كان صدام حسين يملك 65 قصراً (مجددة) ونحو 100 مقر أكثر تواضعا ً. يأتي في المقام الأول القصر الرئاسي في بغداد ، وقد أُنشئ في بداية الخمسينات من قبل مؤسسة بريطانية خصيصا ً لمقر ومكاتب الملك فيصل الثاني. حدثت ثورة 1958قبل انتهاء الأعمال، وبقي البناء مهجوراً حتى وصول حزب البعث إلى السلطة بعد ذلك بخمس سنوات. إذ فضَل اللواء قاسم أن يبقى في وزارة الدفاع.
أحضر صدام شركة ديكوِر داخلية فرنسية لتجديد هذا القصر، والقصر الآخر الأصغر منه المخصص للجمعية الوطنية. هُدمت بالمناسبة جميع المدافئ الجدارية الجميلة ، ولم يتردد أحد في إلقاء كل الأثاث القديم والسجاجيد التي لا تقدر بثمن إلى سلة المهملات.
لم يُكلف مخلوق نفسه بتوضيح قيمتها الحقيقية، فرميت في أقبية القصر، ولم تلبث أن تعفّنت. استبدل بكل ذلك أثاث حديث، أو أثاث مقتبس عن التحف الفنية القديمة، مع إضاءة جديدة وذوق يلائم العصر. حتى الأسقف الرائعة للغرف شوهت بوضع سقوف مستعارة.
وعلى الجدران علّق صدام صور محاربين وأبطال عرب، ولنفسه طبعاً ! احتفظ مع ذلك لاستعماله الشخصي بالعرش الملكي مستبدلاً بشعار الملك شعار الرئاسة. كانت صنابير المياه مثل قبضات الأبواب مطعّمة بالذهب، والنجمة الإسلامية الثمانية الوجوه ترتسم على النوافذ والبواب وغيرها.
لم يتراجع عن ارتكاب أية حماقة، فاستورد بين 5 و 10 آلاف ديك بري فرنسي لحدائق القصر الرئاسي وقصر الجمعية الوطنية. كلّ ذلك، لأنه شُغف خلال رحلة صيد إلى سولوني مع جاك شيراك، وهو آنذاك رئيس وزراء ڤاليري جيسكار ديستان بريش تلك الطيور.
كان صدام يرغب في قضاء بعض وقته متمتعاً بمزرعته في الأروانية، قرب مطار بغداد ( المسمّى آنذاك مطار صدام حسين الدولي ) . الواقع، بعد اجتياز عدة حواجز شرطة، يمكن الوصول إلى قصر فخم مدعّم ببحيرة اصطناعية. هناك يربي صدام الغزلان والخراف والحملان. ويتنزّه بنفسه مرتدياً ثياب غنّام، "إيشماغ" أحمر وقبعة كبيرة وعصا. ببعض تفصيل يميزه عن غيره من الرعيان: جيش صغير من الحرس يُعسس في مكان غير بعيد عنه.
من أجل استمتاعه بهذه الصحبة من الغزلان والخراف والحملان إلى الحد الأقصى، كان يقدّم لها غذاء خاصاً معطراً بحبّ الهال، يضمن رائحة ونَفَسَاً معطرين! إنه الذوق المرهف في المكان غير المناسب.
في ذلك الوقت لم يكن الشعب العراقي يتغذى بحب الهال؛ كل ما يمكن قوله إنه لم يكن يأكل حتى عندما يجوع.
من قصوره الأثيرة يتمثل أيضاً قصر الحبانية، وقد شيده بويوغ على ضفة بحيرة، فصدام لا يحب السكن إلا قرب الماء، حول نهر أو بحيرة. غير أن الأكثر إسرافاً من مقراته العديدة بلا منازع "قصره الخفي" السري، وهو حصن عملاق أرضي يقع على بعد ساعة تقريباً من بغداد، في قلب معسكر مغروس بوحدات تدين بالولاء الكامل للرئيس. ميزته الإضافية وجوده قرب المقر العام للقوات الجوية.
قرّر صدام بناءه خلال الحرب مع إيران وعهد بالمخططات إلى مهندسين ألمان شرقيين. أنجزت الأعمال وانتهت كلياً من قبل مهندسين وعمال عراقيين، بعد بدايتها في العام 1981، اقتيد العمّال إلى هناك وأعينهم معصوبة، على نسق الرجال الذين شيّدوا الأهرامات. كان الزائرون النادرون يصلون إليه في سيارات معتمة، يستخدم السائقون فيها طرقات متعرجة للحيلولة دون معرفة سبيل الوصول إليه.
استلزم العمل 4 سنوات و 180 مليون دولار. شُيد هذا الحصن المنيع على أرض مساحتها 1800 متر مربع، ولم يستخدم في النهاية مطلقاً. للتمويه على الفضوليين، وفي حال تسرب صور للأماكن زُرِعَ فوق الحصن أشجار استحضرت من جميع مناطق العراق، بحيث لا يمكن لأية صورة تحديد موقعه ضمن أراضي العراق.
في الحصن 3 طوابق تحت الأرض على عمق نحو 20 متراً لا تكشفها الأقمار الصناعية. يمكن لخمسين شخصاً الحياة فيه لمدة سنة ؛ فهو يحوي مولّده الكهربائي الخاص وأنظمة اتصالاته المستقلة- وكلها منتمية لقمة التكنولوجيا- مع الساحة الرياضية- وقاعة السينما و3 مسابح مجهّزة بالسونا، وصالة في الطابق الثالث مخصصة لصدام وعائلته، يتم الانتقال إليها داخلياً بسيارات كهربائية- اشتريت في العام 1992 بعد حرب الخليج- وترتبط مختلف الطوابق بسلالم متحركة. اعتباراً من مركز القيادة يمكن مراقبة الحصن بكامله بفضل نظام الكاميرات.
كان هذا الحصن مصمماً ليقاوم زلزالاً أرضياً يصل إلى 6 درجات على سلم ريختر، وقنبلة ذرية معادلة لتلك التي ضربت هيروشيما. لكنه لم يُستخدم مطلقاً، فعند اقتراب الجيش الأمريكي من بغداد رأى صدام حسين أن من الحكمة الهرب بدلاً من المحاصرة في قصره. في العام 1991 ومع نهاية حرب الخليج، لم تكن بغداد إلا حقل دمار، فأعلن صدام آنذاك برنامجاً واسعاً لإعادة البناء. لكن لم يخطر بباله توجيه ذلك البنيان لشعبه التعيس، كلا فالأمر يتعلق بالنسبة إليه في إعادة بناء قصوره. بدئ بأول ورشة في قصر السجود، إنه "قصر ساجدة" وقد قُدم إليها هديةً لعيد ميلادها. ذُهل صدام من الأضرار الواقعة على مقراته، فأقسم أن يبني كل سنة قصراً جديداً، وهكذا ملك عشية الحرب الكثير منها.
امتلك صدام أيضاً يختاً بطول 300 متر أطلق عليه اسم "القادسية" تيمناً بشهرة السفينة العربية التي كبّدت الفرس هزائم قوية. أطلق عليها فيما بعد اسم "المنصور"، هذا الزورق الضخم المستقيم كان سعره من ذهب، إذ بلغت تكاليفه 350 مليون دولار! وهو خارج من ترسانة بحرية دانماركية. تطلّب بناؤه 3 سنوات لوضع اللمسات الأخيرة على تجهيزات آخر صيحة حداثة: منظومة مصفّحة، مشفى مجهز كلياً بأحدث المعدات، ملحقات من الذهب الخالص، مهبط لطائرات الهليوكوبتر، قاذفة طوربيدات... بقيت هذه اللعبة الفاخرة في ملجأ الدانمارك حتى نهاية النزاع مع إيران تحت حراسة 50 حارساً منتخبين من الصنف الأول، ووجب فيما بعد أن يرسو في شط العرب قرب شبه جزيرة الفاو. اعتمد صدام على استخدامه لاستقبال الملوك وسادة العرب مقلداً تيتو وجمال عبد الناصر في استقبال ضيوفهما على متن بواخرهما الخاصة. في الواقع لم يُستخدم هذا اليخت إلا نادراً، فقد نُسف وغاص في البحر خلال الأيام الأولى من الهجوم الأمريكي ربيع 2003.
كما استخدم بشكل نادر طائرته 747 الخاصة المسماة أيضاً "القادسية" الحاوية على قاعة كبيرة، وصالة حمام، ومشفى ميدان. وهي لعبة نادرة وغير ضرورية لرجل لا يغامر إلا قليلاً جداً في اجتياز الحدود العراقية! هذه الطائرة الضخمة كانت النتاج الأفضل من النفاثات الخاصة – غولف ستريم وفالكون وبوينغ الأصغر منها – استخدمت في التسوق من أوروبا.
عدا عن ذلك يمكن أن نصف الرئيس العراقي، مع أولاده أيضاً، بإحسانهم إلى صناعة السيارات العالمية. فقد كانت عنابره تحوي نحو عشرة آلاف سيارة، منها على الأقل 300 سارة مرسيدس مصفحة دفع ثمنها 800,000 ألف دولار (لم يسافر صدام مطلقاً في سيارة دون تصفيح) وإلى جانبها ترتصف سيارات اللمبرغيني، والفيراري والبورش، والرانج روفر، والكاديلاك، والرولزرويس، والبوغي، دون حصر لمجموعة من الشاحنات والدّراجات النارية، وكل إطارات هذه العربات لا يخترقها الرصاص.
تأثر متحمساً خلال رحلة إلى كوبا، عندما لاحظ أن شاطئ فيدل كاسترو محميٌ من ناحية البحر بشبكة واقية، فأرسل عند عودته إلى بغداد مائتي غطّاس لاتّباع دورة لدى رجال كاسترو ليتمكن بدوره من السباحة بكل أمان.
تكشّف ذوق صدام بانتظام عن تبذير فائق. كان ويسكيه المفضل يُسمى "مَكَلان" عمره 55 عاماً، يُباع بخمسة وعشرين ألف يورو للزجاجة الواحدة، وهو يشربها صافية دون مزج. هو لا يكره أيضاً الشيڤاس رويال – سالوتة، وهي تخميرة بمثل ندرتها وغلائها. كونياكه المفضل كان ثمن زجاجته 12000 ألف يورو، أما خموره المفضلة فهي من نوع شاتو بتروس، الأغلى في العالم، وهي نتاج غراس الكرمة الصغيرة، عدا كروم بوردو الأخرى المؤرخة طبعاً : شاكو-لافيت، موتون روتشيلد 1986، سان إميليون 1982، شاتو- شيڤال بلان 1982. بمعنى آخر إن زجاجاته تتراوح أثمانها بين 5 آلاف و6 آلاف يورو. أما في مجال كؤوس الشامبانيا فهو معجب طبعاً بالكريستال الأسطوري رودرر ودوم برنييون، وأيضاً بيريه-جويه.
أما سيجاره المفضل فمقدّم من صديقه الكبير فيديل كاسترو، وكان يصل إليه من الاحتياطي الشخصي للزعيم الكبير. تروي الأسطورة أنه كان يلف طبقاً بالأيدي، ولكن حصراً أيدي فتيات عذارى، فهكذا تتشرب أوراق التبغ شذاً لا يضاهى... مع ذلك قلّص الرجل استهلاكه واقتصر على سيجار واحد في اليوم بناء على نصح كاسترو له على الدوام، إذ أن إفراط هذا الأخير في السيجار أحدث له سرطاناً في الشفتين. اكتفى الرئيس غالباً بإشعال سيجاره وامتصاص الرشفة الأولى منه – وهي الأفضل – ثم يُترك جانباً دون أن يلمسه.
بالمقابل في مجال الطبخ حافظ الرئيس السابق على البساطة، لكن هذا لا يمنعه من استخدام أرقى أنواع الخزف الصيني المنقوش باسمه، وأن يحتسي مشروبه بكؤوس الكريستال، وأن تكون مائدته جاهزة دوماً، وكأنه يريد أن يبعد على الدوام شبح الفقر الذي حلَّ به أيام صباه. غير أن مائدته كانت تحوي دائماً 250 طبقاً مختلفاً! الوجبات تحضر ثلاث مرات يومياً في كل من قصوره كلها، ليتمكن باستمرار من تناول غذائه عند حضوره دون توقّع، وليخفي عن كل إنسان مكان وجوده. حفلات الغداء أو العشاء الرسمية تقدّم على مائدة بشكل حرف (u) وهي تسمح باستقبال نحو 40 مدعواً.
عمد صدّام إلى إحضار الخبز من باريس بطائرة خاصة. كانت تأتيه بخبز "بوالان" وهو لا يتردد مطلقاً في تكليف طائرة لتحضر له أحد التوابل النادرة. كبد الأوزّ المسمّن، والكافيار والأجبان الفرنسية تصل كل يومين. احتفظ لخدمته بطاهي الملك فيصل، الذي يهيئ له أطباقاً شهية مما استخدمته سابقاً العائلة المالكة.
أما عن إدمانه للحشيش فقد بدأ معه في مصر، وقد ظهر صدام أقل تعقلاً مع المخدرات. فقد اعتاد أن يدخن الحشيش خلال إقامته في القاهرة سنوات الستينات. كان فقيراً، وسكن لدى أصدقاء أثرياء، حرص على تأمين المخدر لهم، والفتيات في المناسبات. وعندما اغتنى بنتيجة دخوله إلى الحكم 1968 أصبح يتناول الكوكايين، في السنوات الأخيرة، كان يتعاطى المخدر كل يوم تقريباً. دخّن بين وقت وآخر الهيروين. لكن هذا لم يمنعه من استصدار قوانين تعاقب بقتل مستهلكي ومتاجري تلك المخدرات. بالنسبة له الصنف الممتاز وحده يلائمه، وهو لا يتجرع العقار مطلقاً عن طريق الوريد، ولا يتناوله قطعاً أمام الناس بالطبع.
حاول طبيبه الشخصي الدكتور وليد خليل الهيّالي، جاهداً التخفيف من الآثار السيئة لإدمانه. اعترف الدكتور أنه من أجل الحفاظ على الرئيس "تحت الرقابة" كان يضطر إلى زيارته يومياً ليختبر كوكتيل المهدئات، ويصرف كل يوم ما يزيد عن 15 دقيقة لتهدئته، محاولاً تقويم حالته السيكولوجية، لمعرفة المدى الذي وصل إليه جنونه. ويؤكد المقربون منه أنه في اللحظة التي أمر فيها بغزو الكويت لم يكن بكامل قدرته العقلية، من المعروف حالياً أنه كان تحت وطأة المخدّر عندما أمر بغزو الكويت.
وعن طريق تجارة المخدرات ربح صدام وأسرته مئات الملايين من الدولارات. في العام 1988 بدا أن صدّاماً وأولاده قد اجتازوا مرحلة جديدة من الفساد. في المساء يأتي رجال غرباء في ممرات القصر؛ ضباط برتب عالية في المخابرات كلهم من أولاد العمومة لصدام، يرافقونه. عُرف منهم عدد من المجرمين ذائعي الصيت، مما لا يشكل استثناء في الحاشية الرئاسية.. يلجون القاعات السرية في القصر بتكتم بالغ، حيث يتداولون مع صدّام، وأولاده وضباطه الرئيسيين . بجانب هؤلاء هناك عملاء مخابرات تقنّعوا بالزي البدوي يقدمون تقاريرهم له ولأبنائه.
أما الذي يجري في القصر سراً فهو: مخبر مخبوء في القبو يعالج القنب الهندي من الصنف الأول، ليستخلص منه الكوكايين والهيروين بنقاوة نادرة. مزارع مموهة ومخفية قرب الحدود الإيرانية والتركية والأردنية تزرع الأفيون والماريجوانا، بينما يقوم الفنيون الكولومبيون أو البيرويون- وبشكل رسمي هم أطباء كوبيون مفترضون جاءوا بصفة تعاون طبي، مكلفون بتشكيل فريق طبي محلي.
كان يعهد بتجهيز المعبر على الحدود للشرطة السرية ورجالها، الذين يرتدون الثياب البدوية: غطاء كامل لإدخال المنتجات إلى المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. في جميع الأحوال، الفضوليون يُزالون من الوجود دون رحمة أو شفقة. في العام 1989 قُتل أربعون ضابطاً من الجمارك العراقية يعودون في أصولهم إلى البصرة وهلكوا في كمين نصبه مهربو صدام بين المملكة العربية السعودية والكويت. أُعجب صدام بالعمل، وهنّأ مثينية التكريتي رئيس عصابة التهريب بهذه العبارات:" هذا دليل على مدى التنظيم".
تجارة المخدرات هذه جلبت الملايين التي كان يتم تبييضها بوساطة شبكة من الشركات العائدة لعُدي وقصيّ. باختصار قسم من ثروة صدّام وأنسبائه تأتي من تهريب المخدرات، ويعد العمل ويشرف عليه صدّام وولداه. إنه نوع من "احتكار بغدادي" .
هدف اللعبة، عدا الفائدة التي تستجرُّها العائلة الرئاسية: إفساد البلدان المجاورة بتهديم شبابهم. عدي وقصي مغرمان بمناقشة مشاكل المخدرات في الكويت. أعينهم تشع فرحاً عند التعرض لهذا الموضوع، ولهم في هذا الباب جرائم ضخمة.
انتهت الصحافة في الكويت والمملكة العربية السعودية إلى الكشف عن أن المخدر كان يصل من العراق، لكنهم كانوا يجهلون المورّد بالضبط، حتى استطاعوا تخمينه، جميع البلدان المجاورة ابتليت به، ولكن الكويت عانت منه كثيراً.
وصول مفتشي الأمم المتحدة قرع أجراس الخطر في مخابر القصر السرية، فقام عدي وقصي بنقلها إلى مصانع المعلبات وإلى مستودعات المواد الغذائية، وعندما اشتدت المراقبة في العام 1996، قاما بتفكيك المعامل. المسألة مهمة، أن يفقد صدام احترام العالم العربي عندما نتركه يكتشف أنه قام بأعمال بمثل هذه الخسة، لذلك لن يُسمح بأن يتعرض لخطر تصويره في التاريخ عرَّاباً للمافيا.
لم يكن صدّام بالطبع العضو الوحيد الذي يغتني على حساب الشعب العراقي. ساجدة، مثلاً، كانت مثل سائر أفراد الأسرة وطالت يدها تموين اللحوم والدجاج الوارد من البرازيل، بوساطة شركة كانت تساهم بقسط كبير من رأسمالها إلى جانب ممولين برازيليين وفلسطينيين. بلغت أرباحها من هذا المشروع نحو ملياري ونصف مليار دولار سنوياً!.
أهدى صدّام أيضاً لساجدة مئات الآلاف من هكتارات الأراضي المصادرة من معارضي النظام. زرعت فيها البقول والثمار والأزهار وباعتها إلى فنادق ومكاتب البلاد. بالطبع كان زوجها ساهراً على عدم ظهور أي منافس لها.
ساجدة ورغد ورنا يملكن بدورهن 36% من رأسمال شركة ڤولكس ڤاغن في البرازيل. ولعدي وقصي أيضاً أسطول صيد مهم في موريتانيا، يتاجران بوساطته بالقريدس (نوع من أنواع السمك صغير الحجم) في السوق الأوروبية المشتركة بوساطة عملاء لبنانيين. من المعلوم أيضاً أن الرئيس يملك ملكيات واسعة في جمهورية بيلاروسيا.
لا نعلم حتى الآن تفاصيل توظيفات عائلة صدّام؛ رغم أن التحريات حول هذا الموضوع بدأت بمبادرة من الكويت بعد انتهاء حرب الخليج في العام 1992 مباشرة. على أية حال، هناك على الأقل 495مليون دولار أودعت في لبنان الملقّب بـ "سويسرا الشرق الأوسط" لأنه يحافظ على السرية المصرفية. حاولت الحكومة المؤقتة الاستيلاء على تلك الثروة لإنفاقها على إعادة بناء العراق لكن المصرف المركزي اللبناني أبلغ أنَّه لن يفرج عن هذه الملكيات إلا لصالح الحكومة الشرعية، وليس لصالح "حكومة معينة من قبل الأمريكيين".
لعب برزان التكريتي، الأخ غير الشقيق لصدام، دوراً رئيساً في تحريك الأموال العائلية. فقد كُلف بمفاوضة الملياردير الأمريكي مارك ريتش عن مبيعات غير مشروعة للنفط العراقي، بالرغم من الحظر المفروض في العام 2000. حصل ريتش عند ذاك على عفو من حكومته. واهتم برزان عندها بشراء أسلحة الدمار الشامل.
مبالغ هائلة من المال وُضعت في سويسرا باسم برزان، وهو مسؤول الاستثمارات الأجنبية للأموال المودعة باسم ساجدة وبناتها الثلاث وولديها.
انتهى دور برزان بنزاع عائلي، اتهمه صدام باختلاس قسم من الأملاك لمصلحته. باع حديثاً ملكيته في سويسرا بمبلغ زهيد لا يتجاوز خمسة ملايين وستمائة وخمسة وسبعين ألف دولار.
حوسام ب. رسّام، كان يدير من جهته استثمارات عائلة صدّام في البورصة منذ العام 1989، حيث قدرت بنحو 41 مليار دولار في العام 1990.
غير أن التحقيق الجاري من وكالة كرول، بعد حرب الخليج، بيّن بداهة في تشرين الثاني 1991أن هناك ثروة من الذهب: سبعمائة طن من هذا المعدن الثمين موزعة إلى عشرة أقسام تزن كل منها خمسة وستين طناً، إضافة إلى قسم آخر يزن خمسين طناً. في ذلك التاريخ، نُقل 65 طناً إلى سويسرا.
أكّد تاجر ذهب، لديه علاقات تجارية مع برزان التكريتي وأتباعه؛ أنه شاهد حاوية بطول سبعة أمتار ملأى بالأوراق النقدية في أحد المستودعات في سويسرا. تم تخزين أربع حاويات مماثلة في الأراضي السويسرية. كل منها تحتوي على ما يقدر بمليون أو مليون ونصف دولار، إنها بدون شك عمولات مبيع أسلحة. طُلب من ذلك التاجر تبييض هذه الأموال بشراء قطع فنية (حيث يفكر العراقيون ببيعها مجدداً وبدون متاعب إلى جامعي التحف اليابانيين) أو بتحويلها إلى شيكات مصدقة محررة بالفرنك السويسري أو الفرنك الفرنسي أو المارك الألماني.
سحب صدّام حسين قبل سقوط نظامه بثلاثة أشهر ما يعادل ثلاثة مليارات وسبعمائة مليون دولار من حساباته المصرفية في البنوك العراقية، وقد وزّعها على مختلف أعضاء عائلته، مع تعليمات للاستثمار في الأردن وبلدان أخرى أكثر استقراراً في المنطقة. لهذا السبب فإن أقارب صدّام عديدون في عمّان، وقد اشتروا سيّارات لنقل التحف وبيعها للأجانب.
أخيراً أن عدياً وقصياً، مهددان بالقتل، وكذلك فإن ساجدة مصابة بالسرطان، لذلك قرّر دعوة الشابتين رغد ورنا لإعطائهما الأرقام السرية للحسابات المصرفية للعائلة.
عرف صدّام مثل أي طاغية كره شعبه له. رغم عدم جرأة أحد على قول ما يتمنى أن يقوله للرئيس! لهذا السبب عاش على الدوام بخوف، إن لم نقل في رعب. كان مرتاباً في كل لحظة- وبشكل صحيح – من مؤامرة أو محاولة قتل.
نتيجة لهذا الاعتبار يُقدر أنه أنفق نحو أربعة مليارات ونصف مليار دولار لتأمين حمايته، مبتكراً دوائر المخابرات، ومخابرات الاستطلاع ومخابرات استطلاع الاستطلاع، لأنه لم يعد يثق بأي إنسان إلا بمرزباناته على الأرجح. جُهّزت قصوره الرئيسة بنظام حماية بلغت كلفته مليوني دولار. كانت كل واحدة من مقرّاته المائة وستين تخضع لتحريات يومية تهدف إلى الكشف عن وجود محتمل لأجهزة تنصت دقيقة (ميكروفونات). تخلّى في نهاية نظامه عن السكن إلا في قصرين أو ثلاثة قصور، منها مقره المفضل: قصر الأروانية، على بعد خمسة وعشرين كم من بغداد. لم يكن يقضي أكثر من ليلة واحدة بشكل مستمر.
جهاز المخابرات وحده يتطلب إنفاق مليون دولار سنوياً. غدت الشبهة خبز الديكتاتور اليومي. هذا دون شك ما أنقذه أحياناً وسمح له بالبقاء على قيد الحياة بعد سقوط نظامه والهروب مدة طويلة من ملاحقات الأمريكيين. ساس صدام على الدوام أمنه الخاص. أعطِ ما لقيصر لقيصر: كان خبيراً ذا شأن في اختصاصه. وهو يؤكد أنه قادر على تحديد مدى الخطر في إنسان بالنظر بكل بساطة مباشرة في عينيه. في النتيجة: إنْ كانت الحدقتان لا توحيان لك بالثقة فعليك بقتله. وكان يقول:" الأفضل قتل بريء من المجازفة بالخطر".
عندما يتعلق الأمر بحماية نفسه لا يترك صدّام أي مجال للمصادفة. يحرص بعناية فائقة على صحته، يجري كل شهر فحوصات دم كاملة. يتسلّط عليه هذا الوسواس، لأنَّ عائلته تبدي استعداداً مسبقاً وأكيداً للإصابة بالسرطان، فأبوه مات نتيجة ورم، كذلك شقيقه البكر(المتوفّى قبل ولادته). كذلك توفيت أمه وابنة خاله (أحلام) زوجة أخيه غير الشقيق برزان. أيضاً تعاني ساجدة من سرطان ثدي متقدم. ممّا يبرر شكه الكبير بهذا الداء. طبيبه يحضر كل مساء ليأخذ نبضه ويتحقق من ضغطه ونظره. جميع أطباء صدّام الشخصيين يتلقون كل ستة أشهر سيارة مرسيدس فخمة جديدة.
الاختبارات الجارية في بغداد تضاعف بأخرى تتم مرّة بعد مرّة في مخابر فرنسية أو سويسرية. ولما كان صدّام يشك بأن الأمريكيين يبذلون جهدهم للتحقق من جيناته (DNA) ، كانت العينات تحمل اسماً مزيفاً، عربياً حيناً وغربياً أحياناً أخرى. في السفر لا يترك أي أثر منه، حتى ولا نقطة بول، أو شعرة أو قصاصة ظفر. تعذّر الحصول على توقيع جيني له إلا بفضل عينة أخذت من رغد ابنته البكر، بمناسبة الفحوص الطبية التي أُجريت لها في مشفى الحسين، عند هربها إلى عمّان مع زوجها حسين كامل في العام 1995. هذه العيّنة هي التي أتاحت تحديد هوية عدي وقصي عند دخول قوات التحالف (وبدون شك هوية صدّام حسين أيضاً عند توقيفه في تكريت بتاريخ 14كانون الأول 2003).
كان الخدم بدورهم يتعرضون لزيارات طبية شهرية، وأية شبهة في صحتهم تؤدي إلى صرفهم في الحال. على كل حال لم يبق أحد منهم أكثر من ستة أشهر، وبذلك لا تتاح لهم الفرصة لكشف حقيقة النظام ويصبحون بدورهم مستعدين لخيانته.
الحرّاس المرافقون لصدّام في أوقات السباحة في المسبح، أو نهر دجلة، يخضعون أيضاً إلى إجراءات صحية أكثر دقة. أولئك الذين يجتازون معه جميع الاختبارات بنجاح يتلقون علامة مميزة تسمح لهم بالسباحة قربه.
كانت جميع القصور الرئاسية تشمل قاعة رياضية ومسبحاً خاصاً بصدّام وعائلته. وبالرغم من أن الرئيس لا يستخدم أبداً قاعات الرياضة، لم يكن يُسمح لحاشية القصر بالوصول إليها.
كان على كل عراقي يحصل على مقابلة مع الرئيس ولا يحسب من زوّاره المنتظمين أن يتعرّى من ثيابه ويرتدي ملبوسات خاصة، يقدمها القصر قبل لقاء مضيفه. كان صدّام يخشى في الواقع أن يتعرض للتسمم سواء بمادة سامة أو بواسطة الإشعاع. تمرّر ثياب الزائر على كاشف الإشعاعات لكشف أية خطة محتملة كما أن على كل زائر غسل يديه في خليط من ثلاث مواد كحولية مختلفة، ليتخلص من أية جرثومة محتملة، كما يمرر الزائر عبر مؤشر إلكتروني. تطبق هذه القواعد على جميع الناس، وعلى قادة الألوية الخضوع لها، وحتى على غزوات صدام النسائية!.
رغم جميع هذه الاحتياطات كان صدّام يلبس على الدوام سترة واقية ضد الرصاص عندما يستقبل أحدهم. للمقربين من صدّام وحدهم الحق بمعانقة الرئيس أو ضمه، أما الآخرون فينبّهون مسبقاً بالاكتفاء بمصافحته فقط.
كل ما يأكله صدّام أو يشربه أو يدخنه يُختبر أولاً في مختبر قائم في الطابق تحت الأرضي من القصر الرئاسي. ماء عطره والصابون المستخدم وحبر قلمه وحتى ماء إيڤيان الذي يستعمله يُدقّق أولاً. يتم الأمر نفسه على الأغطية والمناشف. لا يلمس أبداً أياً من الرسائل التي يستلمها: يقوم أحدهم بتصوير الرسائل الواردة إليه، ويقدم له الصورة. الله وحده يعلم ما يمكن إخفاؤه في الورقة! .
تُختبر المأكولات في المختبر وتذاق في حضوره من قبل ذواقته. لا يلمسها صدّام قبل تأكده من أنها لا تتضمن أي خطر. كان صدّام مولعاً بالطرائد، كانت تربى من أجله في ملكياته الواسعة، هناك يتم التحقق بدقة كاملة حول نوعية غذائها. والسهر على أن العشب الذي ترعاه الطريدة خالٍ من أية مادة سامة أو من أي إشعاع.
عندما ينتقل صدّام بين قصر وآخر كان يحرسه يشمل نحو عشرين عربة مصفّحة وشاحنات عسكرية، إحدى تلك العربات تتضمن مشفى حديث الطراز. في الوقت نفسه تسير ست قوافل متماثلة على طرقات البلاد ذاتها، ثلاثة من بينها تحمل معها نسخ صدّام، حتى لا يفكر "خائن" بالإشارة إلى المسيرة التي يسلكها الرئيس.
عدا ذلك، يصل على الدوام في آخر لحظة. حتى في المدينة يتخذ مكانه ضمن قافلة من خمس عربات متماثلة محدّدة بأرقام سير متشابهة، وهي تحمل العدد نفسه من الركاب. كيف يمكن ضمن هذه الشروط معرفة وتحديد بأية سيارة يسافر؟ .
لزيادة الحيطة أيضاً يُغيّر بكل طيبة خاطر في الدقيقة الأخيرة مخططاته أو الجهة التي يسلكها. على نسق ابنه عدي كان يضع مخططاً سرياً لبغداد تستبدل فيه الأماكن والشوارع بالأرقام. حرّاسه الشخصيون المقرّبون وحدهم يعرفون الترميز.
لا يجلس على الإطلاق شخصان من عائلته في مروحية واحدة أو في طائرة أو عربة. عندما توجّهت ساجدة إلى المغرب جُنِّد كامل أسطول الخطوط الجوية العراقية، ثماني طائرات في تلك الفترة أقلعت كل منها بفارق ساعتين. بذلك لا يعلم أحد في أيّة طائرة توجد زوجته، مما يعقّد تماماً محاولة الاعتداء.
أكثر من ذلك: عندما يقوم بزيارة إلى "شعبه" يأخذ على الدوام واحداً أو اثنين من أولادهم على ركبتيه أو بين ذراعيه ليثبّط عزيمة أيّ مطلق نار ! استمد هذا التدبير من أحد ضباطه القدامى من خرّيجي (SAS) الذين كانوا يدرّبون حرّاسه.
لا يرد صدّام على أي هاتف مرتجل. للتحدث إليه يجب تحديد موعد مسبق حتى من رئيس دولة أو حكومة. تُطبّق على زوجاته وخليلاته هذه المحظورات. عندما يريد صدّام رؤيتهن يرسل إليهن رسالة مع أحد حرّاسه الشخصيين. بعد حرب الخليج رفض استخدام هاتف محمول خشية تحديد مكان إقامته ومحاولة قتله.
عندما يوافق على إجراء مقابلة يُعدُّ رجاله لهذا الغرض نحو عشرة صالونات كي لا يعلم أحد مسبقاً مكان المقابلة. الكاميرات وتوابعها بالطبع تفحص بدقة. من العبث التفكير بأن صدّام سيتعرض لحادث كما حصل لجنرال الأفغان أحمد شاه مسعود.
لاشيء بمنأى عن آذان المخابرات العراقية، خاصة تصرفات وحركات مستخدمي القصر. كانت جدران قصر المؤتمرات، الذي شيّدته شركة فنلندية بأمر من صدّام –هدم أثناء حرب الخليج – مزروعة بأجهزة التنصت.
يبرّر صدام جميع هذه الإجراءات المعاكسة لاحترام الحياة الخاصة، بواقع شعوره الدائم بالخطر. ومن واجبه توقي جميع الأخطاء قبل وقوعها . ويقول جاداً لو أن يده اليمنى شكّلت له يوماً ما تهديداً فسيقطعها.
تزوّج صدّام للمرّة الأولى من ابنة خاله ساجدة خير الله طلفاح. أنجبت له خمسة أولاد:عدياً وقصياً ورغداً ورنا وحلا. من جهة الرئيس لم يكن زواجاً توافقياً، فهو مغرم بابنة خاله، لكن ساجدة بدورها كانت مغرمة برجل آخر، أمير، وهو طيّار في وزارة الزراعة. كان أمير حبها الكبير في حياتها، لكن عشيرتها تفضل الاقتران بأبناء العم( وهذا يفسر على الأرجح الطباع غير المتوازنة لولديها) وهكذا فإن أميراً عندما طلب يد ساجدة أجابه والدها بأنها مخطوبة، واقترح عليه خطبة واحدة من أخواتها ( غير أن الشاب اعتذر بتهذيب عن هذا العرض السخي ). ثم بدأ صدّام يهملها.
تزوّج صدّام مرة ثانية في العام 1989من سميرة الشهبندر. المرأة الشابة سليلة إحدى العائلات البغدادية الكبرى، وهذا ما يحقق أمل الرئيس الطموح ويعجبه. فهي ذات أصول إيرانية جسّدت بشكل متقن المجد الجميل من أطرافه وفقاً لذوق صدّام حسين. شقراء ذات بَشَرَة فاتحة مع انثناءات شهوانية. قُدّمت للرئيس من خادم مقرب له، الحارس الشخصي كامل حنا ججو. كانت في الثلاثين من عمرها، وهو في الثانية والخمسين، وقد تزوجت سابقاً رجلاً يكبرها عمراً نشأ في تكريت مثل صدّام، وهي أم لولدين. لترتيب الموضوع، أمر صدّام الزوج نور الدين الصافي - مهندس ومدير في شركة الطيران العراقية – تطليق زوجته، في المقابل سمي الزوج عضواً في مجلس إدارة شركة الطيران العراقية، وقُدّم له منزل كبير وسيّارة مرسيدس، كما قّدّم إلى ولديه منح دراسية في الخارج، وكان الحل الآخر هو القتل له ولولديه في حالة الرفض.
عندما وصل نبأ الزواج الثاني إلى ساجدة أعلنت استنكارها وانسحبت إلى قصرها في العويجة على بعد ستين كيلومتراً من بغداد. ومن المحتمل كثيراً هنا أنه بناء على طلب ساجدة الأم لحظة فورانها من تلك الزيجة أن يعمد عدي إلى قتل كامل حنا ججو، الرجل الذي عمل على وصول سميرة إلى حياة زوجها. وهو مسيحي من الموصل- كان المسيحيون عديدين في الحاشية الرئاسية – استمر 23 عاماً في خدمة صدّام. مارس معه علاقة أبوية. واستخدم عنان في المناسبات حارساً شخصياً له.
وضع أبيه على رأس طهاة القصر جعل من كامل عنان أحد ذوّاقته الشخصيين. لأن صدّام في الواقع لا يقرب على الإطلاق من فمه مادة غذائية لم تُجرَّب مسبقاً من قبل ذوّاقة. من اليقين أن رئيس الطهاة لن يجازف بالقضاء على حياة صدّام إنْ تعرض ابنه للخطر الحقيقي. شغل كامل أيضاً قرب صدّام دور الحاجب، يساعده على ارتداء ثيابه، ويعدّ له حمّامه ويرتب سريره.
كان لديه سلطة حقيقية، عدي نفسه يحترمه دون أن يثق به. هو مجرد قولٍ! إنْ تبادلتم التقدير تناموا مرتاحين؛ أمّا في حال العكس فموتكم محتم خلال أيّام معدودة.
كان يُعهد لكامل حنا ججو "بالأمور الصغيرة"الخاصة بالرئيس؛ وهذا في الواقع ما سبّب ضياعه. إنه في الواقع، على ما يُعلم عنه، قدّم لصدّام الزوجة الثانية سميرة، وهو من رتّب بعدها لقاءاتهما السرية. هذا ما أثار ضغينة ساجدة، زوجة الرئيس المهجورة، وحقد ابنها الأثير عدي، وكان في هذا موت كامل حنا ججو.
ارتكبت الجريمة بتاريخ 20 تشرين أول 1988خلال حفل استقبال نظّمته ساجدة في "جزيرة الأعراس" وسط نهر دجلة، حيث يملك الرئيس خيمة على الطراز البدوي. دعت ساجدة نخبة البغداديين تقديراً لسوزان مبارك زوجة الرئيس المصري وابنتها.
كان عدي موجوداً عن كثب مع جمع من أصدقائه يرقصون ويشربون. أطلق عدي عياراً نارياً في الفضاء؛ وهو ما يُعدّ مألوفاً عنه. قلقت ساجدة وأرسلت كامل حنا الذي كان يساعدها في تنظيم حفلها للاستعلام عمّا يجري، طلب كامل من أحد الحرّاس أن يرجو عدياً بالامتناع عن إطلاق الأعيرة النارية في الهواء وأمّه تستقبل مثل تلك الشخصيات عظيمة الشأن (VIP) في الخيمة المجاورة. وعندما نقل "الغوريلا" هذه الرسالة، خرج عدي عن طوره، انتابه جنون الغضب وصاح أن لا حقَّ لابن الخادم بإملاء سلوكه عليه.
هرع سريعاً إلى خيمة الأم، وطلب من كامل حنا ججو أن يتبعه. هناك أمام جميع مدعوي ساجدة ضربه بقضيب ثقيل على رأسه. انهار الشاب تحت وقع ضرباته القاسية، ونُقل إلى مشفى ابن سينا، العائد للرئاسة، وتوفي دون أن يستعيد وعيه.
أنجبت سميرة من صدّام ولداً أسمته علياً، لعلّه الآن في الثلاثين من عمره، نشأ مرفهاً إنما على بعد من مسرح الأحداث، خوفاً من نقمة قصي وعدي أبناء ساجدة.
في العام 1995 تزوج صدّام حسين للمرة الثالثة من نضال الحمداني، المديرة العامة للأرصاد الجوية العراقية. عندما بدأ بالتردد عليها سمّاها مديرة برنامج الطاقة الشمسية في البلاد. الأمر الذي أكّد الشائعات المتعلقة بروابطهما.
هي أقل إغراء من سميرة، لكنَّ نضالاً تمتلك خلقاً متيناً، وهي ميزة يقدرها صدّام عند المرأة. كانت متزوجة بدورها. زوجها دريد الدملوجي سليل عائلة محترمة في الموصل، شمال العراق، ولديها ولد وفتاة. أظهر الزوج عدم رضاه عن ترك زوجته للرئيس. لكن شرطة صدّام السرية أخفت المرأة مع ولديها. أدرك دريد عندئذٍ وجوب مغادرة الوطن وطلاق الزوجة. تم قران نضال مع صدّام خلال عدّة شرعية وصلت إلى ثلاثة أشهر، ورغم معارضته كوفئ دريد بمركز مهم في وزارة الشؤون الخارجية.
انزعجت ساجدة من هذا الزواج أكثر من سابقه، ولمرة ثانية هربت مجدداً من بغداد إلى قصرها في الموصل. غضب الرئيس من هذا التصرف وقرّر بيع القصور الثلاثة التي تمتلكها على نهر دجلة، غير أن عدياً أنذر من يريد شراء أي قصر من قصور والدته بأنه سيراه متفجراً على رؤوس سكانه، حتى لا تصبح هذه القصور بين أيدي الغرباء. ذُعر الشارون وسحبوا عروضهم.
طلّق صدّام نضالاً قبل إقدامه على الزوجة الرابعة لطيفة في العام 2000.
كانت لطيفة الحديثي بعمر 29سنة، أستاذة للغة الإنكليزية. التقى بها صدّام بوساطة منال الألوسي، التي تدير اتحاد النساء العراقيات. كانت اجتماعات سيدة المجتمع الكبيرة هذه لها شهرة، فهي تجمّع أجمل نساء بغداد، وهنَّ موئل صيد رائع للرئيس. كانت لطيفة، ضخمة، شقراء ذات بشَرَة بيضاء صافية، وتمتلك بدورها شخصية مميزة.
لم ينجح على الإطلاق في تعلم الإنكليزية، رغم انبهاره بأستاذة تلك اللغة. ينبغي الاعتقاد أن لطيفة لم تكن أستاذة جيدة، لأنها طلّقت من صدّام بعد أربعة أشهر فقط.
قبل سقوط نظامه بقليل كان قلبه يهفو إلى المتعة الجسدية إذ أنه تزوج للمرة الخامسة من الدكتورة إيمان عبدالتواب مولى حويش، طبيبة الأطفال ذات السبعة وعشرين عاماً الألمانية الأم. شقراء طويلة بدورها. والدها صديق الرئيس منذ زمن طويل. غدا نائباً لرئيس الوزراء ووزير تسلّح( منصب رئاسي يحرم منه عادة العراقيون المتزوجون من أجنبيات غير أن عمّ صدّام استثني من هذا الإجراء). نجح في ابتزاز مليار دولار من صدّام، بحيث صوّر له أن رجال العلم العراقيين قادرون على ابتكار جهاز ليزر ثوري قادر على إسقاط جميع الطائرات المعادية عند دخولها المجال الجوي للعراق.
كانت جميع زوجات الرئيس السابق يعشن في رخاء. الطائرة تقلّهنّ للقيام بمشترياتهن من أسواق دبي أو بيروت أو ميلانو، وبيوت الأزياء العالمية ترسل مبعوثات خاصات تعرض عليهن مجموعاتها وأزياءها.
عدا زوجاته، جمع صدّام الخليلات المختارات وفق معايير محدّدة. أهمها أن يكن عراقيات ولسن أجنبيات غربيات أو حتى عربيات. كان يخشى كثيراً أن ترسل له الـCIA أو الـ M16 وحديثاً KGB أو أية دائرة استخبارات أجنبية أخرى جاسوسة، أو حتى ما هو أسوأ من ذلك، امرأة تحمل ڤيروس نقص المناعة المكتسبة "الأيدز"، المرض الرهيب الكبير.
هو يفضل النساء المتزوجات معتقداً أنهن أوفر صحة من الناحية الطبية وأقل خطراً على صحته الغالية، وأزواجهن لا يشكلون مشكلة لاعتبار هذا شرفاً لهم بأن يروا زوجاتهم وقد اخترن إلى الفراش الرئاسي عدا عن أن صدّام يكافئ بسخاء كياستهم: يقدم لهم المنازل والسيارات والأموال. وهم يعلمون أن معارضتهم تكلف السجن أو "حادثاً" مميتاً.
كان كثير الاهتمام بصحته. من الملزم للنساء اللواتي ينلن إعجابه الخضوع لاختبارات طبية كاملة قبل مقاسمته السرير. كان جميع المقربين منه، حسين كامل وحراسه الشخصيون، يجهدون في تقديم النساء له.حتى خلال حربه مع إيران، وبينما جيش الوطن يقتل على الجبهة، استمر أصحاب المقامات العليا في القصر يقدمون له ما يشبع شهواته الجنسية. سرت فكاهة حقيقية في أروقة القصر، حيث كان يُقال إن من المتعذر رؤية صدّام أو الحصول على أمر منه دون أن تلعب دور صيّاد الطرائد (السمسار).
كانت منال الألوسي على رأس اتحاد النساء العراقيات، وهي مكلفة إضافة إلى مهامها بمراقبة زوجات الوزراء وغيرهن من مسؤولي النظام. كما أنها تعد من المصادر الرئيسة لخليلات صدّام؛ وهي تقدم أيضاً صديقات لعدي وقصي ولأنسبائهم وحراسهم الشخصيين.
كل هذا والكثير من الأسرار المذهلة في حياة الرئيس صدّام حسين يجده القارىء في كتاب "في ظل صدّام" تأليف د.هيثم رشيد وهيِّب، الذي كان يعمل رئيساً لبروتوكول قصور الرئاسة لدى صدّام، وينقل عن مشاهدة ومعايشة، ويتحدث عن قرب. الكتاب ترجمة:ميشيل خوري، إصدار دار ورد للطباعة والنشر والتوزيع- دمشق.
علي المحرقي
التعليقات (0)