شارك هذا الموضوع

الحمزة ( سيد الشهداء ) - مع رسول الله في أشد ايامه

مع اقتراب الخامس عشر من شهر شوال في كل عام تقف الذاكرة مبهوتة تستحضر معاني البطولة والشجاعة والشهادة وتستحضر الفاجعة والمصيبة ومعاني الدناءة والغدر والبشاعة.. ومعركة عظيمة مضت عليها المئات من السنين وبقى جبل أحد وقبر بجانبه مهدوم شاهدين على كل المعاني وعلى ما كان وما يكون..

نعم في يوم الخامس عشر يوم أحد يوم الحمزة سيد الشهداء..

نقف لنرى رسول الله صابرا وحيدا مضى عنه أنصاره وتفرقوا يمينا ويسارا في الصحراء إلا أخوه علي بن أبي طالب يقاتل من بين يديه ويدفعهم عنه، ويقتلهم حتى تقطّع سيفه ثلاث فقال: يا رسول الله انقطع سيفي ولا سيف لي.. فخلع رسول الله سيفه ذا الفقار الذي نزل من الجنّة وقلّده إياه.. حتى هتف جبرئيل في السماء: (لا فتى إلاّ علي، ولا سيف إلاّ ذو الفقار)، وهبط مع الملائكة على رسول الله وقال: يا رسول اللّه والذي أكرمك بالهدى لقد عجبت الملائكة المقرّبون من مواساة علي لك بنفسه! فقال رسول الله: يا جبرئيل وما يمنعه أن يواسيني بنفسه وهو منّي وأنا منه. فقال جبرئيل: وأنا منكما.

نقف لنرى رسول الله جريحا ينزف دماءه الشريفة رافعاً يديه يقول : إن الله اشتدّ غضبه على اليهود أن قالوا: العزير ابن الله، واشتدّ غضبه على النصارى أن قالوا: المسيح ابن الله، وإنّ الله اشتدّ غضبه على مَن أراق دمي، وآذاني في عترتي..

نقف لنرى رسول الله يمسح الدم عن وجهه ويحتسب بلاءه وهو يدعو رامقا السماء ويقول : اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون..

نرى رسول الله وقد جاءته حبيبته وبضعته فاطمة تبكي وهي تغسل جراحه وتضمّدها وعليٌّ يسكب الماء، إلى أن رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقته حتى إذا صار رماداً ألزمته الجرح، فاستمسك الدم.

نرى رسول الله على ما أصابه يفتّش عن الحمزة ويسأل عنه: من له علم بعمي حمزة ؟ فقال له الحارث بن الصمة: أنا أعرف موضعه، فجاء حتى وقف على حمزة، فلما رآه بتلك الحالة كره أن يرجع إلى رسول الله فيخبره، فقال رسول الله لأمير المؤمنين: يا علي اطلب عمّك، فجاء علي فوقف على حمزة، فكره أن يرجع إلى رسول الله..

نرى رسول الله يهيم بعينيه النبويتين بين صخور أحد ورمال المعركة حتى إذا وقف عليه نراه وعيناه دامعتان وقلبه منكسر وقد رآه مبقور البطن مجدوع الأنف مقطوع الأذنين وقد مثّلوا به كما لا تكون المُثلة..

نرى رسول الله واقفا يبكي فيما تضحك هند بنت عتبة تضحك بعد أن حقق لها وحشي ما طلبته منه قبل المعركة وقد أعطته عهداً: لئن قتلت محمداً أو علياً أو حمزة لأعطينّك رضاك، وكان وحشي عبداً لجبير بن مطعم حبشيا، فقال لها: أما محمد فلا أقدر عليه ، وأما عليّ فرأيتُه رجلاً حذراً كثير الالتفات فلم أطمع فيه، وأمّا حمزة فإني أطمع فيه، لأنه إذا غضب لم يبصر بين يديه. فكمِن له غدرا وكان لها ما أرادت.. حتى إذا استشهد جاءته وشقت بطنه واستخرجت كبده فأخذتها في فمها فلاكتها، فجعلها الله في فمها مثل الداغصة، فلفظتها ورمت بها.. فيما قطعت أصابعه وكل ما برز من جسمه وجعلتها قلادة لها على عنقها..

نعم نسمع هند في نشوتها تضحك ونرى رسول الله واقفا على جسد الحمزة يبكي ويقول: والله ما وقفت موقفاً قطّ أغيظ عليّ من هذا المكان .. لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً أغيظ إليَّ من هذا .. لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع..

نراه ونرى حزنه وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، كما رآه المسلمون فقالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثّلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب.. فنزل قوله سبحانه وتعالى: وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين، واصبر وما صبرك إلا بالله، ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون. فيقول (ص) رغم كل الجراح: أصبر.

نرى رسول الله يغطّي حمزة بثوبه ثوب الشهادة الذي كلما ستر وجها أو قدما ظهر الآخر منهما، حتى جعله أخيرا على وجهه وغطّى ما ظهر من قدميه بنبات الأرض!
نراه وقد صلّى عليه سبعين صلاة .. حيث كان يصلّي على كل شهيد من شهدائه السبعين بأُحد صلاة وحمزة بجنبه يُرفع بعدها الشهيد ويؤتى بشهيد آخر للصلاة فيما يظل سيد الشهداء حمزة في مكانه من المصلى.

نراه وقد رجع من أحد إلى المدينة فسمع بعض نساء الأنصار يبكين شهداءهن، فترقرقت عيناه وبكى ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له فلما سمع ذلك بعض أصحابه عادوا وأمروا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله وقالوا : لا تبكينّ امرأة حميمها حتى تأتي فاطمة فتُسعدها .ولمّا سمع رسول الله بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن على باب مسجده يبكين عليه، فقال: ارجعن يرحمكن الله، فقد آسيتنّ بأنفسكم.

نرى رسول الله في الحزن في يوم الحمزة بالخامس عشر من شوال وما بعده .. وما من يوم أفجع عليه من هذا اليوم .. أو بحدّ قول الإمام السجاد(ع): "ما من يوم أشد على رسول الله من يوم أُحُد قتل فيه عمّه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله .. وبعده يوم مؤته قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب"

نرى رسول الله يبكي فنبكي..

ونمسح بدمعتنا دمعته..

ونتمنى أن نكون أحرزنا شرف الباكين ..

وضمّدنا ببكائنا شيئا من ألم كلمته الحزينة "لكن حمزة لا بواكي له"

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع