شارك هذا الموضوع

قيادة "الهيئة"... وحركة الشارع

صحيفة الوسط


تصادف اليوم الذكرى الخمسون لتأسيس "هيئة الاتحاد الوطني" التي قادت أكبر وأوسع انتفاضة شعبية في تاريخ البحرين، و"الوسط" تشارك في الاحتفالات بملحق خاص بالمناسبة، وهي مناسبة مليئة بالدد. منصور الجمريروس والعبر.


فأحد تلك الدروس هو مدى استطاعة قيادة الهيئة السيطرة على الشارع وتوجيه حركته نحو هدف محدد. الهيئة تأسست لأسباب محلية عدة، أهمها شعور النخبة بمسئولياتها تجاه ما كان يحاك من فتنة طائفية ومناوشات وتأزيم للأوضاع بين الشيعة والسنة. والسبب المباشر الذي دفع باتجاه تشكيل الهيئة هو اضراب سواق سيارات الأجرة وتحرك النخبة ذاتها لحل المشكلة عبر تأسيس صندوق التعويضات التعاوني، ومن ثم اتخاذ الصندوق منطلقا لتنظيم الصفوف. وبعد أن اشتط المستشار البريطاني تشارلز بليغريف وسحب الجواز البحريني لرئيس الصندوق عبدالرحمن الباكر، تجمعت النخبة في "مسجد خميس" في المنامة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1954 وقررت أن تدعو لاجتماع كبير في "مأتم بن خميس" في السنابس في 13 أكتوبر ،1954 وحينها أعلن تأسيس الهيئة التنفيذية العليا برئاسة الباكر وعضوية ثمانية أعضاء نصفهم من الشيعة والنصف الآخر من السنة.


هكذا تدافعت الأمور بصورة ايجابية لينتج عنها تأسيس أول حزب سياسي حصل لاحقا "في مارس/ آذار 1956" على اعتراف رسمي من الحكومة بعد تغيير المسمى إلى "هيئة الاتحاد الوطني" وتقليل دور الباكر. ولكن كانت هناك أمور عدة لم تستطع قيادة الهيئة السيطرة عليها ما أدى إلى لحرق المسيرة ومن ثم اعطاء المبرر للقضاء عليها.


ولعل أبرز مثال على عدم السيطرة على الشارع ما حدث في فبراير/ شباط 1956 عندما قامت مجموعة من الناس كانت تشاهد مباراة كرة قدم في استاد المحرق الرياضي برشق سيارة وزير الخارجية البريطاني سلوين لويد بالحجارة بعد تردد أنباء عن إقالة غلوب باشا في الأردن. لقد كان موقف الباكر هو عدم استعداء بريطانيا واستهداف بليغريف فقط بصفته مستبدا برأيه، ولكن الجماهير خرجت ورشقت وزير الخارجية البريطاني في الوقت نفسه الذي كانت وجهة النظر البريطانية الدفع باتجاه الاعتراف بالهيئة وازالة بليغريف.


مباشرة بعد ذلك، في مارس 1956 انفجر الوضع إثر حادث بسيط سببه اعتقال أحد باعة "الخضرة" بدعوى أنه كان يخالف قوانين البلدية وبمجرد اعتقاله في مبنى البلدية "كان بالقرب من سوق الخضرة القديمة، أمام فندق صحاري" تجمع الناس حول البلدية مطالبين باطلاق سراحه، ما أدى إلى اطلاق النار من الشرطة وسقوط عدد من المواطنين قتلى.


بعد ذلك قام الرئيس المصري جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس في يوليو/ تموز 1956 وانفجر الشارع فرحا وغضبا على البريطانيين.
وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير في نهاية اكتوبر 1956 عندما حدث العدوان الثلاثي على مصر، وانفجر الشارع وتمت مهاجمة شركات بريطانية ومنازل لبريطانيين. وعلى أساس ذلك قررت بريطانيا مواجهة الهيئة بدلا من تأييد الاعتراف بها، ونزل الجيش البريطاني في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 1956 واعتقل قادة الهيئة وقمع التحرك ومهد لإعلان حال الطوارئ في نهاية العام 1956 وهي الحال التي استمرت أربعة عقود ونصف ولم تنته إلا مع المشروع الإصلاحي الذي دشنه جلالة الملك في فبراير .2001


الباكر كان من الذين يطالبون بعدم انجرار الشارع إلى قضايا تحرفه عن الهدف الأساسي المتمثل في المطالبة بمجلس تشريعي منتخب، ونقابات عمالية، وقانون مدني مكتوب وحياة عامة قائمة على احترام إرادة المواطنين لكن قادة الهيئة لم يستطيعوا ضبط كل ايقاعات الشارع في الأشهر الأخيرة في تاريخها ما سهل اختراقها وتأجيج الأوضاع ثم ايجاد المبرر لدخول الجيش البريطاني لقمعها على رغم أن الوجود البريطاني الرسمي لم يكن مضادا للهيئة في بداية الأمر. ودروس كثيرة أمامنا لعلنا نفتحها ونتمعن فيها ونخدم بحريننا بما يحقق لنا حياة كريمة ونموا اقتصاديا لائقا بنا.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع