شارك هذا الموضوع

من آثار زيارة الإمام الرضا (عليه السلام)

آثـــــار:


 لكلِّ عملٍ يقدم عليه المرء أثرُه، بل له في كلّ نيّة وسعي وكلمةٍ أثرٌ يترتّب، خيراً كان أو شراً، حَسَناً كان أو قبيحاً، حقّاً أو باطلاً. فالعمر أيّام وساعات معدودة ومحسوبة، وهي بيد الإنسان يُنفقها مختاراً في أسواق الطاعات أو المعاصي، يجني بها الحسنات أو السيّئات، يتعطّر بمرضاة الله تعالى أو يتلوّث بدنس الشيطان.
والعقلاء هم أولئك الذين يبحثون عن مواطن الخير ومهابط الرحمة، ومحَالّ نزول الملائكة. وتلك يحظى بها العقلاء في بيوت الله تعالى، وأشرف تلك البيوت مراقد الأنبياء والأوصياء عليهم أفضلُ الصلاة والسّلام، ومنها مرقد الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام)، حفيد المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ووصيُّه وخليفته، وليُّ الله من أهل بيت النبوّة، ومَهبِط الوحي ومعدنِ الرحمة.
والحضور عند ضريحه المقدّس شرفٌ يناله المرء إذا راعى آداب ذلك الحضور في زيارةٍ تتضمّن معانيَ روحيّة وحالات روحانيّة. ولا شكّ أنْ سيترتّب على ذلك آثارٌ وآثار، منها ماديّة حسّيّة، ومنها معنويّة قلبيّة، ومنها دنيويّة، وأخرى أُخرويّة. ولا يخرج الزائر إلاّ بهديّة كريمة، قد لا يفهمها ولا يعلمها، وقد لا يثمّنها ولا يُحسِن الانتفاع بها، ولكنّه في كلّ الأحوال لا يخرج خاليَ اليدينِ أبداً، ففي الغَيب خفايا وأسرار، وفي المستقبل علاماتٌ وآثار.
ويكفي المؤمنَ شرفاً أن يُحبَّ أولياءَ الله ويشتاقَ إليهم، وأن يَحِنّ إلى مَزاراتهم، أو يسعى في الحضور عندها وإتيانِها، وتلاوةِ آيات الله في رحابها، وافتراش اليدينِ والقلب بالدعاء فيها.
فَرَج النَّفْس:


 • قال أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم التميمي الهَروي: سمعتُ أبا الحسن عليَّ بن الحسن القَهستاني قال: كنت بـ ( مَرْو الرُّود ) فلَقِيتُ بها رجلاً مِن أهل مصر مجتازاً اسمه ( حمزة )، فذكر أنّه خرج من مصر زائراً إلى مشهد الإمام الرضا (عليه السّلام) بطوس، وأنّه لمّا دخل المشهد كان الوقتُ يقرب من غروب الشمس، فزار وصلّى، ولم يكن في ذلك اليوم زائر غيره.
لَمّا صلّى العَتمة أراد خادم القبر أن يُخرجه ليغلق الباب، فسأله حمزةُ أن يغلق عليه الباب ويَدَعه في المشهد الرضويّ ليصلّيَ فيه، فقد جاء مِن بلدٍ بعيد، وترجّاه ألاّ يُخرجه، فإنّه لا حاجة له في الخروج. فتركه الخادم وغلق عليه الباب، فأخذ حمزة يصلّي وحده حتّى أعيا وتَعِب، فجلس مستريحاً وقد وضع رأسه على ركبتَيه، فلمّا رفع رأسه رأى على الجدار المواجه له رقعةً كُتب عليها هذان البيتان:
مَن سَرَّه أن يَرى قبراً برؤيتِهِ    يُـفرِّجُ اللهُ عَمَّن زارَه iiكُرَبَهْ
فَلْيَأتِ ذا الــقبـرَ، إنّ اللهَ    أسكنَهُ سُـلالةً مِـن نبيِّ اللهِ مُنتَجَبهْ
قال حمزة: فقُمتُ وأخذتُ في الصلاة حتّى السَّحَر، ثمّ جلستُ كجلستي الأُولى واضعاً رأسي على ركبتَيّ، فلمّا رفعتُ رأسي لم أرَ شيئاً على الجدار، وكنتُ الذي رأيته خطّاً مكتوباً رطباً كأنه كُتِب في تلك الساعة. ثمّ انفلق عمود الصبح، وفُتح الباب فخرجت .
مَنال ونَوال:


 • نقل المحدّث الميرزا النوري أنّه رأى في نسخةٍ قديمة لنهج البلاغة بخطّ بعض الفضلاء، أنّه رُوي عن أبي عبد الله الحافظ قوله:
كنت في الروضة الرضوية ليلةَ جمعةٍ أحييتُها، فغلبني النوم في آخرها، وكنت بين اليقَظَة والنوم، فرأيتُ في تلك الحالة مَلكَينِ نزلا من السماء فكتبا بخطٍّ أخضر على جدار القبّة هذينِ البيتين:
إذا كـنتَ تـأملُ أو iiترتجي مِـن اللهِ في حالتَيك iiالرضى
 فـلازِمْ مَـودّة آلِ iiالـرسول وجاوِرْ عليَّ بنَ موسى الرضا
• وكتب النوريّ رحمه الله أيضاً: عرَضَ فَقرٌ مُدقِع لأحد خدّام الروضة الرضويّة المطهّرة، فنوى السفر إلى الهند طلباً للرزق، فلمّا خرج من المشهد رأى في النوم كأنّه في الروضة المطهّرة يريد زيارة الإمام الرضا (عليه السّلام)، وإذا به يقول له الإمام: استَدبَرتَ قبري وسافرت إلى الهند ؟! قال: سيّدي، أنت تعلم أنّه ما بقيَ لي شيء، فأجابه (عليه السّلام): يَصِل إليك مِن خاصّتي خمسة عشر توماناً في كلّ سنة، فاصرفها في معيشتك.
فرجع الرجل، ووصل إليه المبلغ بعد أيّامٍ قليلة .
• وعن الصقر بن أبي دُلَف قال: سمعتُ سيّدي عليّ ( الهادي ) يقول: (مَن كانت له إلى الله حاجة فَلْيَزُر قبرَ جَدّيَ الرضا (عليه السّلام) بطوس وهو على غُسْل، ولْيُصلِّ عند رأسه ركعتين، وليسألِ اللهَ حاجتَه في قنوته؛ فإنّه يستجيب له ما لم يسأل في مآثمَ أو قطيعةِ رَحِم. وإنّ موضع قبره لَبقعةٌ من بقاع الجنّة، لا يزورها مؤمنٌ إلاّ أعتقه الله من النار، وأدخَلَه إلى دار القرار).


 شهودٌ عُدُول:


 • كتب الشيخ عبّاس القمّي ـ وهو محقّق ومحدّث ـ يقول:
ذكر شيخُنا الطبرسيّ رحمه الله في ( إعلام الورى بأعلام الهدى ) بعد ذِكر جملةٍ من دلائل إمامة الرضا ومعجزاته (عليه السّلام)، قال: وأمّا ما ظهر للناس بعد وفاته مِن بركة مشهده المقدّس وعلاماته، والعجائب التي شاهدها الخَلق فيه، وأذعن العامّ والخاصّ له، وأقرّ المخالف والمؤالف به إلى يومنا هذا، فكثيرٌ خارج عن حَدّ الإحصاء والعّد، ولقد أُبرئ فيه الأكمه والأبرص، و استُجِيبت الدَّعَوات، وقُضِيَت ببركته الحاجات، وكُشِفَت المُلمّات، وشاهَدْنا كثيراً من ذلك وتيقَنّاه.
وقال شيخنا الحرّ العامليّ قُدس سرّه في ( إثبات الهداة ) بعد نقل هذا الكلام من ( إعلام الورى ): ولقد رأيتُ وشاهدت كثيراً مِن ذلك وتيقّنتُه، كما شاهده الطبرسيّ وتيقّنه، في مدة مجاورتي لمشهد الرضا (عليه السّلام)، وذلك خلال ستٍّ وعشرين سنة، وسمعتُ من الأخبار في ذلك ما يجاوز حدَّ التواتر. وليس في خاطري أنّي دعوتُ في هذا المشهد وطلبت فيه من الله تعالى حاجةً إلاّ وقُضِيَت لي، والحمد لله .


 حوائج متعسّرة:


 • حدّث أبو نصر أحمد بن الحسين الضَّبّي وما كان أحدٌ أنصَبَ منه حتّى بلغ مِن نَصْبه أنّه كان يمتنع من الصلاة على آل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم )، قال: سمعتُ أبا بكر الحمّامي الفرّاء في سكّة حرب نيسابور ـ وكان من أصحاب الحديث ـ يقول: أودَعَني بعضُ الناس وديعةً فدفنتُها ونسيتُ موضعها، فتحيّرت! فلمّا أتى على ذلك مدّةٌ جاءني صاحب الوديعة يطالبني بها، فلم أعرف موضعها وتحيّرت، واتّهمني صاحب الوديعة، فخرجت من بيتي مغموماً متحيّراً، فرأيت جماعةً من الناس يتوجّهون إلى مشهد الرضا (عليه السّلام)، فخرجت معهم إلى المشهد.
هناك زرتُ ودعوتُ اللهَ عزّ وجلّ أن يُبيّن لي موضع الوديعة، فرأيت فيما يرى النائم كأنّ أحداً أتاني فقال لي:
ـ دفنتَ الوديعةَ في موضع كذا وكذا.
فرجعتُ إلى صاحب الوديعة، وأرشدته إلى ذلك الموضع الذي رأيتُه في المنام وأنا غير مُصدِّق بما رأيت، فقصد صاحب الوديعة ذلك المكان وحَفَره واستخرج منه الوديعة بختم صاحبها، فكان الرجل بعد ذاك يحدّث الناسَ بهذا الحديث، ويحثّهم على زيارة هذا المشهد على ساكنه التحيّة والسلام .
• قال الميرزا مهدي الأشتياني: لمّا سيطر الشيوعيون على شمال إيران إلى أذربيجان، كنت حينها مريضاً شديداً حتّى يئست من الشفاء، فعزمتُ على السفر إلى مدينة مشهد الرضا (عليه السّلام) في سيّارة، وفي أثناء الطريق أصابتني حالة ظنّ معها سائق الحافلة والمسافرون أنْ قد داهمَتْني سكتة قلبيّة، فتوقّفت الحافلة جانباً، وأسرع المسافرون في إنقاذي، إلاّ أنّي كنت في عالم آخر.
كأنّي في صحراء عرفات، والأنوار تسطع منها، والناس ينظرون إلى تلك الأنوار، فسألتهم عن الخبر، فقالوا: الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حاضر!
هُرِعتُ نحوه، وإذا بي أرى أربع عشرة خيمةً منصوبة متلاصقة ببعضها، كانت الخيمة الكبرى لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فبادرت بالدخول فيها، وسلّمتُ على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فردّ علَيّ السلام. ولمّا أردتُ أن أُفصح عن حوائجي بادَرَني بابتسامة طيّبة قائلاً لي: لأنّك زائرُ وَلَدي الرضا (عليه السّلام)، فاذهَبْ إليه وأفصِح له عن طلبك.
فجئت إلى خيمة الإمام الرضا (عليه السّلام)، وبعد السلام عليه عرضت حوائجي، ومنها فتنة الشيوعيّين، فقال (عليه السّلام): عن قريبٍ سيزول شرُّهم، وأنتم في أمان ما دمتم معنا وتزورون قبورنا وتحضرون مآتمنا.
قال الميرزا مهدي الأشتياني: لم يمضِ زمانٌ طويل وإذا بالشيوعيّين يندحرون، وقد فرّ قادتهم من شمال إيران، وضَعُف حزب ( تُودة ) الموالي لهم .


 استجابات:


 • عن ياسر الخادم قال: قال عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام): (لا تُشَدّ الرِّحال إلى شيءٍ من القبور إلاّ إلى قبورنا. ألاَ وإنّي مقتول بالسمّ ظلماً ومدفون في موضع غُربة، فمَن شدّ رَحْلَه إلى زيارتي استُجيب دعاؤه وغُفِر له ذنوبه).
• قال الشيخ الصدوق: لمّا استأذنت الأمير السعيد ركن الدولة في زيارة مشهد الرضا (عليه السّلام)، أذِن لي في ذلك، فلما انقلبتُ عنه ردّني وقال لي: هذا مشهدٌ مبارك قد زرتُه وسألت الله تعالى حوائجَ كانت في نفسي فقضاها لي، فلا تقصّر في الدعاء لي هناك والزيارة عنّي؛ فإنّ الدعاء فيه مستجاب.
قال الشيخ الصدوق مواصلاً حديثه: فضَمِنتُ له ذلك ووفيت به، فلمّا عُدتُ من المشهد ( الرضوي ) على ساكنه التحيّة والسلام ودخلت على الأمير قال لي: هل دَعَوتَ لنا وزُرتَ عنّا ؟ قلت: نعم، فقال لي: قد أحسنت، قد صحّ لي أنّ الدعاء في ذلك المشهد مستجاب .


 أرزاق:


 • في كتاب ( الدرّ النضيد ) في ترجمة المرجع الراحل السيّد الگلبايكاني: ـ اسمه وكنيته: السيّد محمّد رضا الملقَّب على لسان أبيه بـ ( هبة الله )، والمكنّى بـ ( أبي الحسن ). مولده: في كوكد قرية على رأس فرسخ من گلبايگان سنة 1316 هجريّة، على مهاجرها آلاف السلام والتحية. وجه تسميته: كان عطيّةً من الله تعالى لوالده على كِبَر سنّه ببركة الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام)، واستجابةً لزيارة والده حرمَ الإمام الرضا (صلوات الله عليه) وتوسّلاته به؛ حيث لم يولد له صبي، فتوسّل بالإمام الرؤوف وتضرّع إليه في أن يُعطيه ولداً ذكراً صالحاً.
• وعن أبي طالب الحسين بن عبد الله بن بنان الطائيّ قال: سمعتُ أبا منصور بن عبد الرزاق يقول للحاكم بطوس المعروف بـ (البيوردي): هل لك ولد ؟ فقال: لا، فقال له أبو منصور: لِمَ لا تقصد مشهد الرضا (عليه السّلام) وتدعو اللهَ عنده حتّى يرزقك ولداً ؟! فإني سألت الله تعالى هناك في حوائج فقُضِيَت لي.
قال الحاكم البيوردي: فقصدت المشهد، على ساكنه السّلام، ودعوتُ اللهَ عزّ وجلّ عند الرضا (عليه السّلام) أن يرزقني ولداً، فرزقني الله عزّ وجلّ ولداً ذكراً، فجئتُ إلى أبي منصور بن عبد الرزاق وأخبرته باستجابة الله تعالى في هذا المشهد، فوهب لي وأعطاني وأكرمني على ذلك .


 لقـــــــاء أحبّة:
• كتب الشيخ الصدوق قال: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن أحمد بن الحسين الحاكم قال: سمعت أبا عليٍّ عامرَ بن عبد الله البيوردي الحاكم بـ ( مَرو الرُّود ) ـ وكان من أصحاب الحديث ـ يقول:
حضرتُ مشهد الرضا (عليه السّلام) بطوس، فرأيت رجلاً تركيّاً قد دخل القبّة ووقف عند الرأس وجعل يبكي ويدعو بالتركية ويقول: يا ربّ، إن كان ابني حيّاً فاجمع بيني وبينه، وإن كان ميّتاً فاجعلني مِن خبره على علمٍ ومعرفة.
قال البيوردي: وكنت أعرف اللغة التركية، فقلت له: أيُّها الرجل، ما لك ؟ فقال: كان لي ولد، وكان معي في حرب إسحاق آباد ففقدته، ولا أعرف خبره، وله أُمّ تُديم البكاء عليه، فأنا أدعو الله تعالى ها هنا في ذلك؛ لأنّي سمعتُ أنّ الدعاء في هذا المشهد مستجاب.
قال: فرَحِمْتُه، وأخذته بيده وأخرجته لأضيّفه ذلك اليوم، فلمّا خرجنا من المسجد لَقِيَنا رجلٌ شابّ طوال مُختَطّ عليه مُرقَّعة، فلمّا أبصر بذلك التركيّ وثب إليه فعانقه وبكى، وعَرَف كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، فإذا هو أبنه الذي كان يدعو الله تعالى أن يجمع بينه وبينه، أو يجعلَه من خبره على علم عند قبر الرضا (عليه السّلام).
قال: فسألته: كيف وقعتَ إلى هذا الموضع ؟ فقال: وقعتُ إلى طبرستان بعد حرب إسحاق آباد وربّاني ديلميّ هناك، فالآن لمّا كُبرتُ خرجتُ في طلب أبي وأمّي وقد كان خَفِي علَيّ خبرهما. وكنت مع قومٍ أخذوا الطريق إلى ها هنا، فجئتُ معهم.
قال الرجل التركي ( الأب ): قد ظهر لي مِن أمر هذا المشهد ما صحّ لي به يقيني، وقد آلَيتُ على نفسي ألاّ أُفارقَ هذا المشهد ما بَقِيت .
• وكتب المحدّث السيّد نعمة الله الجزائري ـ تلميذ الشيخ المجلسي ـ في كتابه ( رياض الأبرار ): إنّي وقتَ تأليفي هذا الكتاب سنة 1108 هجرية، كنت قاصداً إلى زيارة المشهد الرضويّ، على ساكنه من الصلوات أكملها، ومن التحيّات أسناها وأجزلها. ولمّا مَنّ اللهُ سبحانه بحصول المطلوب رجعتُ على طريق استر آباد، فأقمت هناك أيّاماً، وكان ذلك بعد أن أغار عليهم الملعون ( أنوشَه خان ) حاكم اركنج، وكان أهل تلك البلاد يمضون إلى بلاد الترك ليشتروا أولادهم ونساءهم.
حدّثني رجل من أفاضل السادة وصلحائها في ذلك البلد أنّ امرأةً كانت لها صبيّةٌ أُسِرَت في جملة الأسرى، فبقيت الأمّ تبكي عليها أيّاماً وشهوراً. ثمّ قالت يوماً: إنّ الرضا (عليه السّلام) ضَمِن الجنّة لِمَن زاره، فأنا أمضي إلى زيارته وأدعو الله تعالى تحت قبّته أن يَرُدّ علَيّ ابنتي. فقَصَدَت المشهدَ الشريف، وصارت تدعو الله سبحانه.
أمّا ابنتها فإنّها لمّا أسَرَها الترك، اشتراها تاجرٌ مِن أهل بُخارى فوقعت هناك. وكان في بخارى رجل مؤمن من التجّار، رأى في ليلةٍ في منامه كأنّه وقع في لُجّةِ بحرٍ محيطٍ وهو يسبح، وبعد أن أعيا وقع على الساحل وما استطاع الخروج، فرأى صبيّةً واقفةً عند الساحل، فمدّت يدها إليه وأخرجته من البحر، فتأمّلَها في المنام وعرف صورتها، ثمّ انتبه مذعوراً، فلمّا أصبح الصباح غدا إلى الخان ليشتري متاعاً، فقال له رجل تاجر:
ـ إنّ عندي جاريةً أسيرة أريد بيعَها.
مضى معه ليراها، فلمّا كشف عن وجهها تحقّق له أنّها هي التي رآها في منامه وقد أخرَجَته من البحر، فاشتراها وأتى بها منزله فَرِحاً مسروراً. سألها: مِن أيّ الأُسارى أنتِ ؟ قالت: من أُسارى استر آباد. فرقّ لها وبكى، ثمّ قال لها: عندي أولاد، فمَن رغبتِ فيه زوّجتُكِ إيّاه، وتكونين عندي بمنزلة البنت، قالت: كلّ من يتعهّد لي أن يأخذني إلى زيارة مشهد الإمام عليّ الرضا (عليه السّلام) أرضى به. فقَبِل أحد أولاد التاجر ذلك الشرط، فكانت زوجةً له.
حملها معه إلى المشهد الرضويّ، ولم تَمضِ مدّة حتّى مَرِضَت في الطريق، ولمّا دخل بها زوجها البلد الشريف استأجر داراً، وكان يمرّضها أيّاماً حتّى أعياه ذلك الحال، فدعا الله تعالى تحت القبّة أن يحصل على امرأة تقوم بتمريض زوجته. فلمّا خرج من الحرم الرضويّ الشريف رأى عجوزاً تمشي في المسجد، فأظهر لها الالتماس بأن تأتي معه إلى داره لتقوم بتمريض زوجته، ويُحسِن إليها في مقابل ذلك. أجابته المرأة العجوز قائلة:
ـ أنا امرأة غريبة، وأنت رجل غريب، وسأقوم بتمريض امرأتك حبّاً لهذا الإمام الغريب المفترض الطاعة.
فجاء الرجل بالمرأة وأدخلها منزلة، وكانت زوجته نائمة وهي تئنّ وقد غطّت وجهها بثوب، فلمّا دخلت العجوز عليها كشفت ذلك الثوب عن وجهها، فما أن رأتها حتّى غُشِيَ عليها! أمّا البنت فإنّها حين فتَحَت عينيها ونظرت إلى العجوز دُهِشت إذ عرفتها أنّها أمّها، فتعانقتا وبكيتا!
تحيّر الرجل.. ولمّا أفاقتا أطْلَعَتاه على قصّتهما ففرح بذلك، وبقيت المرأة العجوز مع ابنتها.
أمّا ( أنوشه خان )، فإنّه بعد فعله الشنيع سلّط الله تعالى عليه ولده فأخرجه من المُلك.



مِن هنـــا:
تبقى وراء تلك القصص أسرار حكيمة، لا نعلم مكنوناتها وما تنطوي عليها من المشيئة الإلهيّة في ظهور استجابة بعض الدعوات وعدم ظهور استجابة البعض الآخر، أو متى تُستجاب أدعية العباد وتقضى حوائجهم، وكيف، وعند مَن! إنّما عليهم أن يعملوا بما أمر الباري تبارك وتعالى، سالكين إليه من الطريق الذي دعاهم إليه وأمرهم به، مسلِّمين له راضين بقضائه، منتظرين لما يكون من حكيم ما يقضي ويريد، محسنين ظنَّهم بما يشاء.


 


لمشاهدة الموضوع الأصلي

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع