شارك هذا الموضوع

"بن خميس"... وتأسيس أكبر حركة سياسية في الخليج

صحيفة الوسطخمسون شمعة أشعلتها هيئة الاتحاد الوطني وهجا
"بن خميس"... وتأسيس أكبر حركة سياسية في الخليج

 
قلة من أبناء السنابس مازالوا يستحضرون ذكريات تأسيس "هيئة الاتحاد الوطني" في مأتم بن خميس، فالكثير ممن عاصروا تلك الحقبة من تاريخ البحرين غادروا إلى العالم الآخر وغيبهم الموت، والقلة الباقية أنستها هموم الدهر جل ما جرى آنذاك.


خمسون عاما مضت على ولادة هيئة الاتحاد الوطني، ولا تزال جنبات مأتم بن خميس تختزل ذلك الماضي المفعم بنضالات شعب بكامله، لتحكي للأجيال ما جرى في المأتم يوم 13 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام ،1954 بتأسيس أكبر حركة سياسية على مستوى الخليج العربي في تلك الفترة.


وبالعودة السريعة إلى الخلفية التاريخية، فإنه بعد الحوادث الطائفية التي وقعت أثناء إحياء موسم عاشوراء بالمنامة في سبتمبر ،1953 تداعى نفر من رجالات البحرين للقضاء على أسباب الفتنة وإزالة التداعيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي نجمت عنها. تحركوا لحل اضراب سواق سيارات الاجرة في سبتمبر ،1954 وعندما حاول المستشار تشارلز بليغريف ضرب النخبة بقيادة عبد الرحمن الباكر نذاك، اجتمعوا في مسجد خميس في المنامة في 6 أكتوبر 1954 لرفض قرار المستشار "سحب جواز الباكر"، وثم اجتمعوا في مأتم بن خميس بالسنابس وتمخض عن ذلك تأسيس "الهيئة التنفيذية العليا" وتم الاعتراف بها في فترة في مارس / ذار 1956 ليصبح اسمها "هيئة الاتحاد الوطني".


اجتماع السنابس
وفي الرسالة الجامعية التي أعدها إبراهيم خلف العبيدي في العام 1973 وتطرق فيها إلى الحركة الوطنية في البحرين ذكر أنه "بعد حوادث ذلك العام، عقد اجتماع في السنابس لغرض انتخاب ممثلي الهيئة، وتهيئة الشعب بشتى وسائل التوعية ليكون صفا واحدا مع ممثليه، وبدأت صحيفة "القافلة" في تلك الفترة تنشر المقالات التي تنتقد فيها السياسة الحكومية. وتم عقد الاجتماع في السنابس بتاريخ 13 أكتوبر ،1954 وضم معظم العناصر الوطنية من الطائفتين، وممثلين لمدن وقرى البحرين".


موسى جعفر خميس "64 عاما" مازال يستحضر ذكريات ذلك اليوم الكبير الذي توافد فيه المئات على مأتم بن خميس ليشهدوا انبثاق الهيئة. يقول خميس: "كنت حينها تخرجت في المدرسة للتو، وكنت أعمل موظفا، وما أتذكره من تلك الفترة أن مجموعة من الناس من كلتا الطائفتين نهضت لتأسيس جبهة شعبية، وقد عقد أول اجتماع لها في مسجد خميس بالمنامة، بعد ذلك وجهت الدعوة اليهم للاجتماع بمأتم بن خميس بالسنابس واختاروا المأتم لسعته ولتاريخه النضالي الكبير".


ويؤكد الحاج عباس يعقوب "من مواليد العام 1936" أن "اختيار مأتم بن خميس لعقد اجتماع الهيئة فيه جاء لأن السنابس في تلك الفترة كانت قلعة حصينة من الثقافة، وكان أهلها يشهد لهم بحبهم مساعدة الناس، وكانت معقلا للكثير من الثورات".


استقبال حافل
يصف خميس ما حدث يوم اجتماع السنابس قائلا: "في يوم الاجتماع توافد الضيوف على المأتم واستقبلتهم السنابس استقبالا كبيرا، واحتضنهم أهالي السنابس من كبير وصغير، ورحبوا بهم وباركوا لهم هذه الخطوة التي كانوا يسعون من ورائها إلى توحيد الأمة، واصطف لهم الأهالي في ذلك اليوم من شارع البديع حتى مدخل مأتم بن خميس، وكانوا يحملون في أيديهم أسلحة قديمة "بنادق"".


ويقول يعقوب: "يوم الاجتماع الذي عقد في مأتم بن خميس توافد جمع كبير من أفراد الشعب البحريني، وكان الحضور من مختلف المناطق، حتى ان أهالي المحرق علقوا صورة للرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر على جدار المأتم الخارجي وقت اجتماع الهيئة".


وبالعودة إلى خميس الذي يواصل وصف ما حدث يوم الاجتماع، قال: "افتتح الاجتماع بالآية القرآنية "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" "آل عمران:103" قرأها مهدي بن خميس، وبعد الانتهاء من تلاوة القرآن، ألقيت كلمة بهذه المناسبة، وتم انتخاب قيادة للهيئة التنفيذية العليا، اذ انتخبوا ثمانية أشخاص هم السيد علي كمال الدين، عبدالعزيز الشملان، عبدالرحمن الباكر، محسن التاجر، علي أبوديب، إبراهيم بن موسى، عبدعلي العليوات وابراهيم فخرو، ثم انتخبوا مئة شخص بالتزكية، وبعد ذلك أقسم أعضاء الهيئة على المصحف، ثم دوت القاعة بتصفيق الحاضرين داخل المأتم وخارجه، وطالبوا بتعزيز الوحدة الوطنية وتقويتها، والتعاون بين الطائفتين، ومحاربة الاستعمار والاستبداد والمطالبة بحقوق الأمة".


تفاعل الحضور
وتفاعل الحضور مع الوضع، إذ يقول خميس: "هناك بعض الحضور تحمسوا للوضع، حتى ان بعضهم ألقى كلمات وقصائد بهذه المناسبة، من بينها قصيدة ارتجالية لحسين أحمد خميس "أحد المسئولين في المأتم" وقصيدة لعبدالرحمن المعاودة، وكلمة لمهدي خميس".


وبالسؤال هل اقتصر الاجتماع في مأتم بن خميس على تأسيس الهيئة فقط، يقول خميس: "المأتم شهد تأسيس الهيئة، وبعد ذلك لم تعقد أية اجتماعات في المأتم، ولكن أعضاء الهيئة كانوا كثيرا ما يترددون على زيارة المأتم، وفي طليعتهم السيد علي كمال الدين الذي كان يحضر بشكل دائم إلى المأتم. الكثير من أهالي السنابس في تلك الفترة كانوا متحمسين لوجود الهيئة، ففي فترة الاضرابات التي حدثت في العاصمة المنامة، تفاعل أهالي السنابس مع ذلك، فخرجوا إلى شارع البديع لمنع السيارات من الذهاب إلى المنامة".


وفي فترة لاحقة توسعت الهيئة واستأجرت لها مقرا بالقرب من مأتم مدن بالمنامة، وكونت فرق الكشافة التي انخرط فيها الكثير من أبناء السنابس، وكانت فرق الكشافة تساعد في إقامة الاحتفالات وتنظيم حركة المرور.


الإمساك بالحناجر
كما تفعل الحركات السياسية في الدول المتقدمة حين تريد تجميع مناصريها لإلقاء خطاب عليهم، فإنها تقوم بعمل المهرجانات، فإن "الهيئة" في بعض الأحيان ربما كانت تلجأ إلى مثل هذا الأمر.


تروي المصادر أن الفنانة الشعبية فاطمة الخضارية، والدة الفنانة الشعبية شمة الخضارية، قد جاءت بفرقتها إلى ساحة تقع إلى الغرب من مسجد الغاوي في المحرق، قبل أحد الخطابات لـ "الهيئة"، وصارت تغني:


يا حي الهيئة والذي يهواها
يمرة "جمرة" غضى في قلب من عاداها فأوغر بعض الوشاة صدر الحكومة عليها باعتبارها تشترك في التحريض ضد الحكومة وتؤيد "الهيئة" التي لم تكن الحكومة تعترف بها في ذلك الوقت، فمنعت من الغناء، وقيل إنه تم تسفيرها إلى قطر لبعض الوقت.


"بن خميس"... بين نشر الفكر والحراك السياسي


أسس الحاج أحمد بن خميس مأتم بن خميس في العام 1877م عندما كانت البلاد واقعة تحت الانتداب البريطاني، وفي وقت كان الناس فيه أحوج ما يكونون آنذاك إلى مؤسسة تجمع شملهم وتلبي حاجاتهم في شتى مجالات الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والسياسية والتعليمية، فما أن استشعر الحاج أحمد بن خميس تلك الحاجات، حتى بادر بنفسه إلى تأسيس المأتم، وقد ساعده على ذلك موقعه الاجتماعي ومركزه المالي القوي نسبيا، إذ كان أحد تجار اللؤلؤ المعروفين في تلك الفترة.


ولعب المأتم منذ تأسيسه دورا مهما، فإلى جانب إقامة مراسيم العزاء وإحياء ذكريات أهل البيت، احتضن المأتم الكثير من الفعاليات والأنشطة، ففي الثلاثينات من القرن الماضي شهد المأتم نشاطات اجتماعية وثقافية وسياسية متنوعة، إذ نظمت إدارة المأتم دروسا لتعليم أبناء القرية بعض المواد كاللغة العربية واللغة الإنجليزية والرياضيات وغيرها من المواد الدراسية، وتعلم في المأتم الكثير من الشخصيات التي لها شأن كبير في المجتمع الآن - بحسب الكثيرين ممن عاصروا تلك الفترة - بالإضافة إلى ذلك كانت تقام دروس دينية متنوعة، واحتضن المأتم أول مشروع لتعليم الصلاة في البحرين الذي قام عليه الراحل أحمد الإسكافي، وهو مشروع قائم حتى يومنا هذا.


ساهم مأتم بن خميس في المحافظة على أمن وسلامة الأهالي وممتلكاتهم وأعراضهم، وخصوصا عندما كانت السنابس تتعرض لعمليات السطو والنهب والسلب المسلح من قبل اللصوص، وذلك من خلال تطبيق نظام الحراسة الليلية.


ولم يكن المأتم بمنأى عن الحركة السياسية في البلاد، فقد شهد توقيع عريضة في 26 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1926 والتي وقعها نحو 328 شخصا، ورفع الموقعون في هذه العريضة عدة مطالب، منها المطالبة بتغيير القضاة الشرعيين السابقين لوقوفهم إلى جانب النواخذة وتجار اللؤلؤ ضد الصيادين، المطالبة بخفض الضرائب على صيادي الأسماك الذين يصطادون بالشباك والمطالبة بإنشاء مدارس لأبناء وبنات البحرين من دون تمييز وغير ذلك من المطالب.  

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع