شارك هذا الموضوع

الإمام زين العابدين ذلك القدوة

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه الأخيار المنتحبين.


قال تعالى:( ولكم في رسول الله أسوة حسنة )، لقد كنت نعم الأسوة الحسنة يا سيدي يا رسول الله لجميع الناس، وليس إلى المسلمين فحسب؛ وذلك انطلاقاً من قوله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين )، وقوله سبحانه : ( إن هو إلا ذكر للعالمين )، وقوله جل شأنه : ( ما هو إلا ذكر للعالمين ). فهو صلى الله عليه وآله وسلم القدوة الشاملة لكل البشر نظراً لعموم رسالته وشمولية دعوته، وأول من اقتدى به من العالمين هم أهل بيته والأئمة من بعده.


 من هنا يمكن القول بالضرس القاطع أن زين العابدين عليه السلام قدوة، وأي قدوة هو؟! القدوة التي تربت في بيوت الوحي ومعدن التنزيل، بل هي البيوت التي وصفها القرآن الكريم بقوله جل وعلا : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه).


 إذن طالما هذه تربيته، نشأته، قدوته؛ فيعني الإقتداء به إقتداء برسول الله محمد (ص)؛ حيث أن النبي (ص) يذكر في أحد أحاديثه الشريفة أن الأئمة المعصومين من ولده كلهم يجسدون دينه، فكره، روحه، أخلاقه، سلوكه، كيانه، دعوته، وكل ما يقوم به في مرضات الله سبحانه وتعالى، فيقول (ص) : ( أولنا محمد وأوسطنا محمد وآأخرنا محمد، وكلنا محمد ) فالكلمات الثلاث الأولى التي كررها صلى الله عليه وآله وسلم بقوله (محمد) يعني أسماء أبنائه محمد الباقر، والجواد، والمهدي عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام، ولكنه في المقطع الأخير قال ( وكلنا محمد ) هنا موضع الشاهد على أن الأئمة كلهم يحملون فكره، وإيمانه وجهاده ويجسدونه بالقول والفعل والحركة والسكون في مرضات الله، وفيما يريده الله، لهذا يقول الإمام الحسين (ع): ( رضا الله رضانا أهل البيت ) ويقصد بذلك أن كل ما يرضي الله فهو محل رضانا وتسليمنا.


 فإذا كان الإمام السجاد (ع) وآباؤه وأجداده وأبناؤه بهذه المثابة من الارتباط بالله ورسوله ألا يستحقون أن نقتدي بهم ونقتفي أثرهم في جميع سلوكياتهم؟ يجب علينا أن نأخذ زين العابدين (ع) قدوة وأسوة في كثير من شؤون حياتنا الدنيوية والأخروية وعلى سبيل الاختصار نأخذ بعض الأمثلة:


1.     زين العابدين قدوة علمية:


فهو مشهود له بغزارة العلم والمعرفة، والفقه، والحكمة، والحديث، والتفسير وبقية علوم القرآن الكريم حتى قال الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد: ( كان علي بن الحسين أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً )، وقال ابن حجر في صواعقه :(زين العابدين هو الذي خلف أباه الحسين علماً وزهداً وعبادةً )، وقال الزهري: ( ما رأيت أحداً أفقه من علي بن الحسين (ع) ولا أفضل منه)، وقد قال فيه عبد الملك بن مروان : ( لقد أوتيت من العلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك إلا من مضى من سلفك)، وقال عمر بن عبد العزيز : ( سراج الدنيا وجمال الإسلام زين العابدين).


أما آثاره العلمية، فهي متمثلة في رسالة الحقوق، التي أوجز فيها جميع الحقوق والواجبات للإنسان، وقد جمعها فيما يقارب من خمسين حق ابتداءً من حق الله سبحانه علينا، ونكتفي بذكر شذرة مقتضبة من حق الله تعالى حيث يقول (ع): ( اعلم رحمك الله: إن لله عز وجل عليك حقوقاً محيطة بك في كل حركة تحركتها، أو سكنة سكنتها، أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلبتها، أو آلة تصرفت بها، بعضها أكبر من بعض، وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق......الخ ثم يقول عليه السلام: فأما حق الله الأكبر عليك: فأن تعبده ولا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب منهما )، ثم بعد ذلك يتحدث عن حق النفس ثم يعدد الحقوق الباقية حتى يصل إلى آخر حق وهو حق أهل الذمة....


وقد أبدع علماً ومعرفة وثقافة في هذه الحقوق التي سطرها، وقد قام بعض العلماء بشرح تلك الحقوق فملئت ببيانها المجلدات، ولكن أين من يبحث عن علوم هذا الإمام؟ وأين من يهتدي بهدية؟.


ومن آثاره العلمية أيضاً صحيفته المسماة بالصحيفة السجادية، وتحوي جميع أدعيته ومناجاته في الصلوات، والأيام والليالي، وفي التسبيح، والتضرع والاستكانة لله تعالى، وفيها روائع الخشوع والضراعة والبلاغة والمعرفة والعرفانية والروحية والروحانية، وهذه الصحيفة تسمى زبور آل محمد (ص).


2.     الإمام السجاد (ع) قدوة المسلمين في أخلاقه وتواضعه:


لقد كان سلام الله عليه في ذروة الأخلاق والتواضع، مع والديه، مع أبنائه وزوجاته، ومع الناس بشكل عام، أما أخلاقه مع والديه فكان إذا جلس معهما على مائدة فلا يسبقهما في الابتداء بالأكل بل لا يمد يده إلى لقمة إلا إذا رفعا يديهما من الإناء، وقد ورد عنه أنه أحياناً لا يأكل معهما في إناء واحد، وقد سئل عن ذلك فقال (ع) لكي لا أسبقهما إلى شيء نظرا إليه أو أراداه من ذلك الإناء...


أما أخلاقه مع الناس فكان يحترم من يزوره ويكرمه سواءً كان قريباً منه نسباً أم بعيداً، وكان يحترم كل من لقيه ولا يجرح مشاعره حتى لو كان ذلك الشخص ينال منه ويؤذيه ترى الإمام ينصحه ويوجه له الخطاب برفق ومن أمثلة ذلك: حينما نقل له عن شخص كان يشتمه ويتهمه بما ليس فيه، فمضى إليه الإمام وقال له:( إن كان ما قلته عني حقاً فالله تعالى يغفر لي، وإن كان ما قلته باطلاً فالله تعالى يغفر لك)، ومن أخلاق الإمام السجاد (ع) إذا أتاه سائل قال: ( مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة ). ومن مواقفه الأخلاقية الناصعة أنه لما طرد أهل المدينة بني أمية في وقعة الحرة أراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله عند الإمام (ع)، رحب سيد الساجدين (ع) بهم وجعلهم كعياله.


وأي أخلاق وتواضع ولين عريكة وعدم تكبر ترى عند سائر الناس؟ هذه شذرات بسيطة من أخلاقياته (ع)، ولو أردنا التوسع في المواقف الأخلاقية لديه لرأينا أن الأخلاق هي حياته والسماحة سجيته، حتى أنه قال في مدحه الشاعر الأديب الفرزدق في ميميته:


إذا رأته قريش قال قائلها          إلى مكارم هذا ينتهي الكرم


ما قال لاقط إلا في تشهده          لولا التشهد كانت لاؤه نعم


مشتقة من رسول الله نبعته        طابت عناصره والخيم والشيم


حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا        حلو الشمائل تحلو عنده نعم


إن قال ، قال بما يهوى جميعهم     وإن تكلم يوما زانه الكلم


هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله      بجده أنبياء الله قد حتموا


3.     زين العابدين قدوتنا في العبادة :


 من المعروف أنه سمي بزين العابدين لكثرة عبادته وخشوعه لله جلّ وعلا ، ولقب بسيد الساجدين لكثرة سجوده ، وقد كان بكثرة عبادته وسجوده قريبا من الرحمن بعيدا عن الشيطان ووساوسه المضللة ، ولكن أي عبادة كانت تلك؟ أهي العبادة الجوفاء الخالية من كل معنى؟ أم هي العبادة المفعمة بالإتصال بالله والذوبان فيه ، والعروج بالروح إلى الملكوت الأعلى وهو يعيش في الدنيا؟ نعم ، نعم بكل تأكيد كانت الصلاة الصلة ، بل كاتن في مقدماتها تصفرّ ألوانه ويستشعر العظمة الإلهية ، فها هو عندما يتوضأ للصلاة يصفرّ وجهه وترتعد فرائصه ويبكي ، وإذا سأل : ما هذا الذي يعتريك عند وضوئك فيقول (ع) : أتدرون بين يدي من أريد أن أقف؟! بين يدي جبّار السماوات والأرض. أما إذا وقف للصلاة فإنه يتألق حبّا وشوقا لله.


 أما الجزء الآخر من عبادته فهو الدعاء والمناجاة لربه بعد كل صلاة ، وتراه في بعض أدعيته يناجي ربه ويقول: ( إلهي إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وإن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني ، وإن أكرمتني فمن ذا الذي يهينني ، وإن أهنتني فمن ذا الذي يكرمني ، وإن عذبتني فمن ذا الذي يرحمني ) ... فقرة من دعائه (ع) يوم عيد الأضحى ويوم الجمعة .


 الخلاصة :


ماذا يعني تعرضنا بالحديث عن حياة الإمام السجاد (ع)؟ هل كان ذلك للترف الفكري ، والترف فقط؟ لا ليس كذلك ، وإنما لأخذه نبراسا ، منهجاً ، قدوة ، نموذجاً يحتذى الخطى قولاً وعملاً ، أيها الشباب : إن إمامكم يريد منكم أن تعيشوا معنى الإمامة تطبيقاً ، لا كلاماً فارغاً أجوفاً خالياً من كل مغزى رفيع ، فالإهتمام بالعلم والتعلّم بكل أنواعه الدينية والدنيوية ، اهتموا بأخلاقكم اقتدوا بإمامنكم ، كونوا كما يقول أمير المؤمنين (ع) ( كونوا كالعافية إن عشتم حنّوا إليكم وإن متّم بكوا عليكم ) ، حضروا قلوبكم عندما تصلّون ، صلّوا صلاة مودع كما كان يفعل زين العابدين (ع) ، ولا تنقروا كنقر الغراب مثلما قال (ص) لذلك الشاب الذي يصلّي بسرعة : ( نقر كنقر الغراب لأن مات هذا وهو على هذه الحالة ، مات على غير دينه). 


قال تعالى : ( وابتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا )


 سلام الله عليك يا سيدي يا أبا الباقر يوم ولدت ويم استشهدت ويم تبعث حيا .


 والحمد لله رب العالمين

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع