شارك هذا الموضوع

دوافع الثورة الحسينية

 لم يفجر الحسين (عليه السلام) ثورته الإسلامية الكبرى من منطلق السعي وراء الحكم أو المال والجاه والسطوة والشهرة.. كلا فهو أبعد ما يكون عن ذلك، مع قدرته لو أراد أن يملك الآفاق وقد خلقها الله لأجل خمسة أحدهم هو.

ولم يخرج كما صرح في بيان ثورته الأول أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحقيق العدل الاجتماعي بين الناس والقضاء على أسباب النكسة الأليمة التي مني بها المسلمون في الحكم الأموي الذي ألحق بهم الهزيمة والعار.


لقد انطلق هذا الإمام العظيم ليعيد للأمة ما فقدته من مقوماتها وذاتيتها وليضخ في شريانها الحياة الكريمة التي تملك بها أرادتها وحريتها في مسيرتها النضالية لقيادة أمم العالم تحت ظل حكم متوازن تذاب فيه الفوارق الاجتماعية وتقام به الحياة على أسس صلبة من المحبة والإخاء.. إنه حكم الله خالق الوجود وواهب الحياة لا حكم معاوية الذي قاد مركبة حكومته على إماتة وعي الإنسان وشل حركاته الفكرية والاجتماعية لقد أقدم الإمام الحسين على الموت هازئاً به، ساخراً من الحياة مع الظالمين وقد عبر عن ذلك بقولته المشهورة (وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً)، ولم يقدم على الثورة إلا بعد أن انسدت أمامه جميع السبل وانقطع كل أمل له في إصلاح الأمة فلم يبق أمامه إلا التضحية الحمراء فهي وحدها التي تتغير بها الحياة وترتفع راية الحق عالية خفاقة في سماء الخلود.


نهض الحسين بوحي من عمق إحساسه بمسؤولية التغيير الاجتماعي التي أناطها الله سبحانه به من قبل أن يولد وقد بشره جده الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله) بها منذ صغره وبين له معالم رحلته أو صور تضحياته العظيمة في سبيلها فوجد نفسه أمام مسؤولية كبرى لابد وأن ينهض بعبئها وقد أدلى (عليه السلام) بما يحتمه الإسلام عليه من الجهاد لحكم الطاغية يزيد، أمام الحر وأصحابه قائلاً (أيها الناس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله).


كان الحسين (عليه السلام) بحكم مركزه الاجتماعي مسؤولاً أمام الله ورسوله والأمة الإسلامية عما منيت به من الظلم والاضطهاد من قبل الأمويين، ومن هو أولى بحماية دين الله من الانحراف ورد الاعتداء على المقدسات وصيانة المجتمع الإسلامي من تيارات الفساد والانحلال، غيره فهو سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) ريحانته والدين دين جده والأمة أمة جده وهو المسؤول بالدرجة الأولى عن رعايتهما.


كذلك فإن من المسؤوليات التي دعت الحسين للقيام بالثورة مسؤولية تطهير الخلافة الإسلامية من أرجاس الأمويين الذين نزوا عليها بغير حق.. فلم تعد الخلافة في عهدهم - كما يريدها الإسلام - وسيلة لتحقيق العدل والقضاء على جميع أسباب التخلف والفساد في الأرض.


إذ أن الخلافة ليست مجرد سلطة زمنية على الأمة، وإنما هي نيابة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وامتداد ذاتي لحكومته المشرفة وقد رأى الإمام أن مركز جده قد صار إلى سكير مستهتر لا يعي إلا شهواته ورغباته، وقد تحول منصب إمامة المسلمين إلى ملك عضوض يتوارثه الفجرة الفسقة كابراً عن كابر دون اعتبار لقوانين السماء وإرادة الأمة، التي كبلت بقيود ثقيلة سدت في وجهها منافذ النور والوعي حتى استحالت إلى جثة هامدة لا حراك لها، وأصبح المسلمون أذلاء (صاغرين تحت وطأة سياط الأمويين وبطشهم) وانتشرت المظالم الاجتماعية في أنحاء البلاد الإسلامية بعد أن عمد الأمويون إلى إذلال الأمة والاستهانة بها وكان من مظاهر ذلك الاحتقار، أنهم كانوا يختمون في أعناق المسلمين كما توسم الخيل علامة لاستعبادهم كما نقشوا على أكف المسلمين علامة لاسترقاقهم مثلما يصنع بالعلوج من الروم والحبشة وانعدم الأمن في جميع أنحاء الأرض الإسلامية وجعل يؤخذ البريء بالسقيم والمقبل بالمدبر ويعاقب على التهمة والظنة حتى صار الناس على عهد زياد يقولون (انج سعد فقد هلك سعيد) ولا يوجد أحد إلا وهو خائف على عرضه ودمه وماله.


وكان أكثر الناس أشدهم معاناةً هم شيعة أهل البيت (عليهم السلام) فقد لا قوا جميع ضروب المحن والبلاء على أبدي الأمويين، فمن إعدام أعلامهم كحجر بن عدي وعمرو بن الحمق، وصيفي بن فسيل وغيرهم والصلب على جذوع النخل، وهدم الدور، وعدم قبول شهادتهم، ودفنهم أحياء، وحرمانهم من العطاء وترويج السيدات من نسائهم، وإشاعة الخوف والذعر في أوساطهم إلى كثير من الجرائم التي ارتكبها حزب الشيطان الطلقاء بشيعة أهل بيت العصمة والرحمة (عليهم السلام)، حتى ذعر الإمام الحسين (عليه السلام) مما حلّ بهم فبعث بمذكرته الخطيرة لمعاوية مسجلاً فيها ما ارتكبه من جرائم بحق الشيعة، ومحاولاته الدنيئة لمحو ذكر أهل البيت (عليهم السلام) من قلوب المسلمين، عبر افتعال الأخبار التي تحط من شأنهم، ومعاقبة من يذكر مناقبهم، وسبهم على المنابر والمآذن وخطب الجمعة.


وقد عقد الإمام الحسين مؤتمره السياسي الكبير في مكة المكرمة وأحاط المسلمين علماً بالإجراءات الخطيرة التي اتخذها معاوية إلى إزالة أهل البيت من الرصيد الإسلامي وكان يتحرق شوقاً إلى الجهاد ويود لو أن الموت قد وافاه ولا يسمع سب أبيه على المنابر والمآذن.


لهذا كله وغيره الكثير خرج الحسين (عليه السلام) ليسطر أعظم ملحمة شهدها التاريخ الإنساني منذ فجره الأول وإلى الأبد.


فسلام عليه من ثائر.. وسلام عليه من شهيد.

التعليقات (1)

  1. avatar
    علي

    جزاك الله خير تحياتي

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع