شارك هذا الموضوع

عدد 8 محرم : الحسن والحسين (ع) شريكين في السلم والحرب

1. مقدمة:


شمعة الإسلام ـ أضاءت لملايين المسلمين دربَ خلاصهم، وعرّفت لهم موطئ أقدامهم، وجنّبتْهمُ الزللَ في حُفَر الضلالة والسقوطَ في فِخاخ الخطيئة والتهاون، وأبانت لبصائرهم ـ بسطوعها المتجلّي أبداً ـ مسالكَ الحقّ، وطردت عنها معالمَ الوحشة لقلّة سالكيها، فعَبَرها المؤمنون آمنينَ مستنيرين بأنوار الشمعة التي أضاءت ـ باحتراقها فوق ثرى كربلاء ـ ولم تَزَل تُضيء.. حتّى يقضيَ اللهُ أمراً كان مفعولاً.







2. قطوف كربلائية:


عندما نحاول أن نقف متأملين في القضية الحسينية، فإن علينا، بدايةً، أن نحدد صورة الإمام الحسين (ع) في وعينا الإسلامي. هل هو رجل العنف الرافض لمنطق الحوار الهادئ والرصين، يفضل القوة والسيف لغة للتفاهم؟ أم إنه يملك صورة غير هذه الصورة.إذا أردنا أن نفهم الإمام الحسين (ع) جيداً، ينبغي أن لا نفهمه في كربلاء فحسب، بل في الكوفة عندما كان مع أخوه الإمام الحسن (ع).


كان الإمام الحسن (ع) هو الإمام في عصره، والإمام الحسين (ع) كان عليه أن يطيعه ويلتزم أوامره، وكان الإمام الحسن (ع) يستشير الإمام الحسين (ع)، الأخ المنفتح على الإسلام، وكانا معاً في مواجهة كل المشاكل التي تعترضهم، حرباً عندما شن الإمام الحسن (ع) الحرب، وسلماً عندما اختار الإمام الحسن (ع) السلم بفعل الظروف الموضوعية الصعبة التي أحاطت بالواقع الإسلامي في ذلك الوقت.


ولذلك فإن من الخطأ الحديث عن أسلوب حسني وآخر حسيني. لأن الإمام الحسن (ع) كان المحارب العنيف ولكنه واجه ظروفاً تجعل من الصعب امتداد الحرب، مراعاةً للمصلحة الإسلامية العليا. كما كان المسالم عندما رأى مصلحة الإسلام تقتضي ذلك. فلو كان الإمام الحسين (ع) في تلك الظروف لسلك نفس الطريق وسالم. وكذلك الأمر بالنسبة للإمام الحسن (ع) فلو كان في موضع الإمام الحسين (ع) لحارب يزيد بن معاوية لينقذ الإسلام. فالظروف هي الحاكم في أسلوب تحرك الإمام.


وهكذا كان الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام شريكين في السلم والحرب معاً، وقد تعلما هذا من أبيهما أمير المؤمنين (ع). فحين كان يسالم بالرغم من الصعوبات التي تفرضها عليه مسالمته، كان يقول: «لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة».


المرحلة هي التي تحدد. كانت المرحلة والتحديات والحصار الذي فرض على الإمام الحسين (ع) ولم يفرض على الإمام الحسن (ع) سبباً في اتخاذ أسلوب الحرب باعتباره الأسلوب الوحيد المتاح. ليست المسألة رفضاً للخيارات التي تنسجم مع مصلحة الإسلام، وإنما ركزت المسألة بين هذا الخيار وذاك فكان الخيار الكربلائي هو الخيار الوحيد.


وعندما نقرأ سيرة الإمام الحسين (ع) في انطلاقته نجد أن العنوان الذي كان يحكم سيرته هو عنوان الإصلاح في أمة جده، الإصلاح الفكري في مواجهة الانحراف الفكري، والإصلاح الاجتماعي في مواجهة الانحراف الاجتماعي والإصلاح السياسي في مواجهة الانحراف السياسي. وهذا ما لخصه في كلمتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللتين تمتدان إلى كل معروف أو منكر في خط الإسلام.







3. فبسات فقهية:
السؤال:ما دليل جواز اللطم على الصدور في عزاء الأئمة (ع)؟؟


الجواب : إن اللطم على الصدور هو من أهم مظاهر العزاء وأبرز صور استنكار الظلم الأموي. وفضلا عن كونه عملا صحيحا وغير خاطئ فإن له دور أساسي في إحياء أهداف عاشوراء الحسين(ع).
استفتاءات حول الشعائر الحسينية-الشيخ اللنكراني.







4. رحلة العشق:


"الهى... اطلبني برحمتك حتى أصِلَ إليك، واجْذبني بمنّك حتى اُقبِلَ عليك"
سيدالشهداء الامام الحسين بن علي عليه السلام


وكان الشوق الى الأسلاف الذين سَبقوا إلى لقاء الله، شوقاً طافحاً. وكان للعشق - يا سيّدي - سلطان لايُقاوَم.
وسمع الناس صوتك المحمّديّ، وهو يلهج بالأشواق الموّارة الفوّارة: ما أولَهني الى أسلافي، اشتياقَ يعقوبَ إلي يوسف!


ومن رحمتك الغامرة الوسيعة - يا سِبْطَ النبيّ - أنك كنتَ تريد أن تُشْرِك معك، في مسيرة الفتح الاستشهادي العظيم، أناساً آخَرين، فيكون لهم من العشق السّماويّ نصيب، و من التَوَلُّهِ بالمعبود الأزليّ ميراث.


و هكذا سمعتْ أجواءُ مكةَ والمدينة نَبْرَتَك الرحيمةَ الواثقة، وأنت تدعو الآخرين الى سلوك طريق العشق. وقلت لهم: مَنْ أراد الله معنا، فليحملْ جُمجُمَتَه على راحَتَيْه، ويمشي مُصْحراً.. في الطريق الى كربلاء.


و على طول الطريق الطويل، كنتَ - يا سيّدي - تلتقي بالناس أفراداً وجماعات، عشائر ومقطوعين. كنت تتمنى لهم - بعذوبة قلبك السّماوي - أن يَخْطُوا معك في طريق العاشقين.


فمنهم من أحسَّ في نَبَرات الصوت الحسينيّ نسيمَ الجنّة... فسارع الى قافلتك هذه العظيمة التي تُجِدّ المسير.


وقال لك - يا سيّدي - أحدُ العائدين من الكوفة: إنّه خَلَف الكوفة موّارةً موّاجة، تحمل السيوف، وتحمل القلوب!
وقال لك العائد من الكوفة: إنّ قلوب الكوفة مَعك، وسيوف الكوفة عليك!
ولم يفاجِتكَ - يا سيّدي - ما سَمِعْت، فأنتَ - يا ريحانَةَ الرسول - أعرف الناس بضمائر الناس على الأرض. وأعرف بالانسان حين تمزّقه ازدواجية الولاء القلبي والعداء العملي، فيذهب طعمة ذليلة للشيطان.


هي ذي صورة أبيك الراحل العظيم أميرالمؤمنين عليه السلام. وها هي ذي صورة أخيك الحَسَن السِّبْط عليه السلام... ها هما الصورتان الكريمتان تملآن أمامَك الآفاق.
لقد عَرَفا أهلَ الكوفة هكذا من قبل: فكان من أهل الكوفة الغَدْر والمكر والانهزام. وكان منهما عليهما السّلام الصبر والمُضيّ في طريق العشق، حتى أُريقت منهما الدماء.







5. رجال فازو مع الحسين:


"والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا فإذا نحن قـُتلنا كنا وفينا و قضينا ما علينا"


من هو شوذب
شيخ كبير، مَولى شاكر بن عبدالله الهَمْدانيّ الشاكريّ، يُحسَب في عرب الجنوب. وكان من رجال الشيعة ووجوهها، ومن المخلصين، وكانت دارُه مَألَفَ الشيعة، يتحدّثون فيها حول فضائل أهل البيت عليهم السّلام. قال المحليّ: وكان شوذب يجلس للشيعة فيأتونه للحديث، وكان وجهاً فيهم(1).
وإلى ذلك كان شَوذَب من الفرسان المعدودين، ومن الثوّار المتحمّسين المخلصين، وكان حافظاً للحديث حاملاً له عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام..


الصحبة الموفقة
صَحِب شَوذَب عابسَ بن شبيب الشاكريّ مولاه من الكوفة إلى مكّة، وذلك بعد قدوم مسلم بن عقيل رضوان الله عليه الكوفة، وكان عابسٌ مُوفَداً في ذلك بكتابِ مسلمٍ إلى الإمام الحسين عليه السّلام عن أهل الكوفة.. فبقي شَوذَب مع عابس، حتّى قَدِما معاً إلى كربلاء.
ولمّا التحم القتال.. دعاه عابس؛ لسيتخبره عمّا في نفسه، فأجابه بحقيقتها.
عابس: يا شَوذب، ما في نفسِك أن تصنع ؟
شَوذَب: ما أصنع ؟! ( بتعجّب )، أُقاتِلُ معك حتّى أُقتَل.
عابس: ذاك الظنُّ بك، فتَقَدّمْ بين يَدَي أبي عبدالله حتّى يَحتسبَك كما احتَسَبَ غيرَك مِن أصحابه، وحتّى أحتسبَك أنا، فإنّ هذا يومٌ ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكلّ ما نَقْدِر عليه؛ فإنّه لا عمَلَ بعد اليوم، وإنّما هو الحساب.
فتقدّم شَوذب فسلّم على الإمام الحسين عليه السّلام، قائلاً:
السّلامُ عليك يا أبا عبدالله ورحمة الله وبركاته، أستَودعُك الله..
ثمّ مضى شَوذَب فقاتل حتّى قُتِل شهيداً رحمةُ الله عليه..


هكذا كانوا
وبعد أن اطمأنّ عابس، ورأى صاحبَه شهيداً مضرَّجاً بدمه، وقف أمام سيّد شباب أهل الجنّة أبي عبدالله الحسين عليه السّلام يقول له:
يا أبا عبدالله، أما واللهِ ما أمسى على وجه الأرض قريبٌ ولا بعيد أعزَّ ولا أحبَّ إليّ منك، ولو قَدِرتُ على أن أدفَعَ عنك الضيمَ أو القتل بشيءٍ أعزَّ علَيّ من نفسي ودمي لَفَعلتُ. السلام عليك يا أبا عبدالله، أشهَدُ أنّي على هُداك وهُدى أبيك.


ثمّ مضى بالسيف نحوَهم،.. فقاتل حتّى استُشهِد.


وهكذا كان أصحاب الإمام الحسين صلوات الله عليه، يتقدّمون إلى المنيّة وكأنّها غايتُهم وقد طابت لهم بين يَدَي إمامهم وسيّدهم سيّدِ الشهداء سلام الله عليه.


السلام على عابسِ بن أبي شبيبٍ الشاكريّ. السلامُ على شَوْذَبٍ مولى شاكر...السلام عليكم يا خير أنصار، السلام عليكم بما صَبَرتُم فنِعْمَ عُقبى الدار، بوّأكُمُ اللهُ مُبَوّأَ الأبرار.






6.  تقويم الثورة
3 شعبـان 60: وصول الحسين إلى مكة ولقائه بالناس .
10رمضان 60: وصول كتاب من أهل الكوفة إلى الحسين عليه السلام بيد رجلين من شيعة الكوفة.
15 رمضان 60 : وصول آلاف الكتب من أهالي الكوفة إلى الإمام ، فأرسل إليها مسلم بن عقيل ليطلع على الأوضاع فيها .






7. وجه من القافلة:


قافلة انطلقت من مبدأ العزّة والكرامة وسارت نحو مقصد الشهادة


هذا هو القاسم
أبوه: الإمام الحسن المجتبى سبط رسول الله صلّى الله عليه وآله وريحانته، وسيّد شباب أهل الجنّة.. ابن أمير المؤمنين، وسيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب، وابن سيّدة نساءالعالمين من الأوّلين والآخِرين فاطمة الزهراء البتول، بضعة الهادي المصطفى الرسول، صلوات الله عليهم أجمعين.


خرج القاسم بن الحسن عليه السّلام، وهو غلامٌ صغير لم يبلغ الحُلُم، فلمّا نظر الحسينُ إليه وقد بَرَز اعتَنَقَه، وجعلا يبكيان حتّى غُشِيَ عليهما. ثمّ استأذن الحسينَ عليه السّلام في المبارزة، فأبى الحسينُ أن يأذَن له، فلم يَزَل الغلام يُقبِّل يدَيه ورِجلَيه حتّى أذِن له، فخرج ودموعه تسيل على خَدَّيه.


فبَرَز وحمل على القوم.. ولم يَزَل يقاتل حتّى قتل سبعين فارساً، وكَمِن له ملعونٌ فضربه على أُمّ رأسه، ففجرها منه وخَرّ صريعاً يخور بدمه، فانكَبَّ على وجهه وهو ينادي: يا عمّاه أدرِكْني. فوثب الحسين عليه السّلام ففرّقهم عنه، ووقف عليه وهو يضرب الأرض برِجلَيه حتّى قضى نَحْبَه، فنزل إليه الحسين عليه السّلام، وحمله على ظهر جواده وهو يقول:


اَللّهمّ إنّك تَعلَمُ أنّهم دَعَوْنا لِيَنصُرونا، فخَذَلونا وأعانوا علينا أعداءَنا، اللّهمّ احبِسْ عنهم قَطْرَ السماء، واحرمْهُم بركاتِك، اللّهمّ فَرِّقْهُم شُعَباً، واجعَلْهُم طَرائقَ قِدَداً، ولا تَرضَ عنهم أبداً. اللّهمّ إنْ كنتَ حَبَستَ عنّا النصرَ في دار الدنيا، فاجعَلْ ذلك لنا في الآخرة، وانتَقِمْ لنا من القوم الظالمين.


السلامُ علَى القاسمِ بنِ الحسنِ بنِ عليّ، المضروبِ هامتُه، المسلوبِ لامَتُه، حين نادى الحسينَ عمَّه، فجلّى عليه عمُّه كالصَّقر، وهو يَفحصُ برِجلَيه التُّراب، والحسينُ يقول: « بُعْداً لقومٍ قَتَلوك، ومَن خَصمُهم يومَ القيامة جَدُّك وأبوك ».







8. نورُ بلا حدود:


إضاءاتٌ هادية من كلمات الإمام الحسين عليه السلام


إيّاك أن تكون ممّن يخاف على العباد من ذنوبهم، ويأمنُ العقوبةَ من ذنبه! فإنّ الله تبارك وتعالى لا يُخدَع عن جنّته، ولا يُنال ما عندَه إلاّ بطاعته.. إن شاء الله..

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع