شارك هذا الموضوع

قصيدة الموكب الحسيني

قصيدة إبداعية حملت الأمل والألم تحتاج إلى دراسة


هي قصيدة ضخمة ممتدة  تحتاج إلى بحث ضخم ممتد، بقدرها لا بقدر الباحث، تحتاج إلى بحث في الشكل الأدبي الذي تنتمي إليه واللغة التي تتشكل فيها، والمدى الإبداعي الشاعري الذي تبحر فيه  و بحث في الرسالة والخطابات التي تحملها والتي تتعالق بها مع الواقع، وظروف الكتابة بمختلف إسقاطاتها على المستوى الماضي المتمثل في السيرة الحسينية الممتدة بامتداد الحركة الحسينية و إسقاطاتها على مستوى الرؤى المستقبلية التي تتطلع إلى الغد الأجمل حاملة آمال الخلاص لكل المحرومين من مختلف أنواع الحرمان الذي يعيشونه، وهي قصيدة تحتاج إلى بحث في باعثها ومواصفاته، و بحث  في متلقيها و خصوصيته، و كل ذلك بهدف التوثيق الأدبي و العلمي لهذه القصيدة الضخمة ذات المساحة البحثية الواسعة الجديرة بالنظرة المتأنية والفاحصة؛ فليس من اللائق بنا أن نتجاهلها أو نغض الطرف عن قصيدة كهذه القصيدة الممتدة في عراقة الأصل المتعالقة بشدة مع الحدث السياسي في الماضي والحاضر والتي تمثل ظاهرة حية تحتاج إلى الدراسة والنقد والتحليل.


سوف أترك الفضاءات الواسعة التي أوحيت إليها في المقدمة لأدخل في هدف المقالة البادي في العنوان وهو محاولة البحث في تأصيل شكل قصيدة الموكب الحسيني، و ذلك من خلال الأسئلة التالية والتي تحمل في طيها الإجابة عن نفسها.


 


أسئلة في الشكل الماثل


من أين تستمد قصيدة الموكب الحسيني هذا الشكل المتمثل في مقاطع عديدة مختلفة، بأوزان عديدة مختلفة، و قوافي عديدة مختلفة، كيف تطورت من الشكل العمودي المعروف بالشطرين والوزن الواحد والقافية الموحدة في كل الأبيات كتائية دعبل الخزاعي إلى هذا الشكل المختلف؟ وهل ذلك الشكل المختلف يخرجها عن نطاق الشعر ومجالاته الواسعة وهل يتحكم الشكل المختلف  في مدى الشاعرية أو ينطلق بها في آفاق واسعة؟ ثم هل يحتاج هذا الشكل المختلف إلى تأصيل؟ ألا يعتبر هذا الشكل شكلا أصيلا  مستقلا بذاته لهذه القصيدة المستقلة والفريدة من نوعها، كما هو شكل الأزجال و الموشحات الأندلسية  ذات الأوزان و القوافي المتعددة التي استدعتها حالة التغني بذلك الشعر؟


 


تعدد الأوزان بتعدد عواطف الإنسان


إن شكل قصيدة الموكب الحسيني يستمد نفسه من الحالة التي تفجّر منها، فلما كانت القصيدة في عاطفيتها عبارة عن نواحات بكائية احتاجت إلى الحالة الترديدية المتكررة لهذا التزمت و امتزجت بالوزن المتكرر المتردد في كل بيت، ومع كل دفقة شعورية باكية ترددت القافية النائحة في تصويت مثير و مهيج للعواطف المختلفة والمتأسية من السلوى  إلى ما قبل الجزع من حزن  إلى بكاء إلى سلوان إلى حد التفدية بالنفس والولد.


تنوع في اللحن وتنوع في الوزن


من ثم انتقلت القصيدة إلى مرحلة ثانية هي مرحلة الإنشاد باللحن الشجي الجميل، وكان من دواعي اللحن الترنم مع الإيقاع الغنائي الراقص على مستوى الألحان وهذا يستدعي تعدد في الأوزان والقوافي حتى يتناغم الوزن والقافية مع الألحان المختلفة للقصيدة التي انتقلت إلى الحالة الإنشادية المقترنة باللحن الشجي العذب الجميل الذي يدق على أوتار القلوب.


الترديد والتجديد


ولما كانت القصيدة تتقاطع مع السيرة الحسينية بالترديد الذي يتجدد كل عام احتاجت إلى أن تتجدد في الوزن والقافية حتى تتخلص من الرتابة المملة التي تعودت على سماع السيرة المعتادة المكرورة كل عام.


الحماس الواعي عبر اللحن والوزن


ولما كانت القصيدة لا تنشد اعتباطا وإنما تنشد متقاطعة مع الحدث السياسي بالنقد اللاذع أحيانا أو حتى الساخر الذي  كثيرا ما يقسو عليها فتلجأ إلى الجماهير المحتفين بها مرة لإثارة حماسهم ومرة لتوعيتهم بالهدف الحسيني و تبصيرهم بواقعهم ومما لاشك فيه أن لكل حالة من هذه الحالات طريقة لحنية مختلفة تؤدى بها القصيدة وعبر الانتقال إلى هذه الحالات النفسية تجد القصيدة نفسها منجرّة إلى تعدد الأوزان والقوافي للتعبير عن مختلف الحالات التي تثري الحالة التعبيرية في اللحن المؤثر .


أصالة ممتدة  في التاريخ


إذا كانت الأصالة تمثل القدم والتجذر والعراقة فقصيدة الموكب الحسيني قصيدة قديمة أصيلة بأصالة شخوصها، أصيلة الشكل والمضمون والصورة، وما هذه الصورة الشكلية المتمثلة في المقاطع ذات الأوزان المختلفة والقوافي المتعددة إلا شكلا تجديديا وحركة إبداعية تنفك من أسر قيود الرتابة الترديدية لتنطلق في مسارب التعبير المفتوح المتوثب للحرية الجميلة.


  هي شكل قائم بذاته


   يستدعي التوثيق والدراسة النقدية الجادة


إن شكل قصيدة الموكب الحسيني شكل قائم بذاته ولا يحتاج بعد هذه المسيرة الطويلة لغيره كي يثبت وجوده فهو ذو حضور دائم ممتد وله أصوله المتطورة  والخاصة  به وله جمهوره المحتفي به في كل محفل، وكل ما في  الأمر أن القصيدة الحسينية  في هذه اللحظة الراهنة تحتاج إلى مزيد من الاهتمام على مستوى التوثيق من كتابها والمهتمين بحضورها الفاعل وما هذه المقالة إلا دعوة وخطوة منجزة إلى الاهتمام بدراستها الدراسة النقدية الواعية والمتبصرة الجادة. 

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع