شارك هذا الموضوع

من أحكام الصيام الإبتلائية - الجزء الثاني -

أكمل سماحة الشيخ إبراهيم الصفا موضوعه " من أحكام الصيام الإبتلائية " وذلك ضمن سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس وذلك في ليلة الثالث من شهر رمضان المبارك لعام 1436 هـ ، حيث إبتدأ سماحة الشيخ بحديث للإمام الصادق عليه السلام ، " كل الكمال التفقه في الدين " ، يؤكد الإمام الصادق عليه السلام على أهمية التفقه في الدين ، ولا ريب أن كل إنسان مجبول بطبعه على حب الكمال ، وحب الكمال غريزة فطرية أودعها الله سبحانه وتعالى في قلب كل إنسان ، ولهذا من دلائل انقياد الإنسان نحو الكمال المطلق - الله - ، و من الدلائل التي تجعل الإنسان يسلّم بالعبودية لله ، أن الله هو معدن الكمال ومعدن العظمة والجبروت .. كل كمال إن أردت له وجود ، فهو موجود في ذات الله عز وجل .
" إلهي هَب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حُجُب النور ، فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا مُعلقة بعزّ قدسك " يشير المقطع من المناجاة الشعبانية الى سفر سلوكي يعرج من خلاله الإنسان و تحركه لغريزة حب الكمال ، لكل شيء كمال ، و كمال الكمال أن يكون المؤمن متفقهًا في دين الله تعالى ، فالإمام الصادق عليه السلام في كثير من الروايات كان يجسّد الرّحمة في شيعته الا في موضوع التفقه فإنه قال " ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين " ، فلو لزم الأمر أن يضربوا الإنسان على أشرف موضع فيه وهو الرأس لفعلوا حتى يتفقه في الدين ، بالرغم من أن الأحاديث تنهى عن ضرب البهيمة على وجهها ، و الإنسان هو أشرف خلق الله على الإطلاق ،وهذا تعبير كنائي لتبيان عظمة التفقه .
الناس صنفان ، صنف يكون عارفًا بقيمة العلم و والتفقه ، وصنف لا يعرف قيمة العلم ، و يحارب العلم والمعرفة و أرباب العلم ، عن علي عليه السلام : " لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج " وعنه أيضًا : " فقم بعلم وﻻ تطلب به بدلاً فالناس موتى وأهل العلم احياءُ " . ومن هنا نذهب الى بعض المسائل الإبتلائية في موضوع الصوم ، واليوم قد تلبسنا بهذه العبادة كعبادة نتقرب بها الى الله تعالى ، فعن الإمام علي عليه السلام في وصيته لصاحبه كميل " يا كميل ما من حركة الا وانت محتاج فيها الى معرفة " و " أول الدين معرفته " . لابد أن نؤسس المعرفة أولًا ومن ثم نبني الدين ، إذا أردنا أن نتعبد عبادة تقربنا لله عز وجل ، فنحن في حاجة ماسة للتفقه في الدين ، و نستكمل بعض المسائل الفقهية لما أبتدأناه بالأمس .
في هذه الليلة سوف نبيّن حكم المفطرات ، الأكل والشرب فيه مسائل ، الأولى أن الأكل و الشرب مفطر - كثير كان أو قليل - حتى فضلة الطعام بين اضراس الصائم التي يخللها بين أضراسه مفطرة ، الثانية ، أنه مفطر سواء كان مألوف كاللحم والخبز والماء أو غير مألوف كالحجارة أو عصر اوراق الشجر او البترول ، بعبارة أخرى كل ما دخل في جوف الصائم حتى ولو لم يكن مالوفًا مفطر . عندما يتجشأ الإنسان - الغازات التي تفرز من حلق الإنسان وصدره - ، اذا تحرّك الطعام من المعدة الى المريء ولم يصل للسان أو فضاء الفم فمسموح للصائم بلعه ، فإن وصل الى فضاء الفم ثم إبتلعه عمدًا وجب عليه القضاء والكفارة ولو كان غصبا ليس عليه شيء . المرأة الحامل قد تصاب بالتقيأ فيكون التقيؤ مفطرًا حين يكون عن عمد أما لو تقيأ الصائم من غير عمد - للمرض مثلًا - فليس عليه شيء .
إدخال شيء في الجوف من خلال المضمضة ينقسم الى ثلاثة أقسام ، مضمضة من ناحية التبرّد وليست من قصد الشرب ، مضمضة في الوضوء للفريضة الواجبة ، و مضمضة في الوضوء للصلاة المستحبة ، القاعدة تفيد بأن دخول الماء الى جوف الإنسان جهلًا او خطأً أو سهوًا لا يضر ، إن كان في الفريضة الواجبة فلا شيء عليه ، وان كان في الصلاة المستحبة فالأحوط عليه القضاء ، اما في حالة التبرد عليه القضاء والكفارة . الإصباح جنبًا حيث لو كان الصائم نائمًا فأجنب في نومه نهارًا فذلك لا يضر الصيام لأن الطهارة ليست من شروط الصوم ، و لا يجب عليه فورًا الإغتسال ما عدا في حالة الصلاة فعليه المسارعة للغسل ، أمّا من أجنب متعمّدًا في نهار شهر رمضان سواءً بالحلال - مقاربته مع زوجته - أو بالحرام - العادة السرية - ، فعليه القضاء والكفارة ، في حالة الجنابة الليلية ، لا يصح أن يصبح المؤمن جنبًا ، فقط في شهر رمضان وقضاؤه ولا ضرر في الصوم المستحب .
في موضوع الإرتماس ، لو أدخل الصائم فقط جسمه في الماء من دون الرأس أو أدخل نصفًا قبل نصف ، فلا يصدق هنا مفهوم الإرتماس ، لان محور الإرتماس يدور مدار الرأس ، فلو أدخل الصائم فقط رأسه يعتبر إرتماسًا ، الإستحمام في شلال غزير بحيث يستوعب الانسان يعتبر ارتماسًا ، أمّا حمام السباحة فليس إرتماسًا ، آية الله السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله ، وآية الله السيد السيستاني فقط يرون بكرهة الإرتماس كراهة شديدة ولا يفسد الصوم ، أمّا بقيّة الفقهاء فيرون بأنه يوجب القضاء و الكفارة ، أمّا حين ينزل الصائم الى الماء عن طريق الغواصة فلا يصدق عليه الإرتماس ولكن حين ينزل الى الماء للغوص لابسًا ثيابًا تلصق بجلده فيصدق عليه مفهوم الإرتماس . الكذب على الله ورسوله ، الكذب في حد ذاته لا يفطر بل يُلزم الإثم إذا كان في غير الموارد الدينية ، أمّا الكذب في كل ما يسند الى الله أو الانبياء أو المعصومين أو الدين فيجب عليه القضاء والكفارة ، لو نوى الصائم الكذب فوقع ما جاء به صحيح فإنه يفطر لأنه أخل بالنّية وهذا أمرٌ خاص بالصوم فقط كما ذكرناه في الموضوع السابق ، أمّا لو نقل خبرًا وهو يعتقد الصحة و كان الخبر خاطئًا فلا يضرّه شيء .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع