شارك هذا الموضوع

من الخطيب المقدسي إلى أهالي سنابس الكرام



المنامة - محمد حميد السلمان 

في بداية عقد مجالس العزاء على سبط رسول الله المذبوح عدواناً وغدراً في أرض كربلاء؛ كانت المآتم أو (الحسينيات) في البحرين تعتمد على الخطباء أو (القراء) من أهلها، ومعظم أولئك كانوا هم أصحاب الحسينيات نفسها، وأحياناً من أهالي منطقة الأحساء والقطيف.

إلا أنه مع تطور المواصلات البحرية والجوية في القرن العشرين، وازدياد العلاقات مع العراق؛ اتجه بعض أصحاب المآتم للاستعانة بخطباء مميزين من العراق ما بين النجف وكربلاء. ومن أهم المآتم التي بدأت بهذا التوجه كان مأتم بن خميس لمؤسسه تاجر اللؤلؤ الوجيه الحاج أحمد بن خميس. ولدينا عدة وثائق أصيلة تتحدث عن هذا الأمر، وبها أسماء خطباء العراق أمثال: جاسم عبد عباس الموسوي، وعبدالوهاب الكاشاني، وباقر المقدسي، وجاسم الطويرجاوي، وغيرهم. وكانت مكافأة هؤلاء الخطباء تتراوح آنذاك بين 400-500 دينار عراقي في عشرة محرم، بحسب ما تذكره الوثائق بخط أيديهم.

ولم تكن دعوة أمثال الخطباء في تلك الفترة، كما هي اليوم، بالأمر السهل الميسور؛ فقد تم إعداد استمارة لمن يُدّعي منهم لدخول البلاد كُتب عليها (شهادة دخول)، تصدرها دائرة الهجرة التابعة لشرطة حكومة البحرين حينها، وسنعرضها لاحقاً. كما أن هناك بعض المأتم، بالاسم، يتم إرسال إشعار من مستشار الحكومة لمسئوليها يتضمن طلب بعض المعلومات، بعد نهاية موسم عاشوراء الحسين (ع)، كما سنعرضه.

وثيقتي هذا الأسبوع تتناول جزءاً من حكاية هؤلاء الخطباء، متمثلة في الخطيب العراقي الشيخ باقر محمد علي المقدسي، وطلب خاص من المستشار (بلغريف) للحاج أحمد بن خميس.

الوثيقة الأولى: كُتب عليها تعليق في أعلاها ربما بخط أحد مسئولي مأتم بن خميس، على النحو التالي «قبل العام الماضي. 1967. اتفق مع الجماعة في قطر في هذه السنة 1967.

1968 م. آخر سنة له قرأ في المأتم بن خميس».

أما النص الأصل للوثيقة، فهو عبارة عن رسالة شكر وتقدير مرسلة من الدوحة في قطر بخط الخطيب الشيخ باقر المقدسي إلى الحاج حسين بن أحمد بن خميس في العام نفسه 1968، بالكلمات التالية:

«حضرة الأخ الكبير الحاج حسين خميس المحترم

السلام عليكم ورحمته ا... وبركاته

وبعد - لقد كان من حسن التوفيق أن تشرفت هذه السنة بالقراءة في مجلسكم وإنى أشكركم على حسن ضيافتكم وعلى أخلاقكم السامية وشعوركم الطيب تجاه خدام الحسين (ع) عامه وتجاهي خاصه فأسأل الباري أن يمد في عمركم ويزيد في توفيقكم ويحفظ كل من يشارككم في مهمتكم.

أخي - لقد وصلت الدوحة بعد نصف ساعة من مغادرتى مطار البحرين فاستقبلني الجماعة أحسن استقبال وإنى بخير وصحة جيدة وراحة وأسكن في قصر ضخم توجد فيه وسائل الراحة وتحت يدي سيارتان والجماعة فيهم روح عالية ونفسية طيبة مثل أهالى البحرين عندكم وأما مجلسي فلا بأس به كثير الاجتماع مُرغب للقراءة.

وفي الختام أرجو بلاغ سلامي على جميع الإخوه والأولاد والأصدقاء الأعزاء وعلى جميع أهل سنابس الكرام.

الدوحة

المخلص

باقر المقدسي

(التوقيع)»

الوثيقة الثانية هذا نصها:

«العدد 23- 149 / 1361

إدارة مستشار حكومة البحرين

حرر في 18 محرم 1361

(مأتم السنابس)

حضرة الفاضل المكرم حسين بن الحاج أحمد بن خميس المحترم

بعد التحية -

المرجو أن تفيدوني عن عدد الاشخاص الذين حضروا واشتركوا في العزاء على الوجه التقريبي في يوم 10 محرم 1361

إنني أقصد من ذلك الاستفهام فقط.

هذا ما لزم ودمتم.

(التوقيع بالإنجليزية)

مستشار حكومة البحرين».

وللتعليق على الوثيقتين نقول، بأن الخطيب المقدسي كان يحبذ القراءة في البحرين تحديداً كما يذكر هو شخصياً في إحدى رسائله التي بحوزتنا، وكان قد أرسلها من النجف الأشرف بتاريخ 1965/7/19 إلى الحاج حسين بن خميس في البحرين، حيث يذكر هذه العبارة تحديداً: «والواقع أني أحب القراءة في البحرين على ألا أقرأ أكثر من مجلس واحد». ومن هذه الوثيقة يتضح بأن خطباء المنبر الحُسيني كانوا هم الرابط الاجتماعي بين البحرين وقطر. كما يبدو أن إدارة مأتم بن خميس، وأهالي سنابس والقرى المحيطة بها؛ كانوا يبجلون كثيراً الخطيب المقدسي ويحرصون على تواجده بينهم في البحرين خلال شهر محرم من كل عام خلال الستينات من القرن الماضي، وهذا ما تدل عليه كلمات التحايا التي خص بها المقدسي أهالي سنابس.

أما الوثيقة الثانية، والتي أرسلت لمأتم بن خميس بتاريخ 5 من شهر فبراير/ شباط عام 1942، فطلب المستشار بها غريب نوعاً ما، فالسؤال هو لماذا مأتم بن خميس فقط دون غيره في ذلك العام؟ إلا إذا ربطنا ذلك بمجريات الأحداث التي مرت بمأتم بن خميس، كما هو معروف في تاريخه، ومساندته للحركة الوطنية ضد السلطات البريطانية؛ لنعرف السبب الذي جعل المستشار يلاحق كل ما يتم به من عزاء، وفعاليات دينية، وغيرها، ولم تكن تلك الرسالة لمجرد الاستفهام فقط كما ذكر المستشار. أو أنها سياسة عامة متبعة مع جميع مآتم البحرين؟ ثم كيف يستطيع المأتم حصر كل من شارك في موكب العزاء، وكأنها عملية إحصاء للنفوس!

 

 



التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع