شارك هذا الموضوع

ذكرى سيد الشهداء وتجديد العهد

المبادئ والأديان، لابد لها من محرّك يفيض عليها الحركة والحياة ويضمن لها بقائها واستمراريتها، ويدفع بعجلاتها نحو الأمام، ليسلّمها قوية متينة إلى الأجيال القادمة.


أرأيت الطائرة لو لم يكن لها محرّك قوي، لما استطاعت أن تقلع من الأرض، وتحلق في الأجواء، لتنقل المسافرين من بلد إلى آخر.


والسيارة لو لم يكن لها محرك فاعل، لما استطاعت أن تتحرك من مكانها، وتتقدم شبراً واحداً نحو الأمام، وهكذا المبادئ والأديان.


ونعني بالمحرك، هو ذلك الموجود النابض بالحرارة مع كل مقوماته وشرائطه وأجزائه ـ الذي يحترق، ويقدم نفسه فداءاً وقرباناً، ليفيض الحركة والحياة على الموجود الأفضل منه.


وإذا رأينا ديناً حياً ومبدءاً متحركاً على وجه الأرض، فهو ليس كما نراه على ظاهره، من أنه تولد وعاش عفوياً بلا دعم، وبقى واستمر تلقائياً من دون محرك، فإنه من البساطة والسذاجة إذا قبلنا هذا التصور وصدقناه، إذ هو مخالف لقانون الطبيعة، وسنّة الحياة، التي أودعها الله تعالى في هذا الكون.


بل بقاؤه واستمراره، وحياته وتحركه، رهين دعم المحرك، وقوة تأثيره وفاعليته، ومهما كان المحرك أقوى، والدعم أكبر، كان بقاء ذلك الدين واستمراره أكثر وأطول، وحياة ذلك المبدأ وتحركه أصلب وأقوى.


والإسلام ـ طبعاً مع غض النظر عن أنه دين إلهي، قد فرض الله على نفسه حفظه وصيانته، وتكفل بقاءه واستمراريته إلى يوم القيامة، وإن كره الكافرون ولم يرتضه المشركون، حسب اعتقادنا نحن المسلمين ـ هو أيضاً كبقية المبادئ والأديان، لا ينفلت عن هذه القاعدة الطبيعية، والسنن الكونية، فإنه إن نراه باقياً إلى يومنا هذا، وهو على قوته وصلابته، وحصانته ومناعته، وقد اختص بنفسه أكثر منتحلي الأديان والمبادئ من مجموع البشر، حيث إن الذين يعتنقون الإسلام في يومنا هذا، ويؤمنون به، يبلغ عدد نفوسهم المليار والنصف مليار إنسان، يعني ربع المجموعة البشرية التي تعيش على كرة الأرض حالياً، وهذا رقم كبير، ليس لأي مبدأ ودين غير الإسلام بهذا القدر الكبير من يدين به من الناس ويعتقد به، وما هو إلا بفضل ذلك المحرك القوي الذي استطاع أن يحفظ الإسلام ويعطيه الفاعلية والحركة، ويفيض عليه الحياة والاستمرارية، ويدفعه إلى الأمام، ويوصله بأيدينا غضاً طرياً.


وهذا المحرك يمثله أولاً شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث جاء بالإسلام من عند الله تعالى إلى الناس كافة، فبشّر وأنذر، وجاهد وبلّغ، وضحّى في سبيله وفدى، حتى أرسى دعائمه، وأثبت قواعده وأوصله مشارق الأرض ومغاربها، ودفعه بهمته العالية، وروحه الكبيرة إلى الأمام، إلى ما لا قدرة لأحد عليه سواه (صلى الله عليه وآله)، فانتعش الإسلام لهمته، وصار يضرب بأجنحته ما بين الخافقين، وبقي شامخاً متطاولاً، رغم العواصف والأعاصير، وكيد الأعداء والمناوئين.


وخلفه من بعده، ابن عمه ووصيه، الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكان خير محرك للإسلام بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث تمكن بحنكته العالية، وهمته الكبيرة، وتضحياته الجسيمة، أن يحتفظ بالإسلام من التحريف والتمويه، ومن انقضاض الطامعين عليه واجتذاذه، فرأى (عليه السلام) نفسه مخيراً بين أن يأخذ بحقه بثمن التضحية بالإسلام، أو يحتفظ بالإسلام بثمن التضحية بحقه، فقدم الإسلام على حقه، وضحى بحقه في سبيل الإسلام، وصبر على كيد الخائنين، وظلم الطامعين أولئك الذين وصفهم القرآن بقوله: (... أفإن مات أو قتل، انقلبتم على أعقابكم...)، ودفع بالإسلام بكل قوة نحو الأمام ـ بعد أن ضمن حياته بفضل تضحياته ـ ليجتاح العقبات الموجودة في طريقه، ويكتسح الألغام المزروعة في مسيره، من أمثال معاوية وعمرو بن العاص، ومكائدهم بالإسلام ودسائسهم ضده.


إلى أن قدم نفسه (عليه السلام) ـ كما ضحى من قبله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ فداءاً للإسلام، وضماناً لحياته وبقائه، وخلّفه من بعده ابنه وسبط رسول الله الأكبر، الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) فكان خير محرك للإسلام بعد أبيه، حيث استطاع عبر تضحيته بحقه من السلطة في مهادنته مع معاوية، تعزيز الإسلام، وحفظ أصوله، وتعرية معاوية بن أبي سفيان على واقعه، وكشفه للرأي العام الإسلامي، وإثبات أنه ما جاء من بدع ليس من الإسلام في شيء، ولا من الخلافة والإمارة بأهل.


ولما رأى معاوية أن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، هو الفرد الوحيد الذي يقف أمام تحقيق أهدافه، ونيل مآربه، من إحياء الجاهلية باسم الإسلام، ودفن الإسلام ونبيه الكريم، فكّر في القضاء عليه فاغتاله بدس السم إليه، فمضى (عليه السلام) في سبيل الحفاظ على الإسلام مسموماً شهيداً.


ثم خلفه من بعده أخوه الإمام الحسين (عليه السلام)، فكان هو الآخر خير محرك للإسلام، حيث حافظ على الإسلام من الضياع، وعلى تعاليمه من الانحراف، وبدأ يكثّف جهوده في من معاوية من أجل ذلك، عن طريق بيان معالم الإسلام وأصوله للناس حين يجتمعون في منى لأداء مناسك الحج، وإبلاغهم وصايا جده الرسول (صلى الله عليه وآله) في حقه وحق أبيه وأخيه الإمام الحسن، والأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام)، وإعلامهم بأنهم أوصياء نبيهم، وخلفاؤه الشرعيون، دون غيرهم من أمثال بني أمية المتطفلين على الخلافة.


وعن طريق انتقاداته الصارخة ضد جرائم معاوية وخيانته بالإسلام والمسلمين، وتنديده بقتل الأبرار الأخيار من أمثال حجر بن عدي وأصحابه.


حتى إذا مات معاوية وعقبه ابنه يزيد، بلغ في الانحراف ذروته، وفي الاستهتار قمته، فقد كان أبوه معاوية يضمر جاهليته، بالرأي العام الإسلامي، بل راح باسم الإسلام وخلافة المسلمين يرتكب كل دعارة ومجون.


فبدأ يعاقر الخمرة جهاراً.


ويلعب بالشطرنج علانية(4) ويلاعب الكلاب والقرود بلا تكتم ويخادن المومسات بلا تحرج.


وهنا أحس الإمام الحسين (عليه السلام) بالخطر يحدق بالإسلام، ويهدد كيانه، ورأى أن قدرة المحركات القوية التي أبقت الإسلام ودفعته إلى الأمام، قد أوشكت جراء ذلك على الضعف والجمود، والتوقف والركود، لولا أن تداركها طاقة جديدة، وحياة نابضة متدفقة، تبعث فيها الروح والحركة، والحياة والبقاء من جديد.


وعلم أن ذلك لا يتسنى بأي ثمن اتفق، ولا بأي تضحية حصلت، وإنما القضية في هذه المرة، تستدعي أن يكون الثمن غالياً ونفسياً، والتضحية كبيرة وعظيمة، إذ ليس الثمن الكافي هو الفداء فقط، ولا التضحية الناجعة هي التضحية بالنفس فحسب.


وإنما القضية تستدعي هذه المرأة أكبر من ذلك كله، إنها تستدعي القيام بثورة إصلاحية جذرية شاملة، كما أن هذه الثورة هي الأخرى أيضاً، تستدعي أن تكون ثورة لا كالثورات المتعارفة، يلزمها أن تكن متميزة على غيرها بكونها:


1- إصلاحية، لا غرض ولا هدف شخصي فيها، بل خالصة مخلصة لله تعالى.


2- سليمة، لا عنف فيها.


3- إنسانية، لا قسوة فيها.


4- أخلاقية، لا أثرة فيها لأحد على أحد.


5- تضحوية، لا بُخل فيها بنفس وأهل ومال.


6- تربوية، تربي الثوار المصلحين، والأبطال المجاهدين.


وثورة هذه مواصفاتها، لم تعرف لنفسها قائداً غير الإمام الحسين (عليه السلام)، فحلّت بفنائه وأناخت برحله، وهو (عليه السلام) لم يعرف أحداً غيره يقوم بها، ويؤدي حقها حسب ما يرام، كما أخبره بذلك جده عن الله تعالى.


لذلك شمّر (عليه السلام) عن ساعد الجد، وحمل أهل بيته وخاصته، وأسرته وأطفاله، ولم يستأثر بهم أحداً، وودّع مهبط رأسه، ومدينة جده المدينة المنورة ـ بعد أن زار قبر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وودّعه ـ واتجه نحو بيت الله الحرام مكة المكرمة، ليجدد عهده بها ويودعها، ومنها نحو العراق.


وهو في ذلك كله عازم على التضحية، موطن نفسه بها، باذل مهجته في سبيل الله، راضٍ برضى الله تعالى، حيث شاء الله أن يراه قتيلاً مضرجاً بدمائه، وأن يرى أُسرته بنات الرسول سبايا، يحدوا بهّن الأعداء من بلد إلى بلد، من كربلاء إلى الكوفة، ومنها إلى الشام لتبليغ نداء الإمام الحسين وأهدافه وليتركن فيها طفلتهم الصغيرة (رقية) لتكون بقبرها الصغير رمزاً كبيراً للمظلومية، ولغماً قوياً ينسف عروش الظالمين من بني أمية وغيرهم.


وقد كان كما أراد الله تعالى له، وكما عزم ووطّن نفسه عليه، فقد أدى الثورة كاملة بجميع شروطها، وافية لكل امتيازاتها، إصلاحية سلمية، إنسانية أخلاقية، تضحوية تربوية.


فكانت خير محرك للإسلام، غذته بالروح والحركة، ووفرت له الحياة والبقاء، وأصبح الإمام الحسين (عليه السلام) بثورته هذه معلماً كبيراً، يعلم الأجيال دروس العز والإباء، والتضحية والفداء في سبيل الله والإسلام، وأضحت ثورته مدرسة عالمية، تربّي في أحضانها الثوار والمصلحين، وترعرع في ربوعها أصول الإنسانية وجذور الأخلاق، وتخرّج حاملي شهادة البطولة والفداء، والجهاد والتضحية في سبيل الله ودينه الحق لا يخافون في ذلك لومة لائم، ولا سخرية مستهزأ، ولا يترقبون من أحد مدحاً ولا ثناءاً، ولا صلة ولا أجراً.


ومفتاح هذه الثورة المباركة، وبوّابة مدرستها التربوية، هي الشعائر الحسينية، فإنها هي التي تهدي الأجيال إلى معرفة الثورة، وإلى تحكيم أهداف قائدها الكبير ابن رسول الله الإمام الحسين الشهيد (عليه السلام)، ومن إحياء الشعائر الحسينية، تستمد ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) الحياة، وتبقى مدرسته العالمية، مفتوحة على مصراعيها أمام الأجيال، كما أن من حياة الإمام وتحركه، وزحفه واستمراريته، إلى يومنا هذا، وحتى يوم القيامة.


ولهذا الترابط الوثيق بين حياة الإسلام وبقائه، وحياة الإمام الحسين (عليه السلام) وبقاء ثورته المجيدة، نرى أن الله تعالى منح الإمام الحسين (عليه السلام) امتيازات خاصة، لم يمنحها أحداً غيره من أنبيائه وأوليائه، وأعار قضيته اهتماماً بالغاً لم يعر أية قضية أخرى بمثلها، ليكون محفزاً للمسلمين نحو الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته المجيدة وإقامة الشعائر الحسينية تمهيداً لإحياء الإسلام، فقد جعل الأئمة المعصومين التسعة الباقين من ذريته، واستجابة الدعاء تحت قبّته، والشفاء في تربته، حيث أن تربة كربلاء بقعة من بقاع الجنة، وروضة من رياضها. وجعل إقامة العزاء والتأسي به جوازاً على الصراط، والبكاء والإبكاء وحتى التباكي على مصائبه ثمناً للجنة، والمشاركة في شيء من الشعائر الحسينية سبباً لنيل شفاعته (عليه السلام) وشفاعة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله).


كيف لا يكون كذلك، وقد بذل (عليه السلام) كل ما يملكه من غال ورخيص، وقدم نفسه وأولاده، حتى طفله الرضيع، وأهل بيته وأسرته، وخاصته وأصحابه، في سبيل الله تعالى، ولإعلاء كلمته ونصرة دينه، والله تعالى هو أكرم من كل أحد، لا ينقص عاملاً حقه، ولا يضع أجره، و (إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب) فلا غرو أن يعوضه بهذه الكرامة، ويمنحه هذا العطاء الكبير.


ولهذا أيضاً نرى أن الأنبياء من لدن آدم أبي البشر إلى النبي الخاتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة الزهراء (عليها السلام)، والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، قد تأدّبوا بأدب الله تعالى، وفتحوا للإمام الحسين (عليه السلام)، كما فتح الله تعالى له، حساباً خاصاً، لم يفتحوه لغيره، فقد بكوه قبل ولادته، وأقاموا عليه العزاء بعد شهادته، وحثّوا المسلمين على زيارته وإقامة العزاء والبكاء عليه حتى جاء في زيارة الناحية المقدسة: (لأندبنك صباحاً ومساءاً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً) كل ذلك كما في إحيائها حياة الإسلام وبقاؤه وتجذّره في قلوب الناس ونفوسهم، فكانوا (عليهم السلام) يمثلون في إحيائهم الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته بعد شهادته، دور المحرك القوي للإسلام، وكانوا بذلك هم المحركون الباقون من الأئمة المعصومين التسعة بعد الإمام الحسين (عليه السلام).


وامتداد ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) الذي هو امتداد للإسلام، لا يتم في ظل بعض المهرجانات التأبينية والمآتم الحسينية وإلقاء الخطب والقصائد فحسب، فإن إقامتها ضرورية في طيلة أيام السنة لإنتاج عطاء الذكرى، لكنها لا تطيق إنجاز فورة الثورة، وإعادة جوّ الملحمة بكل ما فيها من هياج وضجيج، إلى الأفكار والأذهان، بل لابد من مجموع ما يقوم به الشيعة من الشعائر الحسينية في شهري محرم وصفر وتعميمه في كل العالم والربع المسكون من المجالس والمآتم، ومنابر العزاء والبكاء، ولبس الأسود، وتغطية الشوارع والطرقات والمساجد والحسينيات بالسواد واللافتات والشعارات الحسينية، ونصب أعلام العزاء السود وتسيير مواكب اللطم وضرب السلاسل، والشبيه والتطبير، وما إلى ذلك لإيصال نداء الثورة الذي هو صوت الإسلام إلى كل بقاع الأرض، حتى تستطيع أن تموّج الحياة، وتزلزل الأرض، فتهوي بالعروش والتيجان الجائرة، وتنتزع القيادات الظالمة لتسّلمها الصالحين الذين إن تمكنوا في الأرض، أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.


وثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ومظلوميته سلاح نافذ ونعمة كبيرة لا مثيل لها في الأمم السابقة امتازت بها الأمة الإسلامية وامتن الله بها عليهم ليرفعهم بها إن عرفوا قدرها، ولو كانت لغيرهم، لأقاموا بها الدنيا وأقعدوها، ولاستطاعوا عبرها من السيطرة على الأرض، كما يفعله المسيحيون اليوم في محاولتهم تنصير العالم بتصوير مظلومية موهومة للمسيح عيسى بن مريم للتأثير في الناس وكسب عواطفهم، لكن الأمة الإسلامية لم تقدرها حق قدرها، ولم تستطع أن تستقصي كل عوائدها، ولم تعرف كيف تستدّر جميع منافعها، مع أن مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) ليست كمظلومية عيسى موهومة ومصطنعة، حيث قال عنه القرآن الحكيم مكذّباً ما يدّعيه المسيحيون من مظلوميته وصلبه: (... وما قتلوه وما صلبوه، ولكن شبّه لهم... بل رفعه الله إليه، وكان الله عزيزاً حكيماً)


بل مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) وكذلك الأئمة المعصومين (عليهم السلام) مظلومية حقيقية وواقعية، بكى لها الملائكة والأنبياء والأولياء والأوصياء، والأرض والسماء، والجن والإنس. بالإضافة إلى أنها في منتهى درجات المظلومية، وأقصى مراتبها، تتضاءل أمامها كل مظلومية، وتتصاغر لدى عظمتها وتذوب خجلاً عندها، كل مظلومية في التاريخ سواها.


ذِكرها يثير العواطف، ويهز النفوس، ويقلع القلوب، ويستهوي الأفئدة، ويستميلها نحو الإسلام، ونحو تعاليمه الإنسانية، ودساتيره الأخلاقية، فالأمة الإسلامية رغم أنها كانت تستطيع عبرها من بسط الإسلام ونشر رحمته وعدله على كرة الأرض، بقيت ولا تزال منذ قرن أو أكثر ترزح تحت وطأة الظالمين ونير المستعمرين، لكن احتفاظها بالشعائر الحسينية هو احتفاظها بمقومات النهوض ومؤهلات السيادة والسعادة، ولو فقدتها، فإنها تفقد آخر شيء من قواعدها المعنوية، وآخر ورقة يمكنها أن تفتح عليه لنفسها حساباً في الساحة العالمية، وتواصل به مقاومتها للاستعمار، وتثبت به وجودها وكيانها.


وقد عرف الاستعمار ذلك وأقض مضاجعه، فراح يجنّد كل طاقاته، ويحشد كل عملائه لضرب هذه القاعدة الصلبة، والمقوم الأساسي للمسلمين، وأخذ يصب كل دعاياته وجميع شبهاته حول الشعائر الحسينية، وما يرتبط بالإمام الحسين (عليه السلام)، وبقي يحاربها بكل حوله وطوله، وعدته وعدده، علّه يستطيع القضاء عليها. لكنه بفضل الله وجهود العلماء العاملين والمؤمنين المجاهدين، رجع بغيظه لم ينل خيراً، غير أنه أقبل أخيراً بدسيسة أخرى، وهي ضرب المظلومية واغتيالها، عبر تحويرها وتشويهها، ونسبة الشيعة إلى العنف والقسوة، فإنه إذ لم يستطع من القضاء على الإسلام عن طريق القضاء على الشعائر الحسينية، راح يشوّه مظلومية الأئمة وشيعتهم بكل وسائل بثه وتلفزته، وصحفه ومجلاته، علّه يسلبهم هذا السلاح النافذ المتفاعل مع نفوس الناس وقلوبهم. فعلى الغيارى الواعين لدسائس الاستعمار، العمل من أجل إحباط هذه المؤامرات ورد كيده في نحره.


فالواجب، لصد هذا التيار الجارف، والإعصار العاصف من أمواج التشكيك والشبهات ورده في نحور المستعمرين علينا إقامة الشعائر الحسينية والمشاركة فيها، والحث عليها وتشجيعها، وبذل الأموال في إقامتها وتشييدها.


ولا غرو فإن هذا العمل قد أمر الله به في كتابه، ورسوله في سنته والمعصومون في منهجهم، وهو يُرضي إمام زماننا فعجل الله تعالى فرَجَه الشريف وجعلنا من أنصاره وأعوانه، وممن يوطّد لحكومته، ويمهّد لعدله وقسطه، آمين رب العالمين.


(ما أن أبالي بما لاقت جموعهم***بالفرقدونة من حمى ومذموم)


(إذا اتكأت على الأنماط مرتفعــاً***بدير (مرّان) عندي أم كلثـوم).

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع