شارك هذا الموضوع

السهم يعانق النحر الصغير

في لحظة لم يسجل التاريخ أكثر رهبة منها، وبينما كان الحسين (عليه السلام) يتهيأ للنزول إلى ساحة الحرب الحمراء، بعد أن قل الناصر وانعدم المجير، تقدمت زينب (عليها السلام) إلى أخيها الحسين (عليه السلام)، بطفل رضيع لم يتعدّ عمره الستة أشهر... لقد جف ثدي أمه من الحليب وتيبست شفتاه والتهب فؤاده بحرارة العطش، فلم يعد له حراك وقد نفدت طاقته حتى على البكاء طلباً للرحمة أو احتجاجاً على ظلم بني الإنسان.


أجلسه الحسين في حجره وأخذ يقبله حانياً راثياً لحاله المفجع، وهو يقول: بعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفى خصمهم، ثم أتى به نحو قطعات العدو، يخبرهم بأمره ويعرض عليهم حالته التي تعزّ على قلب الوحش الكاسر في الصحراء فكيف الإنسان؟! وأوضح لهم الحسين (عليه السلام) زيادة على ذلك إنه إذا كان للكبار ذنب، فما ذنب هذا الطفل الرضيع لكي يلاقي ما يلاقيه من ألم وعذاب يشقّ على النفس التي تستشعر الإنسانية، أن تنظر إليه للحظة واحدة. نعم كان طلب شربة ماء لا يحتاج إلى كل هذا البلاغ المبين، خاصة وأن الأمر متعلق بإنقاذ طفل كزهرة الربيع التي ما لبثت تتفتح مبتسمة للحياة بكل ما وهبها الله من براءة وحب.


ولكن.. ماذا كان جواب القوم لهذا الطلب؟ لقد ضج المعكسر وارتفعت الأصوات من كل جهة واتخذت المباحثات طابع التعنيف والاحتجاج وكادت تقعقع للأمر السيوف بين مؤيد لقرار منح الماء لعبد الله الرضيع، ومعارض لهذا القرار الذي ربما يشكل خرقاً لخطة الحرب وتوهيناً بمركز القائد الأعلى إذ قد يبدو هذا الأمر بصورة عصيان أو تمرد على أوامر الخليفة التي لا يمكن لجندي مناقشتها فضلاً عن المخالفة لها..


واحتدم النقاش - كما قلنا - وطغى الهرج في صفوف العدو وكادت تقع الفتنة بينهم لولا أن استعمل القائد عمر بن سعد حق (الفيتو) القمعي وصاح بحرملة بن كاهل، أن اقطع نزاع القوم، وهكذا قطع النزاع بقطع نحر الرضيع الذي انقطع معه كل شيء وران الصمت على الوجود كله وليس على ساحة المعركة حسب .. جعل الطفل يرفرف بين يدي والده كالطير المذبوح .. يالله.. أخرج يديه الصغيرتين من القماط وعانق بهما رقبة والده وأسلما لمشيئة الله وإذ ذاك غادرت روحه الجسد لتحلق عالياً في فضاء الجنان.


أما دمه الطاهر فقد لحق بروحه ولكن من دون جناح.. إذ تلقى الحسين ذلك الدم بكفه ورمى به نحو السماء البعيدة، فلم تسقط منه قطرة..


***
اسم المولود: عبد الله
لقبه: علي الأصغر
والده: الحسين بن علي بن أبي طالب
جده الأعلى: محمد بن عبد الله
أمه: الرباب بنت امرئ القيس
تاريخ الولادة: قبل ستة أشهر من تأريخ الآتي
تاريخ الوفاة ومحلها: 10 محرم الحرام سنة 61 هـ، كربلاء
سبب الوفاة: نبلة مسمومة ألقمه بها حرملة بن كاهل بدلاً عن الماء.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع