شارك هذا الموضوع

أبناء بن خميس وإخوة التراب البحريني

رجال من زمن اللؤلؤ - (26)


أبناء بن خميس وإخوة التراب البحريني


المحرق - محمد حميد السلمان


يقول المثل الشعبي «من خلّف ما مات». أي من كانت له ذرية في هذه الدنيا يبقى ذكره واسمه كعائلة تواصل درب الحياة بما ورّثه الرجل فيهم من تربية صالحة ومنبت حسن وليس منبت سوء، فهو سيكون باقياً بذكره الطيب وليس برسمه. فكيف إذا كان الأصل ذا منبت طيب ووطنية عالية ونادرة في زمن اللؤلؤ لم يتحلَ بها الجميع بالطبع. كيف إذا كانت الذرية التي نتكلم عنها هي أبناء الحاج المناضل الوطني على كافة الصُعد والمجالات: أحمد بن خميس. لقد زرع الأب الغيور على بني وطنه والساعي دائماً لما يوفر لهم لقمة العيش بدون ألم وظلم في نفوس أفراد عائلته كل معاني الدفاع عن الحقوق ونيلها مهما بلغت التضحيات.


وهذا ليس كلاماً عاطفياً بل هو بناءً على ما أوردناه من سيرة حياة الراحل أحمد بن خميس في البحرين وخارجها في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين طوال الحلقات الماضية. وقد كان حسين بن أحمد بن خميس أحد براعم تلك الجذوة الوطنية، حمل مشعلها وكان أحد رموز الحركة الوطنية البحرينية في الخمسينيات من القرن الماضي.





معاً من سنابس إلى فلسطين



ما إن أصدر المرجع الإسلامي السيدمحمد حسين آل كاشف الغطاء في النجف الأشرف الفتوى بوجوب الجهاد لتحرير فلسطين وذلك بعد إعلان بن غوريون قيام دولة الكيان الصهيوني في 15 مايو/ أيار 1948 حتى كان أول من سارع من أبناء البحرين لتلبية ذاك النداء مجوعة من شباب سنابس يتقدمهم حسين بن أحمد وأفراد عائلة بن خميس. اجتمعوا في حسينية بن خميس لفتح باب التطوع لتلبية نداء الحق والواجب الوطني العربي والإسلامي وهذا ما خطوه على يافطتهم التي رفعوها وهم يستعدون لإجراء تدريبات عسكرية شاقة قبل السفر إلى فلسطين للدفاع عنها ضد الغزاة الصهاينة. وهذا الحدث الذي للأسف لم يسجله التاريخ كما يجب بعد مع أنه يعد مفخرة لشعب البحرين وسط العالم العربي والإسلامي طوال التاريخ. وهنا كان للحسينية أيضاً، كمبنى ورمز، الدور الأكبر في دعم تلك المناصرة الوطنية للحق العربي كما هو المفترض بها لأنها لم تنشأ إلا بسبب التراث الحسيني الذي عُمد بالدم في أرض كربلاء - كما يقول أحد أفراد العائلة- دفاعاً عن الحق ضد الباطل الذي كان يمثله صهاينة ويهود ذاك الزمان. قام المتطوعون - كما توضح الصورة - بالتدريب في دالية الحسينية استعداداً للقتال وقد جهزوا لهم ثياباً عسكرية كذلك تناسب المرحلة القتالية في فلسطين كما كان يفعل أخوتهم الفلسطينيون آنذاك. وعقد الجميع النية للسفر إلى العراق عن طريق الباخرة التي تصل من ميناء مومبي عادة. وهذا المركب سيقلهم إلى ميناء البصرة ومن هناك يتجهون إلى بغداد للانضمام إلى الجيش العربي بقيادة فوزي القاوجي. ودع حسين بن أحمد وبقية أفراد عائلة بن خميس عائلاتهم ودموع النساء تودعهم في سبيل القضية الفلسطينية. ولكن بينما هم في الطريق إلى هذه المهمة الوطنية وصلتهم الأنباء المحزنة إثر التخاذل العربي، بإيقاف القتال ضد الصهاينة كما هو مؤرخ في الوثائق والدراسات التي صدرت عن تلك المرحلة. فعاد المتطوعون من شعب البحرين إلى ديارهم آسفين على عدم التوفيق لنيل شرف الشهادة مع أخوتهم العرب والفلسطينيين تحديداً دفاعاً عن الوطن الذي صار سليباً إلى اليوم.





زمن البطاقة البحرينية



خلال الحرب العالمية الثانية وبالتحديد العام 1941 بدأت حكومة البحرين في عهد بلغريف بإحصاء عدد السكان بهدف تقنين بيع المؤن عليهم بالبطاقة لكل عائلة بسعر مدعوم بحيث يكون في متناول اليد. وذلك لتزايد الفقر في البلاد بسبب قلة المؤن وظروف الاستيراد زمن الحرب ولأن الإمارة لم توضع لها خطة استراتيجية من الأساس للاكتفاء الذاتي في فترات الأزمات الإقليمية أو الدولية مع أن البحرين كانت بلداً زراعياً من الدرجة الأولى وبها ثروة حيوانية لا بأس بها آنذاك. أما السلع التموينية الأساسية المدعومة فهي: الرز، السكر، الشاي، الطحين، الزيت، والقهوة. استمر الحال مع البطاقة التموينية لفترة وكان أحد أبناء أحمد بن خميس له مساهمة واضحة في هذا المجال. فقد تم تعيين الحاج حسن بن أحمد بن خميس للإشراف على هذه المهمة الإنسانية الوطنية وتخصيص احدى غرف البيت الكائن بالحسينية - كما يذكر علي بن خميس - لتخزين تلك السلع فيها وبيعها على المواطنين. وبقي الحاج حسن مسئولاً عن تلك المهمة حتى تاريخ إلغاء نظام البطاقة من قبل الحكومة.





بن خميس وهيئة الاتحاد الوطني



الأحداث الطائفية التي وقعت صباح يوم الأحد العاشر من محرم للعام 1363هـ (20 سبتمبر/ أيلول 1953م) أثناء مرور موكب عزاء عاشوراء بالمنامة في شارع بلغريف، دبرتها بليل أيادي فتنة مرتبطة بسلطات الحماية البريطانية لتلهي طائفتي الشعب البحريني الكريمتين عن وحدتهما النضالية ضدها والتي بدأت تتشكل في سماء الحركة الوطنية في البحرين في تلك المرحلة من تاريخ النضال الوطني المشترك. لذا تداعى نفرٌ من شرفاء ومناضلي الوطن سنة وشيعة للقضاء على أسباب الفتنة بين إخوة التراب. وكان لحسينية بن خميس مرة أخرى الشرف في جمع لحمة أخوة التراب الوطني على أرضها لتلعب دوراً مفصلياً في تلك الحركة الوطنية يشهد عليها القرآن الكريم الذي كان بها ومازال موجوداً حتى اليوم ضمن تراث المبنى الخاص بالحسينية.


لم يجد أخوة تراب الوطن والنضال البحريني المشترك بعد مداولات صيف العام 1954 أفضل من حسينية الحاج بن خميس مكاناً لاحتضان الاجتماع المؤسس لبروز اتحاد السنة والشيعة في تحالف وطني رائع باسم «الهيئة التنفيذية العليا». وكما يصف ذلك الحدث تقرير المعتمد السياسي البريطاني في البحرين بقوله: «اعتبرت احتفالات الذكرى الأربعين لاستشهاد الحسين مسألة مشتركة واغتنمت الفرصة لإظهار بعض نتائج النشاط الذي كان يجري وراء الستار طوال موسم الصيف. فقد انتخبت «الهيئة التنفيذية العليا» من خمسين شخصاً واختارت هذه الهيئة ثمانية من أعضائها لتقديم المطالب الوطنية للحاكم. وهؤلاء الممثلون الثمانية يتكونون من أربعة من الشيعة وأربعة من السنة» (1). ويروي لنا شاهد على العصر في ليلة هذا الاجتماع الذي استمر حتى ساعات الفجر الأولى في الحسينية ما يلي: «كان عمري حوالي العاشرة في ذلك الوقت عندما اجتمع المناضلون البحرينيون مساء الثالث عشر من أكتوبر/ تشرين الأول العام 1954م لتشكيل تنظيم»الهيئة التنفيذية العليا» الذي سمي فيما بعد (هيئة الاتحاد الوطني) وتكون من رموز معروفة وبدعم من الشعب البحريني. وكان لحسين بن أحمد بن خميس دوره الرائد في ذلك الاجتماع. فقد فتح أولاً حسينية جدي التي تولى إدارتها بعده مع بقية أخوته، لاجتماعات الهيئة. وشارك معهم في الاجتماع المذكور يدعم تلك الحركة الوطنية في بداياتها. كنت أقوم بجلب الشاي والعصير للمجتمعين في تلك الحسينية، حيث شاهدت ولادة جزء مهم من تاريخ البحرين الحديث. ليسجل التاريخ لسنابس والحسينية أنها كانت الموقع الذي تعاهد فيه أعضاء مكتب الهيئة بعد تشكيله من قبل الجمعية العمومية التي حضرت الاجتماع في الحسينية وبلغ عدد أفرادها حوالي مئة شخصية وطنية. تعاقد أولئك العدد من الوطنيين على عهد اقسموا عليه بقرآن واحد وبعبارة واحدة مازالت ترن في أذني وهي «تعاهدنا بالله والخاين يخونه الله». واختاروا من بينهم قيادة للهيئة تكونت كما رأيتهم في تلك الليلة من: علي كمال الدين رئيساً، والقادة عبدالرحمن الباكر، عبدالعزيز الشملان، عبدعلي العليوات، إبراهيم محمد حسن فخرو، إبراهيم بن موسى، عبدالله بوديب، ومحسن التاجر». (2)


فما هو دور حسين بن خميس في تلك الحركة؟


--------------------------------


(1)R / 15 /2/EA1013/12-/-12-11-1954


(2) لقاء مع الحفيد علي بن حسين بن خميس



 


صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3093 - الخميس 24 فبراير 2011م الموافق 21 ربيع الاول 1432هـ

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع