شارك هذا الموضوع

الديهي ليلة السابع و العشرين من شهر رمضان لعام 1436 هـ

أكمل سماحة الشيخ الدكتور عبدالله الديهي سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس و ذلك لليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1436 هـ ، حيث بدأ المجلس بآية من سورة الأعراف " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " ، الحديث هذه الليلة حول الآية الشريفة سيكون في ثلاثة جوانب ، الجانب الأول ، هو الأسباب الداخلية لنشوء الذنب ، فهناك أسباب داخلية و أسباب خارجية ، الأسباب الخارجية لها حديث آخر مثل محيط الأسرة والمجتمع و القرية والمدينة و الجامعة والحوزة و المدرسة والسوق ، فكلها لها تاثيرات سلبية وايجابية ، و فساد المحيط يؤدي الى فساد الآخرين ، الجانب الثاني مفاتيح الذنوب ، و كما للهداية مفاتيح فللإنحراف مفاتيح أيضًا وهي كثيرة ، الجانب الثالث هو العلاجات ، هناك علاج تكويني و هناك علاج تشريعي ثقافي ، هناك علاج من نفس الإنسان ، للقلب أولًا و للنية ثانيةً و لتوجيه الحب والبغض ثالثًا ، و لتوجيه الفكر رابعًا .
من الأسباب الداخلية للذنب والانحراف هو ما زُرع وأُفطر عليه الانسان من غرائز ، النفس لها جانبان ، من سورة الشمس " ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها " جانب من يعادل في استعمال الغرائز الإنسانية وهو المطلوب ، وجانب من لا يُحسن استعمال غرائزه ، فإمّا يفرط في الغريزة و الهوى او يفرّط فيها ، خلق الله الملائكة وخصّهم بالعقل من دون شهوة أو غضب ، فلا يعصون الله ما أمرهم ، و يعملون ما يأمرهم الله به ، وخلق الله الحيوان وخصّه بالشهوة والغضب ، وشرّف الله الإنسانُ بالثلاثة ، بالعقلِ والشهوةِ والغضب ، فيحدث هناك تزاحم لدى الإنسان بين تلك القوات ، متى ما استخدم الإنسان الشهوة و الغضب في مسالكها العقلي الشرعي الفطري فهو مُشرّف ، الإنسان يصبح أرفع من الملائكة اذا تغلّب عقلُه على شهوته وغضبه ويستحق السجود لتلك النفخة الالهية ، من سورة ص " اذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين " ليس الجسد سوى معبر ووسيلة ، أما من تحكمت فيهم أهوائُهم فأولئك كالأنعام بل هم أضلّ ، القوة الأولى هي قوة العقل ، عن الامام الصادق (عليه السلام) مخاطباً سماعة ابن مهران : إن الله خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له أدبر، فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل ؛ فقال الله سبحانه وتعالى ، خلقتك خلقاً عظيماً وكرمتك على جميع خلقي ، قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً فقال له: أدبر فأدبر ؛ ثم قال له أقبل فلم يقبل . القوة الثانية هي قوة الشهوة ، ولمّا لا يُحكّم الإنسان عقله وضميره و يحُكّم شهوته حين ذلك يؤدي الى الدمار ، القوة الثالثة هي القوة التوهمية ، أُولئك الذين يصابون بداء العظمة وهي ما يصاب به الكثير ، فهو يحطّم نفسه و يحطّم غيره . اذن لابد من الإعتدال و الإستفادة من القوات ، ليس بإنسانٍ من لا يغضب ، لكنّه يغضب لله لا لنفسه .
هناك عدّة مفاتيح للذنوب والتي تجرّ للإنحراف ، المفتاح الأول هو الحسد ، و هو تمنّي زوال نعمة المحسود ، أمّا الغبطة فهي تمنّي أن تكون لك النعمة نفسها ، ويؤدي الحسد للتهمة وسوء الظن وقطع الروابط ، يجب على المؤمن ألّا يحسد الناس ، بل يتمنى و يشكر الله ولا يزيد في الغبطة ، المفتاح الثاني هو البخل ، و البخيل لا يعطي الزكاة ولا الخمس ولا ينفق في سبيل الله ، فيعيش في الدنيا عيشة الفقراء ويُحاسب في الآخرة حساب الأغنياء ، عن النبي ( ص ) " إن السخاء شجرة من أشجار الجنة لها أغصان متدلية في الدنيا ، فمن كان سخيًا تعلق بغصن من أغصانها فساقه ذلك الغصن إلى الجنة ، والبخل شجرة من أشجار النار لها أغصان متدلية في الدنيا فمن كان بخيلًا تعلق بغصن من أغصانها فساقه ذلك الغصن إلى النار " . المفتاح الثالث هو الحرص وهو أشد من البخل و هو الوله للدنيا وهذا شيئ فطري ، من سورة آل عمران " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب " لابد من الإعتدال ، فمن سورة القصص " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين " . الحياة المادية تُحوّل الإنسان أن يعيش ليأكل ، لا أن يأكل ليعيش ، عن علي ( ع ) " (من كان همه ما يدخل جوفه ؛ كانت قيمته ما يخرج منه " فنجد أن عمليات الاحتكار و الغلاء كلها من نواتج الحرص ، المفتاح الرابع هو الكذب ، الكذّابون يتذرعون ويتوسّلون بوسائل غير شرعية للوصول الى مقاصدهم ، و يجب عدم معاونة الكذاّب كي لا نلقّنه الكذب ، المفتاح الخامس هو الغضب ، حين يغضب الإنسان بالإمكان أن يحطم بيته ويهدم اسرته وابناءه ، وهناك مفاتيح اخرى للذنوب مثل التكبّر .
الجانب الثالث هو العلاجات ، الله سبحانه وتعالى لم يفرض الينا اوامره لمصلحة اليه ، فلا تنفعه الطاعة ولا تضرّه المعصية ، العبادة هي طريق التكامل ، من سورة الذاريات " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون " ، وشهر رمضان دورة توعوية لعلاج الذنوب من قبل الإنسان للقلب اولًا ، لانه مركز الأوامر و منبع القرارات ، فمتى ماكانت الأوامر سليمة أصبحت الأفعال سليمةً ، للنية ثانيًا ، عن النبي ( ص ) " نية المؤمن خير من عمله و نية الكافر أشر من عمله " ، ولللفكر ثالثًا ، لان التفكير هو الذي ينطلق منه الانسان ، فإذا بُني تفكير الإنسان على فكرٍ سليم من أبوين ملتزمين ، و مدرس ملتزم ، و عالم ملتزم ، و اجواء خيرة ، ينطلق بالخير و العكس بالعكس ، يجب الا يكون فكرنا سطحيًا ، حتى يصل البعض بعدم التفكير الا في شسع الى نعله ، ولا ينظر الا تحت قدميه ، يجب أن ننظر الى دار الآخرة و لا نوجّه الحب و البغض للإنسان بل لفعل الإنسان ، وكلما زاد الحبّ زاد التعلّق .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع