شارك هذا الموضوع

بن خميس والتاجر في محكمة " الباليوز " - رجال من زمن اللؤلؤ (24)

رجال من زمن اللؤلؤ (24)
بن خميس ومحسن التاجر في محكمة «الباليوز»
المحرق - محمد حميد السلمان


ونحن نشارف على الأيام الأخيرة للحاج أحمد بن خميس لابد من تسجيل بعض المواقف التقديرية لشخصه العظيم ليس من بين صاحب هذه الوريقات فقط، بل هي جاءت من أكبر رموز الحكم في البلاد العام 1928 ألا وهو الشيخ حمد بن عيسي بن علي آل خليفة حين طلب من أحمد بن خميس - أسوة بأقرانه من كبار الفعاليات الاقتصادية والأعيان في البحرين آنذاك - التوقيع على شهادة حسن سير وسلوك للمستشار تشارلز بلغريف بعد مضي سنتين من عمله في البحرين دون انقطاع ليستطيع «تبديل الهوى»، وليس المقصود به الحب طبعاً، بل هو عبارة عن طلب إجازة سنوية ليقضيها في بلده. فهل قبِل بن خميس بذلك مع زملائه التجار؟ لنقرأ فحوى تلك الشهادة أولاً.


جاء في تلك الشهادة: «من حمد بن عيسى آل خليفة، بسم الله الرحمن الرحيم، بعده.. بما أن مستشار حكومتي وهو حضرة سي دلرنمبل بلكريف بعد ما قضى سنتين وشهر واحد في خدمات حكومتي، طلب مني الرخصة لتبديل الهوى لمدة خمسة أشهر. وحيث انني قبلت رخصته لهذه المدة ورأيت من الواجب إعطاءه هذه الورقة بصفت (بصفة) استشهاد منّي لكي رضا العموم فيما قام به من الأعمال الجليلة في إصلاح البلاد وحسن السلوك، فبا الأصالة (فبالأصالة) عن نفسي وبالنّيابة عن حكومتي أشكره على حسن خدماته في رقي البلاد وراحة العموم، وإني أرجو الله التوفيق للجميع. 28 شهر شوال 1346 هـ».


وفعلاً حصل (بلغريف) على تلك الرخصة بهذه الشهادة الرسمية في 19 أبريل/ نيسان من العام 1928 بفضل تجار البحرين. وقد وقع مع بن خميس على تلك الشهادة أعيان عديدون مثل: يوسف أحمد كانو، عبدالرحمن الزياني، عبدعلي منصور بن رجب، يوسف عبدالرحمن فخرو، خليل ومحمد الباكر، وآخرون بحسب الوثيقة المرفقة.


--------------------------------------


الاستعداد ببعض الوصايا المبكرة


أمامنا وصية أولية أعدها أحمد بن خميس وبالطبع شهد عليها معلم وملهم بن خميس في تحركاته الشرعية الشيخ أحمد بن عبدالرضا بن حرز وحررت في 12 ربيع الأول من العام 1331هـ. (19/ 2/ 1913م). وهذه الوصية مكتوبة باسمه كالتالي: «قد اعترف وأقر أحمد بن المرحوم الحاج علي بن خميس أنه قد أوقف بيت سكنه الكائن في قريته السنابس مع سهم الجنوبي من بيت الذي شراه من عند ورثة عبدالله بن عيد من حد ظهر الدار الذي لازقه في الحسينية إلى ذرية الصالح وذريته من الأصلح (كلام غير واضح)... الولاة والتصريف في تعمير وغير ذلك مدة حياته ثم من بعده الولاة للأصلح من ذريته وهكذا فإن انقرضت والعياذ بالله ذريته فلذرية أبيه الأصلح فالأصلح وهكذا فإن انقرضت والعياذ بالله فللفقراء والمساكين. حرر باليوم في 12 ربيع المولود سنة 1331. شهد بذلك الحاج أحمد بن الحاج علي بن أحمد- شهد بذلك على الأقل يوسف بن علي بن حسن- أحمد بن على بن حسن- عبد الله بن إبراهيم المصلي. اعترف الواقف المذكور بما هو: خادم الشريعة أحمد بن عبدالرضا بن حرز».


* بن خميس وضريبة إرث الميت:


في محاولة من المستشار (بلغريف) بعد أن وافق بن خميس مع أعيان البحرين على منحه إجازة للسفر؛ أن يزيد في دخل الحكومة التي يديرها قام بفرض ضريبة غريبة آنذاك على المجتمع البحريني. فقد تفتق عقله عن نوع من الضرائب أطلق عليه «ضريبة تفرض على أي إرث يوصي به الميت لأبنائه وعائلته من بعده». فعند توزيع هذا الإرث تقوم الدولة باحتساب نسبة مئوية معينة من الإرث تقتطعها قبل التوزيع. رغم أن الاتفاق بين بريطانيا والبحرين ألا تتدخل في القضايا الدينية الإسلامية الشرعية للناس. وهنا عندما تم عرض الموضوع على بن خميس لمكانته الدينية والاجتماعية في البلاد؛ رفض هذه الضريبة لأنها ليست من الشرع في شيء، أي أنها غير شرعية. فقال له المستشار إن بعض شيوخ الدين قبل بذلك فرد بن خميس بأنه ليس له علاقة بمن أقر به فهو لا يقر ذلك لأنه ضد الشرع. فأمر بلغريف باعتقاله، كما يقول علي بن خميس في سجن القلعة. هنا احتج أصدقاء الحاج على هذا الفعل من بلغريف، ولذا فقد خرجت مظاهرة مهيبة يتقدمها الشيخ الرئيس قاسم بن مهزع تطالب بإطلاق سراح بن خميس وهي تردد «بن خميس يا طلابته». وهنا حتى اضطر (بلغريف) فعلاً لإطلاق سراحه خوفاً من تفاقم الأمور.


--------------------------------------


بن خميس ومحسن التاجر


وقبل أن نفارق هذا المشهد من حكايات بن خميس العديدة التي تظهر مميزات معينة في هذا الرجل، نورد هنا حكاية أخرى وردت على لسان جميل عبدالحميد بن خميس منقولة من محمد تقي التاجر حيث ينقل بدوره عن محمد على التاجر: أنه في ذاك الزمان كان الحاج عبدالله العويناتي «يتضمن» المزرعة التابعة لمأتم بيت الجشي في البلاد القديم. فقام حجي عبدالله وقطع «خضر النخيل» فتم تشكيل لجنة لمعاينة الأضرار التي لحقت بالنخيل تلك، وكان من ضمن الوفد محسن التاجر. عندما ذهب محسن التاجر للمعاينة صادف ذلك اليوم أن والدة العويناتي قد توفيت. فانتهز بعض المتنفذين تلك الفرصة للانتقام من محسن التاجر وتصفية حسابات معه بتلفيق تهمة قتل المرأة - أي أم حجي عبدالله العويناتي - مع أنها توفيت بشكل طبيعي. وقرروا تشكيل محكمة لمحسن بالتعاون مع «الباليوز» (1). وقد أخبر مهدي بن خميس أنه كان الوقت عصراً ذاك اليوم حين جاء حجي أحمد بن خميس على حماره الخاص وعمه محمد تقي ألا وهو محسن التاجر في البيت بالطابق العلوي. أخذ مهدي حمار الحجي وربطه وضيّفه ونزل أسفل البيت ولكن حديث بن خميس مع محسن كان يصل لاذنيه. ومن ضمن ذاك الحديث سمع التالي: أن أحمد بن خميس قرر الدفاع عن محسن التاجر ضد المزيفين والظلمة الذين عملوا على الكيد له بهذه التهمة الباطلة شكلاً ومضموناً. وذلك بترتيب بعض الأمور للدفاع، ومنها أنه بما لديه من نفوذ عظيم على كل القرى الغربية في البحرين طلب أن يتجمع أكبر عدد من الأعيان والناس ليشهدوا لمحسن بصدقه وبراءته من تلك التهمة الكيدية يوم المحاكمة وبذلك سيشكلون قوة ضغط على (الباليوز) البريطاني كي لا يقوم بتسفير حجي محسن التاجر خارج البحرين بدعوى باطلة وكيدية باعتبار محسن مستهدفاً. وفعلاً تجمهر وجهاء القرى وبعض تجارها وأعيانها في يوم المحاكة عند مدخل المحكمة ومعهم حميرهم فلاحظ (الباليوز) ذلك وسأل أعوانه عن الخبر فقالوا: هؤلاء واقفين انتظاراً لمحاكمة محسن التاجر ولن يبرحوا أماكنهم حتى يتم الإفراج عنه. ففكر (الباليوز) في هذا الأمر ملياً وعندها قرر بسرعة الإفراج عنه كي يسلم على موقعه وحتى لا يقع في إحراج مع المسئولين عنه إذا تطور الأمر أكثر من ذلك وأثار انتباه الأهالي وتفاقمت المشكلة. وهكذا، بسبب خطة بن خميس وجرأته في عدم التهاون في حق أحد من أهل البحرين، استطاع الإفراج عن محسن التاجر».


وفي رواية أخرى ينقلها لنا عبدالأمير بن حسين بأن والده – حسين بن أحمد بن خميس - قال له إن جده بن خميس أهدى (جالبوته) الذي كان «يطوش» عليه أو يسافر به في الخليج طولاً وعرضاً وهو ملك زمانه؛ قد أعطاه بشكل مؤقت، في أواخر حياته، إلى بعض المعوزين يسترزقون عليه من البحر. وحتى لا تحدث مشاكل بين والدي وبين الناس ترك الجالبوت لهم، حتى يُبقي ذكر والده بن خميس طيباً بين أهل البحرين، فهو كان يبذل كل ماله من أجل الناس.


أما آخر الروايات، وليس آخرها، فهي على لسان علي بن حسين بن خميس منقولة بدورها من الحاج إبراهيم العصار. وهي تتحدث عن ترحيل الحاج أحمد بن خميس لأحد الأشخاص المؤذين لخلق الله بأفعالهم غير الأخلاقية في الديرة ولعلاقته بالوشاية لدى أحد الجبابرة عن وجود بنت حسنة الجمال عند بيت آل حسين. فخاف هؤلاء على ابنتهم من تلك الوشاية فأخفوها أولاً في بئر قديمة في منزلهم - أنظر الصورة - وعند ما جاء أزلام ذاك الجبار يبحثون عهنا لم يجدوها. ثم قام والدها - بخطة ذكية جداً - بتهريبها إلى تاروت بمنطقة سنابس بالشرقية. وللصدفة الزمنية أن سافر أحمد بن خميس للمنطقة الشرقية ذات مرة، وهو يعرف بيت آل حسين حق المعرفة، فتزوج هناك من فاطمة بنت أحمد آل حسين وهي تعتبر زوجته الثانية، ومن هنا حدث النسب والمصاهرة بين آل حسين وبن خميس.


--------------------------------------


أحمد بن خميس بين «نارين» قبل الرحيل


بدأت تجارة اللؤلؤ تحتضر في بداية الثلاثينيات في عموم الخليج، وذلك بسبب ظهور اللؤلؤ الياباني المستنبت في ذلك الوقت. وقد بدأت بوادر تلك المشكلة تؤثر على أحمد بن خميس ولكن بشكل خديعة تعرض لها وليس بتأثير مباشر لمرحلة الكساد في تلك التجارة. والسبب هو في شخص هندي هو سمسار اللؤلؤ الذي كان يتعامل معه بن خميس ويدعي «ناريان أو ناريّن»، فما هي قصة تلك الخديعة التي أفقدت بن خميس حوالي 700 ألف روبية من ثروته الكبيرة؟


في الحلقة القادمة: كيفية أفول قمر سنابس.


____________________


(1) الباليوز: صفة ولقب كان يطلق في الخليج على المعتمد السياسي البريطاني في تلك الفترة والذي يأتي في السلم الوظيفي السياسي البريطاني في المنطقة بعد المقيم السياسي البريطاني وهو من ينفذ السياسة الاستعمارية في الخليج في ظل منظومة الحماية البريطانية.


صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3079 - الخميس 10 فبراير 2011م الموافق 07 ربيع الاول 1432هـ

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع