شارك هذا الموضوع

من أحكام الصيام الإبتلائية - الجزء الأول -

أكمل سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية وذلك في ليلة الثاني من شهر رمضان المبارك لعام 1436 هـ ، وتحت عنوان " من أحكام الصيام الإبتلائية - الجزء الأول - " ابتدأ الصفا بالآية المباركة من سورة الذاريات " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " ، المتدبر في آيات الله وفي شريعة الله وفي أقوال فقهائنا وعلمائنا التي تنشئ وتتولد من شريعة الله ، يصل الى قاعدة مهمة ننطلق من ضوئها في حديث هذه الليلة ، فقد اتفق العلماء على وجوب معرفة الحكم الشرعي في المسائل الإبتلائية التي يكون المكلّف في معرض الابتلاء بها ، ينقسم المكلفون في علاقتهم مع الاحكام الشرعية الى قسمين ، الأول : مؤمن يجب عليه أن يتعلم نوع من الأحكام ، والثاني : الأحكام التي توجب على عامة الناس تعلمها ، وهنا نستدل بمقولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم " التاجر فاجر ، ما لم يتفقه " ، لا توجد خصوصية في هذه المقولة للتجار دون غيرهم من سائر الناس ، بل ذُكر التاجر على سبيل المثال على نحو الحصر وليس على نحو الخصوصية ، فكلّ مكلّف يجب عليه أن يتعلم في نحو ابتلائه ومجاله والا انطبق عليه قول النبي ( ص ) .
عن أبي الحسنِ موسى عليه السّلام قالَ:"دَخَلَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلم الْمَسْجِدَ فَإِذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَطَافُوا بِرَجُلٍ، فَقَالَ : مَا هذَا؟ فَقيلَ: عَلاَّمَةٌ، فَقَالَ: وَمَا الْعَلاَّمَةُ؟ فَقَالُوا لَهُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ العَرَبِ وَوَقَائِعِهَا وَأَيّامِ الجَاهِلِيَّةِ وَالأَشْعَارِ العَرَبِيَّةِ، قَالِ : فَقَالَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلم: ذاكَ عِلْمٌ لاَ يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ وَلاَ يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَهُ، ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلم: إنَّما العِلْمُ ثَلاَثَةٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَمَا خَلاهُنَّ فَهُو فَضْلٌ .
" الآية المحكمة " نعبر عنها بعلم التوحيد و معرفة الله والعلم الذي يقوم على أساس البراهين وهي واجبة من خلال النص النقلي والدليل العقلي ، فلا تقليد في الأمور العقائدية و الأصول الإعتقادية . " فريضة عادلة " نعبّر عنها بعلم الاخلاق القائم على أساس قول الله عز وجل في سورة الشمس " قد افلح من زكاها " كلنا مطالبون أن نزكي أنفسنا على جادة الإستقامة و أن لا نفرّط فيها ، فلا افراط ولا تفريط . " سنة قائمة " هو علم الحلال والحرام الذي يحدّد الوظيفة العملية للمكلف ، الفقه هو من يحدد كل حركة تصدر من المكلف ، ولابد من للحركة أن تكون مؤطرة بإطار الشرع فهو علم حاكم في جميع حياتنا الأسرية والمهنية والمالية والإقتصادية وغيرها . " و ما خلاهن مستحب ( فضل ) " قد يدخل أحد العلوم في دائرة العلوم الثلاثة - أي في دائرة الوجوب - وذلك من خلال الأحكام الثانوية لو تعلقت الضرورة بها ، فعلى سبيل المثال ، علم الطاقة و النووية لو توقف على حفظ الدولة الإسلامية ودفع الضررعنها بالحكم الثانوي فيدخل الى دائرة الوجوب ، فلو كان الأمن مستتبًا ، فلا حرب ولا عراك ، فليس هناك ضرورة أن تتعلم و يدخل العلم في دائرة الإستحباب
مع اتضاح هذا الأمر لابدّ أن نعلم المسائل البتلائية للصوم ، فالفقه علم واجب التعلّم ، ومن هنا نستدل على أنّ المسائل الإبتلائية واجبة التعلم ، ونحن اليوم اختبرنا الله بتكليف ، وهذا التكليف هو الصيام الذي يتوجّب علينا أن نتعرف على أحكامه ، ولهذا ننطلق اليوم وغدًا حول بيان بعض المسائل الإبتلائية المتعلقة بالصوم . المسألة الأولى : النية ، يُشترط في صحة صوم المكلّف أن يستحضر النية فهي شرط واجب في صحة الصوم ، لأن الصوم من الأحكام التعبّدية وقد ذكرناها في موضوع سابق ، أن العلماء يقسمون الإبتلاءات الى أحكام تعبدية و أحكام توصّلية ، و الفرق بينهما محوره النية ، فالحكم الذي أخذت النية فيه كشرط صحة يسمّى تعبّدي ، و أما التوصّليات فهي التي يكون للنية فيها دور واحد فقط وهو أن النية سببٌ لاستحقاق الأجر في العمل ، فلو جيء بالعمل من دون نيّة يكون صحيحًا ولكن لا يحصل صاحب الامر على الأجر ، كغسل الثوب و تطهيره بدون نية ، فالثوب يَطهر ولكن لا يؤجر صاحب التطهير ، أمّا التعبديات ومن ضمنها الصوم و الصلاة والحج فروحها هي النية ، ما إن اختلّت النية بَطل العمل حتى لو كانت كيفيّة العمل صحيحة .
نية الصوم نيّة حساسة جدًا ، لا تحتمل المزاح ، فهي ليست كسائر العبادات ، حيث أنّ نية قطع العبادة في غير الصّوم قد تُجبَر ولكن في الصوم لا تُجبَر ، فحين تنوي قطع الصوم يبطل حتى وإن لم تفعل ما يخلّ بالصوم ، وعليك القضاء بدون كفارة ، ولكن في مسألة الصلاة و الوضوء ، حين تنوي قطع العمل ولكن لم تقطعه فلا تبطل النية هذا العمل وهناك شروط لهذه الحالة . نية شهر رمضان تنقسم الى قسمين إما نية حكمية أو نية حقيقية وليس للصوم فقط بل حتى للصلاة ، الفرق بينهما أن وجود النية في العبادة على نحو الحقيقة تكون على النحو التالي ، أن تبدأ صلاتك بالنية وترافقك في كل جزء حتى التسليم ، و القلب يحضر فيها ويتوجه . النية الحكمية تكون فيها الصلاة منبعثة وصادرة عن نية و لكن يغفل المصلي عنها اثناء العبادة ، وهي مجزية وكافية ، النية الحقيقية أفضل ، فيجب أن نستشعرالصيام طوال اليوم وهي التي يريدها الله منّا ، النية الحكمية مطلوبة ومن أجل كمال العبادة فيجب أن نستحضر النية الحقيقية .
هناك خلاف فقهي حول عدد النيات في شهر رمضان المبارك ، فبعض الفقهاء يرى أن شهر رمضان شهر واحد ، والصوم عبادة واحدرة فيه وتكفي النية مرة واحدة ، و البعض يرى أن تكون لك نية في كل ليلة ، انقداح النية في عالم الضمير في كل ليلة على نحو الإحتياط ولكن المشهور ان النية الواحدة كافية . ولا يشترط فيها التلفظ ، النية شأن قلبي و أمر قصدي ، يلتفت اليه في عالم الضمير ويؤكد بالفعل ، ولا أجر في التلفظ بنية الصوم ، او التلفظ بها في سائر العبادات عدا الحج ، فتؤجر بالنية عند استحضارها في القلب أجر واحد ، وبالتلفظ أجران . للصيام غايات متعددة حيث الآية الشريفة من سورة البقرة تشير الى ذلك " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " فالبعض في الهند يصوم حتى تكون له قدرة ساحرة ، والبعض يصوم عن ذوات الأرواح ، والبعض يصوم من أجل الوضع الصحي ، وهناك صوم سياسي أيضًا .


التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع