شارك هذا الموضوع

تحقيق : أيتها الزوجة، كيف تقضين أوقات فراغك

 تتولى المرأة انطلاقاً من موقعها كزوجة وأم وربة منزل الدور الرئيسي في حياة الأسرة، الأمر الذي يجعل منها الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها بناء الأسرة والمحور الذي ترتبط به جميع أمورها من خلال الأدوار التي تؤديها كإدارة شؤون الأسرة وتأمين متطلباتها واحتياجاتها وتوفير أجواء الراحة والأمان والاستقرار وتأهيل أفرادها للإنطلاق في مسيرة المجتمع بفعالية وتربيتهم على الأسس والمبادى‏ء السليمة وغيرها من الأدوار والوظائف التي تتطلب من المرأة وخصوصاً في هذه الأيام امتلاك مستوى عالٍ من الوعي والثقافة التي تُمكّنها من مواكبة أحوال أسرتها ومعالجة جميع المشاكل التي يُمكن أن تواجهها.


وإذا كان السؤال الموجَّه للزوج في إطار البحث عن ظواهر محددة في حياة الأسرة والمساهمة في تسليط الضوء عليها من خلال عدة آراء ومقترحات: كم تُخصص من الوقت لأسرتك؟ نظراً لأن طبيعة دور الرجل تقتضي غيابه عن الأسرة يومياً بحكم العمل خارج المنزل وأن دور المرأة الطبيعي يقتضي وجودها في المنزل فإن السؤال الذي لا بد من توجيهه للزوجة: كم تخصصين من الوقت لنفسك بعيداً عن مشاغل البيت واهتماماته؟ وهل تعملين على استغلال أوقات الفراغ المتبقية لتطوير الجوانب الثقافية والعلمية والاجتماعية لديك نظراً لما لها من أثر كبير يصب في مصلحة الأسرة؟


من أجل الأسرة
بعد ثماني سنوات على زواجها وتفرّغها للبيت بشكل كامل انتسبت السيدة لونا درويش (أم لثلاثة أولاد) إلى معهد سيدة نساء العالمين لمتابعة دراسة العلوم الدينية وذلك بالحضور في المعهد بضعة أيام من الأسبوع ولعدد محدد من الساعات يومياً، كانت هذه الساعات تضيع قبل ذلك من دون أي فائدة بعد الانتهاء من تدبير أمور المنزل مع وجود الزوج والأولاد خارجاً. تؤكد السيدة درويش إصرارها على متابعة الدراسة وتحقيق النجاح قائلة: «لسنوات عديدة شعرتُ أنَّ لدي وقت فراغ يجب أن أستغله مع وجود اندفاع قوي عندي للدراسة وطاقة كبيرة للعطاء».


وخلال هذه الدراسة التي ما زالت تتابعها منذ خمس سنوات أدركتْ أكثر وأكثر مدى أهمية ما تقوم به بعدما بدأت تتلمس النتائج والآثار: «لم يكن عندي من قبل ثقافة تؤهلني لمناقشة الأمور مع أولادي وهذه مشكلة تُواجهها الأم في مرحلة النضوج عند أولادها بحيث تتعرض لكثير من الأسئلة والإستفسارات» وعن سبب اختيارها لدراسة العلوم الدينية بموادها المتعددة تتابع السيدة درويش حديثها: «الإسلام يُنظّم حياة الإنسان بمختلف أبعادها من خلال الأحكام التي تُعلِّمه حُسن التعامل مع الآخرين وتُبيّن له حقوقه وواجباته ولذلك فإن دراسة العلوم الدينية يجب أن تكون في أولويات المرأة بحيث تتعرف إلى حقوق زوجها وأولادها عليها وحقها عليهم وكيفية التعامل معهم وهذه المعرفة تُمكّنها من المحافظة على التربية الصحيحة وتفادي الثغرات والمشاكل».


وهنا تُشير السيدة لونا إلى عامل مهم يمكن أن يقف في وجه طموح المرأة ورغبتها في السعي لتحصيل الثقافة الضرورية وهو يمكن أن يُشكّل عائقاً في طريقها أو عنصراً لتشجيعها واندفاعها وهذا العامل هو: «الزوج فهو له أهمية كبرى في تشجيع المرأة ومساندتها وله دور كبير في حثها على القيام بما يعود بالفائدة على الأسرة جميعها فعندما يكون الزوج متفهماً تستطيع المرأة أن تخوض هذه التجربة بكل ثقة واطمئنان».


ما تستدعيه طبيعة العصر
إن تفرغ المرأة المتزوجة للمنزل لا يتنافى مع وجود اهتمامات ترتبط بها وتخصص لها جزءاً من وقتها الذي يجب أن يخضع لتصرفها بحيث تكون قادرة على تنظيمه وتقسيمه وفق أولوياتها مع تفادي الوقوع في أي فوضى تغرق فيها بعض النساء نتيجة لقلة التدبير وعدم التنظيم.
تُعَلّق السيدة آمنة الحاج (أم لأربعة أولاد) على هذا الموضوع بقولها: «المرأة تستطيع أن تُنسّق أوقاتها ويكون عندها وقت لكل شي‏ء تريده إذا نظمت حياتها».


وبالرغم من أن الظروف قد تفرض على المرأة في بعض الأحيان أموراً خارجة عن إرادتها بحيث تُواجه بعض العوائق كوجود أطفال صغار يحتاجون لوجودها الدائم إلى جانبهم لكن هذه المشاكل تختفي مع الأيام عندما يذهب الأطفال إلى المدرسة ولكل شي‏ء حل برأي السيدة آمنة التي شعرت برغبة شديدة في إكمال دراستها التي توقفت عنها منذ سنوات عديدة قبل الزواج وقد عادت إليها لأن «طبيعة العصر تستدعي أن تكون المرأة متعلمة ومثقفة».


ولقد وجدت في الدراسة بالمراسلة في معهد الإمام المهدي للعلوم الإسلامية خير وسيلة لتحقيق ما تصبو إليه من خلال البرامج التي يُقدّمها المعهد ويُسهّل على الراغبين بالدراسة كل المتاعب التي يُمكن أن يُواجهوها بحيث يستطيع المنتسبون أن يتابعوا الدراسة في المنزل بأنفسهم بعد الحصول على المواد والمتون المقررة ويترافق التحصيل الذاتي مع تقديم اختبارات دورية في جميع المستويات.


وعن حسنات هذه الدراسة بالنسبة للمرأة المتزوجة تقول: «تستطيع المرأة أن تتفرغ للدراسة ساعة تشاء ويرجع تحديد الوقت المناسب للدراسة لها وحدها وهذا يُذلّل الكثير من العقبات».


كالسمكة بلا ماء
تنطلق السيدة غادة عساف (معلمة وأم لولدين) في قضاء أوقات فراغها بالقراءة والمطالعة من اقتناعها الكامل بأنَّ المطالعة عبادة تطبيقاً لقول اللَّه تعالى: (اقرأ) ولذلك  فإن المطالعة موجودة دائماً ضمن برنامجها اليومي مثل الأعمال الأخرى التي لا بد من تخصيص أوقات محددة لها كالعمل في المدرسة صباحاً وأداء العبادات خلال النهار والقيام بأعمال المنزل بعد الظهر وغيرها، ويرجع سبب اهتمامها بالمطالعة حسب قولها إلى: «وجود تحديات كبيرة أمام المرأة اليوم وخصوصاً في قدرتها على تربية أولادها والمرأة التي هي عبارة عن بنت وأخت وأم وزوجة في الوقت نفسه يجب أن تكون مطلعة ومثقفة حتى تكون فاعلة ومؤثرة خصوصاً أنَّ الأبحاث الأخيرة تؤكد على أن المعرفة تتجدد كل ثلاثة أشهر وهذا يستدعي منها مواكبة الزمن حتى تكون قادرة على حل جميع المشاكل التي يمكن أن تواجهها في إدارتها للأسرة ومعالجة جميع أمورها».


وتُضيف مبتسمة: «يسألونني دائماً لماذا تحبين المطالعة إلى هذه الدرجة فأقول لهم: وهل يمكن أن تعيش السمكة بلا ماء!».


وانطلاقاً من كون المرأة المسلمة نموذجاً للمرأة الرسالية فإن وجودها في البيت الزوجي لا يعني أن تنحصر ثقافتها ضمن جدرانه الأربعة فقط بل عليها أن تسعى لتطوير نفسها حتى تُرضي ذاتها أولاً ومن ثم: «سوف تكون الأجمل والأفضل في نظر زوجها وأبنائها ومجتمعها ككل».


بالإضافة إلى الجهد الشخصي الذي تبذله السيدة عساف من أجل تحصيل ثقافة متنوعة بالإطلاع على الكتب الدينية والعلمية والتربوية والسياسية والفلسفية وغيرها فهي تتابع نشاطها ضمن برنامج المطالعة الشهري الذي ينظمه مركز الإمام الخميني الثقافي والذي يتضمن تحديد كتاب يقرأه جميع المنتسبين ومن ثم تجري مناقشته والتعليق عليه من قبل الجميع وهذا: «يُوسّع الاستفادة من الكتاب أكثر بحيث يكتشف القارى‏ء أموراً لم يكن ليفهمها لوحده ويتعمق فيها أكثر من خلال شرح الآخرين وملاحظاتهم».


جميع الأوقات للَّه‏
إنَّ كل ما تكتسبه المرأة من ثقافة ووعي يجب أن يُترجم في حياتها العملية بما يخدم أسرتها ومجتمعها ويُساهم في نهضتهما وتطويرها لأنَّ العطاء لا يُمكن أن يُقاس بكمية المعلومات فقط بل يُقدّر حسب قيمة السعي والعمل والنتائج المثمرة.


ولا بد للمرأة أن تقوم بموازنة كل شي‏ء حسب ما تقتضيه مصلحة أسرتها وأن لا يكون تحقيق ما تسعى إلى تحقيقه مترافقاً مع فشلها في إدارة شؤون الأسرة وتنظيم أمورها. تقول السيدة زينب عواضة (أم لولدين) والتي تعمل كمتطوعة في النشاطات الثقافية والاجتماعية مع الهيئات النسائية منذ أكثر من ستة سنوات: «مشاركة المرأة في النشاطات خارج المنزل إذا كانت نتيجتها حصول التقصير تجاه الأسرة فهذا يُعتبر خللاً ليس مقبولاً على الإطلاق».


والحل برأيها لا يكون إلاّ من خلال: «تنظيم الوقت والعمل ضمن الأولويات والضروريات، فكل امرأة لديها وقت متبقٍّ إذا حافظت على التنظيم وابتعدت عن الفوضى» وقبل أن تشرح عدم رغبتها باستعمال كلمة فراغ تقول السيدة زينب: «هناك نساء كثيرات يقضين أوقاتاً طويلة في الزيارات الصباحية التي تتكرر بشكل يومي أو في مشاهدة التلفاز لساعات متواصلة وهذا يؤدي إلى عدم وجود أوقات متبقية تخصصها لنفسها».


أما بالنسبة لأوقات الفراغ فهناك ملاحظة أرادت السيدة زينب عواضة أن تشير إليها وهي: «الإسلام لا يُقر بشي‏ء اسمه فراغ لأن حياة الإنسان لم توجد للعبث بل عرّفنا على مبدأ يقول أن كل الأوقات للَّه تعالى حتى وقت الراحة والنوم وعندما يُؤمن الإنسان بهذا المبدأ يستطيع الإنطلاق لتأدية دوره وخدمة رسالته ومن يجد أن لديه أوقات فراغ يجب عليه أن يدرك حقيقة عدم تحديده لأهدافه وبرمجة أولوياته».
نشاطات متنوعة:


نشاطات كثيرة تقوم بها نساء أخريات كالسيدة وفاء التي تحاول أن تقوم يومياً بحفظ آية قرآنية وحديث شريف وهذا لا يتطلب برأيها وقتاً طويلاً أو جهداً كبيراً وتداوم على حضور الندوات والمحاضرات لإغناء ثقافتها كلما أمكنها ذلك. وكذلك السيدة فاطمة التي انتسبت عدة مرات لدورات في الثقافة البيئية والأشغال اليدوية والسيدة إيمان التي أنهت جميع المستويات في دورات الكمبيوتر وتعليم اللغات وقد أجمع جميع هؤلاء السيدات على ضرورة سعي المرأة للإستفادة من أوقات فراغها لتطوير شخصيتها خصوصاً في عصرنا هذا الذي يشهد تطوراً ملحوظاً في وضع المرأة وشدّدن على أهمية التنظيم في حياة الأسرة لتحقيق جميع الأهداف.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع