من كتاب وقائع الندوة التي أقيمت في جامعة القديس يوسف ـ اليسوعية في العام 2000
إعداد مركز الدراسات والأبحاث الإسلامية المسيحية ـ دارالملاك 2001
الحسين وعيسى يحققان الرسالة السماوية
للمطران خليل أبي نادر
مطران بيروت للموارنة – سابقا
( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)
قيل الكثير وكتب الكثير عن الإمام الحسين عليه السلام سيد الشهداء من كربلاء حتى اليوم وله الدموع والدماء والصلاة من المؤمنين في الذكرى السنوية لعاشوراء ، كما لعيسى بن مريم على صليب الفداء في الجمعة العظيمة من أسبوع الآلام . وكأنهما معا ، يحققان رسالتهما السماوية والإنسانية التي أذاعها يسوع : ( ما من حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه) . وقد بذلا نفسيهما عنا ، و ما نحن هنا ، إلا حبا لهما ، وإيمانا وأخلاقا وحياة .
ليس لي إذن ، حق الكلام الجديد . بل ما قولك ، أنت يا حسين عليه السلام ، يا حفيد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد كربلائك ،بكربها وبلائها؟ بل ما قولك أنت ، يا عيسى بن مريم ، بعد الجلجلة وصلبك بين لصين يمينا وشمالا ؟ أردتما ، معا أنت يا حسين أمة واحدة لرسول واحد ، وأنت يا يسوع كنيسة واحدة لراع واحد. وبذلتما الحياة في هذا السبيل تكفيرا وفداء ومحبة . وكانت بقربك ، يا عظيما ، أختك المثال زينب الكبرى سليلة أشراف نسب بالإسلام ، ابنه فاطمة الزهراء عليه السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وكانت فخرا لثورة أخيها التي أكملتها بجهادها المستميت ، مرددة ، كمريم أمام الصليب وبقربها النسوة المؤمنات : ( اللهم تقبل منا هذا القربان) . و ما القربان إلا أنت . و كان معها المؤمنون والمؤمنات يبكون وينوحون . فحملت الرسالة وبشرت باستشهادك الباسل ، بصدقك وإيمانك وإنسانيتك في سبيل كل إنسان ، بينما لا دين ليزيد القاتل الفاسق ولا ضمير ، بل إرادة السلطة ظلما وبهتانا . وكانت تعيد : (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )
أجل ، كما المسيح الفادي ، الحسين عليه السلام أحب مذاق الموت عن أمته . وكانت له صلاة النصارى . فاجتمع القسيسون والرهبان في الكنائس وضربوا النواقيس حزنا على سيد الشهداء قائلين : ( إنا نبرأ من قوم قتلوا ابن بنت نبيهم ) . وقسيس قال : ( لو كان الحسين لنا لرفعنا له في كل بلد بيرقا ولنصبنا له في كل قرية منبرا ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين ) . حقا المسيح والحسين كانا شهيدين للإسلام والمسيحية ، في سبيل المظلومين والمضطهدين . ثورتهما كانت من أجل الحق لكل الشعوب ولكرامة كل إنسان ، من كان . هي الجلجلة ، هي كربلاء ، لخلاصنا .
قال المسيح : " روح الرب عليّ، ولهذا مسحني لأبشر المساكين ، وأرسلني لأجبر منكسري القلوب وأنادي للمسببين بالإفراج وللعميان بالبصر ، وأشدد المنسحقين بالغفران ، وأعلن السنة المقبولة للرب " (لو 18 ،4) . والحسين عليه السلام قال : "لم أخرج مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر و أسير بسيرة أبي علي بن أبي طالب " _ تصحيح " وأسير بسيرة جدي رسول الله " _ . وقال المسيح لتلاميذه ، و كأنهما بإسمه والحسين : " فإن كانوا اضطهدوني فسوف يضطهدونكم أيضا .... سيفعلون بكم كل هذا من أجل اسمي لأنهم لا يعرفون الذي أرسلني . لو لم آت وأكلمهم لما كان لهم خطيئة . أما الآن فلا عذر لهم في خطاياهم " ( يو 20 ، 15) نعم ، عيسى والحسين نذرا حياتهما للشهادة في سبيل القيم الإنسانية . لذا قال الحسين ، وكأنها باسمه والمسيح: ( لا أرى الموت إلا سعادة)، لأنها خلاص كل مؤمن مسيحيا كان أو مسلما.
والآن، في زماننا الحاضر المتبدل ، وفي رؤيتنا العقائدية الثابتة وانفتاحنا على اللا نهاية، بروح إنجيل وقرآن ، وبوصية المسيح : ( ما لقيصر لقيصر وما لله لله). لنا سؤال واحد ،ذو شأن ، لعيسى وللحسين ابن جده : كان لنا الإنجيل والقرآن برسالتهما الفائقة ، أخذتما أيضا بعين الاعتبار ( ما لقيصر لقيصر) ، وهي العوائد والظروف في المجتمع ، تتبدل يوما بعد يوم ، ندرك ذلك. جواب المسيح: ما لله لله ، لذا أريد كنيسة واحدة لراع واحد ، كما بشرت. ولي اليوم كنائس كنائس.... وكأني ، بعد، على الصليب. جواب الحسين الشهيد، رجل المرحلة الثانية للإسلام بروح جده الرسول(ص) : أريد إسلاما واحدا ، دينا واحدا ، مذهباً واحداً ، شيعة واحدة. ولي اليوم شيع ، شيع...
لنا ، إذا ، جواب واحد من عيسى والحسين . وعندئذ الإله العلي ، به نؤمن وله نسجد، يسمع صلاتنا ويقبلها في كنيسة وجامع . ومن حواصل هذه الوصية : محبة القريب كما هو ، الحوار الدائم ، حقوق وواجبات كل إنسان ، من كان.
المساواة التامة بين الرجل والمرأة ، حقوقا وواجبات، إرثا وانتخاباً وحياةً اجتماعية في فروعها كافة. وللمرأة ، بهذا الحضور وبهذه النباهة، شفيعتان : مريم وزينب . ولبنان ، بهذه الصفات والكفاءات ، يكون أكثر من بلد ، بل رسالة في عالمه العربي.
أخيرا للمناسبة ، وأقولها ببساطة ، أمام أخوة : قبلت الدعوة لهذه الكلمة ببهجة خاصة ، لأني في مثل هذا اليوم ، 18 أيار رسمت أسقفا في الكنيسة على مطرانية بيروت . عيدُ لي أن أكون معكم ، الآن في الذكرى . طوال حياتي الكهنوتية والأسقفية وفي رسالتي ، كنت وطنيا ، لطائفة واحدة لبنان . وما نحن إلا أخوة في عائلة واحدة ، لبنان الرسالة ، إيماني أنها وصية المسيح والحسين . ونكهة لبنان الوطن الواحد أنه يجمع بالحوار والمحبة جميع الأديان والطوائف ، ما أجملها رسالة .
لذا أحبك يا وطني لبنان ، بمسيحييك ومسلميك ، بقرع الأجراس وآذان المؤذنين . أحبك بكل جوارحك. لنا منك الإخاء والتعاضد .... أحبك يا كنيستي ، كاثوليكية كنت أم أرثوذكسية أم بروتستانتية .
صوت المسيح والحسين ، على الصليب وفي كربلاء ، لا يعلمنا عبر العصور ، إلا العطاء والشهادة والمحبة . هكذا نصلي حتى تكون لنا المحبة ، حقا ، ميثاقا للوطن لبنان .
فيا وطني الحبيب لبنان ، أريدك لجميع بنيك ، وطن إيمان وصلاة في كنيسة وجامع ، لا وطن طوائف ومذاهب وطائفية . من هو المسيح ، من هو الحسين ؟ هما لي رسولا فداء وخلاص ومحبة جامعة . بروحهما يكون لبنان جنة لأبنائه ، حاضرا ومستقبلا ، ونشيد وفاق ووحدة دائمة بوصايا قرآن وإنجيل . هي رسالته المثال في عالمه العربي والقارات
أيها السادة ، المحبة لا تسقط أبدا . ولبنان المحبة والحرية لن يسقط أبدا . ويا رب ، أقم بالسلام حدود لبنان
ودام لبنان
التعليقات (0)