شارك هذا الموضوع

كيفية مواجهة النهضة الحسينية للظلم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه النجباء البارّين .


إن النهضة الحسينية المباركة قامت لمواجهة المنكر والظلم والاستبداد لدى حكام الجور آنذاك ، وكانت تلك المواجهة على ثلاثة أشكال متدرجة كما يلي:


 1.       المواجهة بالكلمة التذكيرية الواعظة:


 وقد انطلق أبو الأحرار سلام الله عليه في هذه المواجهة من الآية الكريمة : (( وجادلهم بالتي هي أحسن )) ، وكذلك كان عليه السلام في بداية الأمر يكثر من الخطابات والتوجيهات والحوارات ، والكلمات التي تدعو القوم إلى العودة إلى رشدهم ، والنظر بإمعان وتبصّر في الآيات القرآنية التي تشيد بمكانة الرسول (ص) وأهل بيته ، مضمناً نفسه فيها حيث أنه خامس أهل ذلك البيت النبوي الطاهر قائلاً : ألم ينزل فينا قوله سبحانه وتعالى : (( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ))؟ ألم يقل جدي الرسول (ص) فيّ وفي أخي الحسن : (( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )) ، أما قال الرسول فينا : (( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى ))؟


ثم أخذ يعظهم ويذكرهم برسول الله (ص) وشريعته الخالدة ، فيقول لهم : على ماذا تقاتلونني ؟ أعلى شريعة غيرتها أم على سنة بدّلتها؟ قال بعضهم: حاشاك يا أبا عبد الله أن تغير أو تبدل في شرع الله أو تحرف وتبدع في دينه ، وقد استجاب لوعظه بعض القوم كالحر وأولاده ، وزهير بن القين ، فتحولوا من ألذ أعداء الحسين ومحاربيه إلى أصحابه ، ومن الشهداء بين يديه ، وهنيئاً لهم حيث دخلوا بتوبتهم في رحاب المجد من أوسع أبوابه ، وقد وصفهم أبو الشهداء (ع) بقوله : (( والله ما رأيت أصحاباً أصدق ولا أوفى من أصحابي )) .


أما الذين ختم على قلوبهم الشيطان وغزاهم بضلاله وغوايته ، فقد أصرّوا على نصرة ابن سعد ويزيد وابن زياد ، ومع ذلك بكى عليهم الحسين (ع) صاحب القلب الكبير وقال : (( أبكي على هؤلاء القوم ، لأنهم سيدخلون النار بسببي )) .


ولو نظرنا لما يترقبه هؤلاء القوم من وراء قتل الحسين وأهله وأصحابه لرأيناه دنيويا محضاً ليس فيه من الروح والمعنى شيء ، وهو جائزة يزيد المتمثلة في حفنة من المال أو منصب زائل ، وقد لا يحصلون عليه ، بل لم يحصلوا على شيء من ذلك الحطام الدنيوي الزائل ، فالرجاء كل الرجاء من الشباب المؤمن أن لا ينخدع  بما انخدع به بن سعد وشمر وحرملة وغيرهم بل يقولوا : (( لبيك يا حسين )) ويمضون في نصرة الحق في كل وقت ومكان ؛ لأن الحسين لازال ينادي هل من ناصر هل من معين إلى الآن وإلى أن تقوم الساعة .


2.       المواجهة بالدم والشهادة :


 وهذه المواجهة الحسينية لم تكن بالإعتداء والبدء بالقتال والحرب ن وإنما بطريقة الدفاع عن النفس والدين والعرض والشرف والقداسة ، فحينما بدأ ابن سعد برمي أول سهم على خيام الحسين ، ثم رمى قومه باتجاه معسكر الحسين ، وهم يوصمون جبينهم بالعار وخصوصاً عندما تبجح بن سعد آثماً وهو يقول : اشهدوا لي عند الأمير بأني أول من رمى الحسين بسهم .


فبدأت الحرب الضروس ، وبدأ الحسين وأولاده وأصحابه وإخوتهم برد الإعتداء تطبيقاً لقول الله تعالى : (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) ، وتجسيداً لقوله تعالى : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )) .


هذا وأبو عبد الله عليه السلام يظهر الإباء والعزة والأنفة والحمية بمجابهته للباطل قائلا : (( لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرُّ إقرارَ العبيد )) فأخذوا يتساقطون مضمخين بدمائهم واحد تلو الآخر ، وكأنَّ الله يصفهم بقوله تعالى : (( من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا )) .


ولكن لله ذرهم حيث صمدوا ورابطوا إلى آخر قطرة دم في أبدانهم التي جعلوا منها وقوداً لنصرة دين ربهم ، إلى أن سقط الطود الأعظم منهم وهو سيدنا أبو السجاد (ع) ، ودمه الطاهر يعبّق الأرض حتى وصفه الشاعر الكبير السيد حيدر الحلي رحمه الله :


 الله أيُّ دمٍ في كربلاء سُفِكَ      لم يجرِ في الأرض حتى أوقف الفلكَ


 فما أعظم تلك الدماء القانية الحمراء التي انتصرت على السيوف الباترة ! وأين سيوف بني أمية؟ ولكن هل غاب دم الحسين (ع) وأهل بيته وأنصاره عن عالم الوجود ؟.


كلا وألف كلا ، بل لا زالت ولن تزال كل قطرة تدوّي وتقول مردّدة :-


(( ألا وإنّ الدعيّ بن الدعي قد ركز بين اثنتين ، بين السِّلةِ والذّلة وهيهات منّا الذّلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وأنوف حميّة ونفوس أبيّة ، أبت أن تُؤثرَ طاعة اللئام على مصارع الكرام )) .


 حتى قال الشاعر عن إباء الحسين ( سلام الله عليه ) :


 فأبي أن يعيش إلا عزيزاً       أو تجلّى الكفاح وهو صريع


 


3.       المواجهة الإعلامية :


 وهذه مرحلة مشابهة للمرحلة الأولى التي قام بها أبو الأحرار (ع) وهي مرحلة المواجهة بالكلمة ، ولكن الفرق بين المرحلتين هو أن الأولى قام بها هو بنفسه عليه السلام ؛ بينما هذه المرحلة جاءت بعد التضحية بالنفوس والدماء ، وكانت عن طريق الإمام السجاد (ع) ، والباقر (ع) والسيدة زينب (ع) وبقية النساء والأطفال ، الذين اكملوا بقية المواجهة الحسينية للاستبداد والجور ، والتي خطط لها صاحب الثورة سلام الله عليه ، حينما سأله أخوه محمد بن الحنفية عن سبب اصطحابه النساء ؛ فقال له (ع): (( شاء الله أن يراهن سبايا )) ، ففي دروب السبي قام زين العابدين (ع) وعمته زينب الكبرى (ع) ، وباقي الفاطميات والأطفال بتوضيح أهداف الثورة وأسبابها ، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي كان يعتقد بها كثير من الناس حول الثورة الحسينية ، ومَن قام بها وأصحابه وأهله ونساؤه بسبب تضليل الإعلام الأموي وأقلامه المأجورة المرتزقة كقول شريح القاضي : (( الحسين خرج عن حدٍّه فقتل بسيف جدٍّه )) ، أو قول البعض الآخر عن سبايا الحسين (ع) : هؤلاء خوارج من أهل الترك والديلم قد خرجوا على يزيد ، فقتل رجالهم وسبى نساءهم .


فالإمام زين العابدين (ع) يقول لبعضهم : ( هل قرأت القرآن ؟ قال نعم ، قال : أقرأت قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل الييت ويطهركم تطهيرا ) قال: بلى ، قال الإمام السجاد (ع) واللهِ نحن هم ، أي مَن عنتهم الآية الكريمة .


وأما زينب العقيلة (ع) فقد دافعت بالكلمة للرّدِّ على اعلام الأمويين وخصوصاً عندما قال لها ابن زياد ( كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك ؟ فقالت عليها السلام : (( ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجُّ وتخاصمُ ، فانظر لمن الفَلَجُ يومئذ ، ثكلتك أمك ابن مرجانة )) .


إذن فكل هذه المقالات والخطابات من الإمام المعصوم سيد الساجدين (ع) وعماته وأخواته ، كان إعلاماً مضاداً لإعلام يزيد وابن زياد ، وغيرهما ممن والاهم وسار بسيرتهم لتشويه هذه الشخصيات التي ضحّت يوم كربلاء ، وسيرتها الناصعة التي أعلنت المواقف الجبّارة والشجاعة في سبيل نصرة الدين والحق والإيمان ، ولا زال الإعلام المحمدي العلوي الحسني الحسيني الفاطمي يدوي إلى الآن وإلى أن تقوم الساعة على أيدي وألسنة الشيعة ، وكل المنصفين من المسلمين وغيرهم ليس بالكلمة فقط ، وإنما تطور إلى الصورة والمشهد التمثيلي والمسيرة الحسينية ، ولكن أين إعلام يزيد وابن زياد وأتباعهما ؟ بل كيف يذكر يزيد وباقي الظلمة ؟ كلهم راحوا جُفاء كالزبد ، والحسين باقٍ مدى الدهر يجسّد معنى الآية الكريمة القائلة : (( أما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )) ، ونفع ثورة الحسين وفكره واضح ، ينبض بالعطاء والحيوية والوعي ، ونبذ الأناينة والتحجّر .


 قد بقى الحقّ والحسينُ مناراً           ويزيد الخنا هباءً وعاراً


 وخير ختام قوله تعالى :


(( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون )) .


 والصلاة والسلام عليك سيدي يا أبا عبد الله الحسين وعلى أهل بيتك وأصحابك المجاهدين الأبرار ، طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم ،، والحمد لله رب العالمين .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع