شارك هذا الموضوع

وقفة في دور زينب (ع) الرسالي

أن تفاجئك المصيبة شيء وان تسير نحوها شيء آخر. أن تزف حبيبك نحوالموت وأنت تبقى بعده حياً يتطلب الكثير الكثير من الصبر والإرادة والشجاعة والقوة ونحن نشاهد زينب وهي مع الحسين في حركته نحو الاستشهاد، إنها تزف موكب الحسين نحو الموت فهي تنظر للحسين وتعلم أنه ذاهب وتجالس الحسين وتعلم انه ذاهب وتكلم الحسين وتعلم انه ذاهب وفي كل ذلك هي الصبورة المحتسبة المتوازنة التي انطلقت من إيمانها العميق بكل ما يدعو إليه أبوعبدالله. فهي تجسد الإيمان لله سبحانه وتعالى بأروع صوره وأسمى حالاته.

زينب صاحبة قضية وموقف. قضيتها قضية الحسين، قضية الإسلام المحمدي الأصيل وانطلاقها مع الحسين لم يكن عاطفياً فإذا كانت نساء موكب الحسين في الموكب لأنهن قد تبعن الأزواج، فحالة زينب كانت مختلفة. فزينب قد تركت زوجها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب في مكة ليكون وجودها في موكب الحسين وجوداً حركياً رسالياً ولو لم تخرج زينب مع الحسين وبقيت في مكة لما أصابتها لومة لائم.تحركت مع الحسين ولو اكتفت بحركتها مع الحسين مواساةً له ولاهل بيته لكانت تلك فضيلة ولوكانت قد صبرت على قتل الأحبة أمام عينها وهي تضحي بالولد والأخ وابن الأخ وهي امرأة وما أدراك ما عاطفة المرأة وهي صبورة محتسبة متماسكة لكان في صبرها فضيلة.

ولكن كل ما قامت به من أعمال عظيمة قبل الطف شيء وحركتها الإعلامية بعد ذلك شيء آخر. لم تكن الإنسانه المكسورة التي فقدت الأحبة قريباً وإنما كانت الصوت الأعلى في الكوفة والشام. زينب لم تكن ضعيفة، لم تنهار، لم تتزلزل. التماسك عند المصائب ميزة وعنصر من عناصر قوة الشخصية وقليلاً ما تجد هذه الحالة لدى الرجل ولكن زينب المرأة، تجاوزت مرحلة التماسك والصبر والجلد لتنتقل بعدها الى مرحلة التحدي والمواجهة وإعلان الصيحة والصرخة بوجه الطغاة والتي سمع ويسمع التاريخ صداها على مر القرون.

زينب تعلم بحكمها إمرأة، بانها سوف لا تستطيع القتال ولو كان كذلك لهان عليها تحمل المأساة والصبر على الفواجع منتظرة الشهادة والخلاص لتستريح من همها وغمها ولكن زينب العظيمة تتحمل المأساة وهي تعلم بأنها سوف تبقى على قيد الحياة وأن دورها الحقيقي هو ما بعد حادثة الطف فهي حتى لا تستطيع أن تتألم وتحزن كما يحزن الناس على مصائبهم لأنها مكلفة لتكون سفيرة الحسين وكربلاء الى الكوفة والشام وعليها أن تتصدى لنشر رسالة الحسين مباشرة.

من خلال الحوارات التي تدور بين زينب والحسين عليه السلام، الحسين يخاطب زينب لا كأخت وامرأة ليمسح على مشاعرها ويراعي عاطفتها فقط ولكن حواراته معها، حوارات مع زينب الواعية الرسالية التي عليها ان تحمل راية الحسين بعد مقتله وتقوم بإكمال الرسالة الحسينية واستمرارية المشروع لكي لا يموت بكربلاء ويدفن هناك.إنها تراقب أحداث الطف مراقبة ميدانية من دون اغماض عين ولا إدراة وجه كما تفعل النساء وهي تشهد مقتل ولدها وأهل بيتها وأصحاب الحسين وتشهد قتل الحسين ورض جسده بحوافر الخيل وتشهد قطع رأس الحسين وأهل بيته وأصحابه. إنها واقفة بقرب ساحة المعركة تقدم كل ما تستطيع تقديمه آنذاك وهي تصرخ بوجه أولئك الوحوش لعلهم يرتدعون.

تنادى عمراً مرة: ويلك أي عمر أيـُقتل أبوعبد الله وأنت تنظر اليه وتصرخ بوجه الزمرة الباغية مرة: ويحكم أما فيكم مسلم وتصيح مرة أخرى: يامحمداه، صلى الله عليك مليك السماء، هذا الحسين بالعراء مرمل بالدماء، مقطع الاعضاء وبناتك سبايا وذريتك مقتله تسفي عليها الصبا . في كل هذه المواقف انها تنظر ولكنها صامدة وهي وفية لوعدها لدى الحسين:
اني اقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيباً ولا تخمشي علي وجهاً ولا تدعي علي بالويل والثبور ان انا هلكت
غالباً ما يكون الرجل القدوة، قدوة للرجال والمرأة القدوة، قدوة للنساء ولكن زينب قدوة للرجال والنساء معاً. زينب جمعت مجموعة من الفضائل في شخصيتها تكاد تكون الواحدة منها كفيلة بتخليد صاحبها وجعله رمزاً على صعيد التاريخ الانساني كله. سوف لا نجد انساناً على وجه الارض يمر بكل ما مرت به زينب فقد نجد من يفقد الابناء اوالاخوان او ابناء الاخوان وقد نجد من يفقد الابناء والاخوان وابناء الاخوان معاً ولكن هل سوف نجد حجماً من المصائب تقع على انسان كما وقعت على زينب مرة واحدة وهل هناك عذر لدى الانسان المؤمن ان يكون صبوراً واسوأ ما يقع عليه سوف لا يكون شيئاً مقارنة بما مرت به زينب التي بقت صامدة.

أخيراً...
علينا ان ندعوا الناس الى الاسلام باسم زينب، فهي تلك المرأة التي جسدت قِيم الاسلام في شخصيتها لا على مستوى النظرية وانما على مستوى التطبيق. في كل عام زينب تولد في محرم وتموت بعد ذلك سريعاً وكأنها مجرد بطلة من أبطال قصة كربلاء ولكننا ننسى زينب بعد الطف وما احوجنا اليها قدوة وأسوة ورمزاً للتضحية والاخلاص والوفاء. في مدرسة زينب، التزام المرأة لا يدعوها الى الابتعاد عن ساحة الحياة والمجتمع مكتفيه بالبيت والزوج والولد. في مدرسة زينب، المرأة الملتزمة المتشرعة المتدينة ليست مهمشة ولامنزوية ولامتخلفة عن الرجل ولاتقوم بدور ثانوي بل انها في طليعة الحركة التغييرية.المرأة المسلمة الملتزمة اليوم بحاجة الى زينب قدوة وشهادة بوجه كل من يريد لها الانكفاء والانزواء وفقدان الدور اومن يتهمها بالتخلف والتناقض بين الالتزام والفاعلية في المجتمع. هل يجوز ان نسمح لأحد باتهام المرأة الملتزمة بالتخلف والتغييب وعندنا زينب؟ وعندنا من حملت رسالة الطف بين يديها لتكمل مشوار الحسين وحركة الحسين التي لوكانت قد فقدت العامل الاعلامي فيها لمحي اثرها وفي افضل الحالات لتحولت الى رواية تاريخية مثيرة.

منقول من شبكة قادتنا

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع