأربع خصال وهي: المال، الجمال، الحسب والنسب، والدين، ويضع على رأسها الدين كأهم دافع وأهم صفة يجب توفرها في الزوجة أو الزوج لأن الدين هو الرادع الوحيد والحصن المنيع الذي تتسور به العلاقة الزوجية من أي خدش يصيبها أو أي عامل يقف دون استمرارها، وحياة الزوجين ما دامت قائمة في ظل الدين فهي في حفظ وأمان فقد أتى رسول الله (ص) رجل يستأمره في النكاح فقال: نعم انكح وعليك بذات الدين تربت يداك.
إياكم وخضراء الدِمَنْ:
الاغترار بظاهر الأمور وعدم سبر اغوارها صفة غالباً ما توجد عند الكثير منّا، ولا يخفى أن جمال الظاهر إن لم يكن مصحوباً بجمال الباطن فإنه لا ينفع بشيء إن لم يَعد بنتائج سيئة ومضار كبيرة على صاحبه وقد يتوفر هذا الجمال لبعض النساء ولكنه هل سيكون كافياً في تحقق المعاني الصادقة للحياة الزوجية، وهل أن الجمال وحده قادر على توفير أجواء السعادة والمحبة داخل الأسرة الفتية، أم أن للسعادة مفهوماً فوق كل تلك الأطر المادية والمظاهر الشكلية مفهوماً تستعذبه الروح وينبض به القلب وتنشد به النفوس بعضها ببعض. لهذا فإن اعتبار الجمال كشرط أساس في اختيار الزوجة أو الزوج قد يعود وباله على صاحبه قبل غيره لأن الجمال وحده قد يخفي وراءه أكثر من عيب ونقص، لهذا كرّرت الأحاديث الشريفة المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة تحذيرها من التركيز على الحسن الظاهري وترك الجوانب الأخرى في اختيار شريكة الحياة أو شريك الحياة. فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: «لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهنّ، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهنّ على الدين» وقال (ص) في موضع آخر: «لا يختار حسن وجه المرأة على حسن دينها»(4) لأن حسن الدين يعني حسن الخلق وجميل الطباع وكرائم الصفات»
وسعادة الحياة الزوجية وهناؤها لا يتقوّم إلاّ بهذه المفاهيم الطيبة، فهل يستطيع جمال الظاهر أن يغني عن ذلك إن لم يخف وراءه من سوء الطباع والأخلاق الكثير في بعض الأحيان لهذا جاء تحذير الرسول (ص) اتباعه من الوقوع في هذه الشباك فقد قال عليه الصلاة والسلام: «إياك وخضراء الدِمَنْ» قيل يا رسول الله وما خضراء الدِمَنْ؟ قال: «المرأة الحسناء في منبت السوء»
تخيّروا لأولادكم:
ثمة أمر آخر في غاية الأهمية يجب أن يضعه الخاطب نصب عينيه في اختيار الزوجة التي سيكون حضنها مهداً لأطفاله وحجراً يعرجون منه الى سماء الفضائل وعلو الدرجات، ترى أي أمر يجب ملاحظته في هذا الجانب كي تُضمن فيه تحقق الأهداف المتقدمة؟ وبماذا أشار رسول الله (ص) على اتباعه في اختيار أمهات أولادهم؟ فنراه يقول مرّة: «تخيّروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم فإن النساء يلدن أشباه اخوانهن وأخواتهن»
ومرة أخرى يقول (عليه آلاف التحية والسلام): «تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دسّاس».
أجل أن العوامل الوراثية تلعب دوراً كبيراً في صياغة شخصية الانسان فإن كان منبته طيباً وطاهراً يخرج نباته طيباً بإذن الله، وليس فقط العوامل الوراثية من جهة الأم فقط تلعب دورها في تحديد شخصية الطفل وإنما العرق دساس ويمتد الى كل من له صلة بالأم من إخوة وأخوات، فيحمل الطفل صفات العائلة التي انحدر منها.
إضافة الى طهارة المنبت فإن التعليمات الاسلامية تؤكد الاهتمام بالصفات الأخرى التي هي بدورها قد تنتقل الى الأولاد ويكون لها أبلغ الأثر في بناء شخصيتهم، كقوة العقل وقدرة التفكير والارادة، ففي هذا المجال يذكرنا رسول الله (ص) بقوله: «إياكم وتزوج الحمقاء، فإن صحبتها ضياع وولدها ضباع».
زوّج للدين والخلق:
قال الامام الرضا عليه السلام: إذا خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوّجه، ولا يمنعك فقره وفاقته، قال الله تعالى: (وإن يتفرقا يغن الله كلاّ من سعته) وقال: (ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله.
حديث واضح العبارة بيّن الحجة ظاهر الدلالة لكل امرأة تروم الزواج وتبحث عن رضا الله ومقاييس الدين في اختيارها لزوجها، فلم يحدد الامام عليه السلام أكثر من شرطين وهما الدين والخلق، وجعل المال عاملاً ثانوياً وغير أساس في بناء الحياة المشتركة لأن الله وعد الصالحين أن يتكفل أمرهم ومعيشتهم من فضله «إن يكونا فقراء يغنهم الله من فضله».
جاء رجل الى الامام الحسن عليه السلام يستشيره في تزويج ابنته، فقال: زوجها من رجل تقي فإنه إن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
أجل فإن الدين والتقوى أكبر رادع للانسان من أن يتعدى حدود الله في زوجته وأداء حقوقها إليها، لهذا أشارت السنة وأحاديث أئمة الهدى كثيراً الى التمسك بعنصر الدين في تزويج البنات، كما نهت أيضاً عن تزويج شارب الخمر والشكّاك وسيّىء الخلق، وفي ذلك تشير الى حقيقة همة وهي أن الرجل قد يقهر زوجته على دينه والمرأة تأخذ من أدب زوجها فلا بد للزوج من أن يتصف بكمال الدين وحسن السيرة والأخلاق.
وأخيراً فالزواج نوع من الارتباط الروحي والالتقاء الفكري والسير نحو التكامل فلينظر المرء (سواء المرأة أو الرجل) بمن يقترن ومن يتزوّج.
التعليقات (0)