شارك هذا الموضوع

قبيل غياب قمر سنابس اللؤلؤي

المحرق - محمد حميد السلمان


يبدو أن الصورة التي نشرت في الحلقة (21) من هذه السلسلة وتركنا بقربها رسالة لمن يرشدنا أكثر في التعرف على صاحب الشخصية التي تجلس على يسار تاجر اللؤلؤ والمجوهرات الفرنسي «كارتير»؛ لم تعد لغزاً ولا موطئ سؤال. فقد أوضحت عائلة المرحوم على بن إبراهيم الزياني - بتواصلها معنا - تعليقاً على موضوع الصورة وتأكيداً لما نشر مسبقاً في إصدارات أخرى، أن تلك الشخصية التي كانت تجلس على يسار «كارتير» واعتبرت لغزاً هي ليست كذلك. فإن صاحبها - وهناك إثبات بذلك سننشره الأسبوع القادم حالما يصلنا من العائلة الكريمة - هو بدون شك المرحوم تاجر اللؤلؤ المعروف في المحرق وفي جميع أسواق اللؤلؤ، الوجيه على بن إبراهيم الزياني وليس الحاج أحمد بن خميس كما ذُكر. ولذا وجب التنويه وكشف الحقيقة التي بقيت سنين تائهة بين أقلام الكتاب والباحثين، ولوضع النقاط على الحروف في هذه القضية بلا تردد.





من دفاتر أحمد بن خميس الثقافية



زودتنا عائلة أحمد بن خميس مؤخراً ببعض الإرث الثقافي لجدهم أو ما تبقى منه للأسف، وهي مجموعة كتب ودفاتر علمية وأدبية ودينية لم يتبقى من أصولها الشيء الكثير مع تقادم الأيام والسنين. ومن تلك الدفاتر دفتر «الجو» الخاص بأوزان ومقاييس اللؤلؤ الموسوم بـ «مجموع الدفترين المسمي بمرج البحرين» والمطبوع في (بمبي) العام 1304 هـ (1886 م). وقد تصدرته قصيدة جميلة معبرة جداً في مقدمته، وكان أحمد بن خميس يأنس بالاستماع لأبياتها قبل الخروج في مهنة الطواشة في اللؤلؤ. يقول كاتب القصيدة وكاتب الدفتر:





ما قلته مقدم دفتر «الجو»



الدر سبحان الذي قد صوره


مكنون في أصدافه في أبحره


رزق العباد وحلية لبوسه


أكرم بها من حلية مستفخرة


في لجة البحر العميق مقرها


في كل عام للأنام ميسرة


رزق لمخلوق إذا جا حينها


يتبادرون بأوجه مستبشرة


تركوا النعيم مع البنين لأجله


وسعوا بفلك للبحار ميسرة


انظر لحكمة حاكم في خلقه


تسعي البزاة لأجل رزق القمبره


فضلاً وجوداً من حكيم حاكم


يعطي ويمنع شدة مع ميسرة


قد وزعوه بكل جزء مفرداً


كل يباع بما حصاه وقدره


بالحب والمثقال في أوزانه


والضبط بالإكواء ثم الدّوكرة


بالإضافة لكتاب عن وفاة الإمام على بن أبي طالب(ع) قُرئ لأول مرة في مسجد سيد فلاح الذي - كما ذكرنا - اتخذه بن خميس مكاناً للقراءة الحسينية قبل بناء المأتم في سنابس. وقد سُجلت هذه العبارة خلف الكتاب: «إهداء إلى مسجد سيد فلاح 1294 هـ شهر صفر» وهو يوافق تاريخ 1877م أما الكتاب نفسه فقد طُبع العام 1817 في الهند. وكتاب آخر به قصص دينية من القرآن الكريم يبدو أن بن خميس كان مولعاً بها لدرجة احتفاظه بالكتاب طوال حياته وهو من مطبوعات العام 1886 م. أضف إلى هذا دفاتر حسابات وأوزان وأسعار اللؤلؤ لبن خميس شخصياً والتي كان يعتمد عليها في عمليات شراء وبيع اللؤلؤ في الأسواق الخليجية والهندية وبه تراكمت خبرة بن خميس في تقييم اللؤلؤ الذي يحصل عليه ويبيعه مكوناً ثروته التي عاش بها حتى وقعت الحادثة المفصلية والمؤثرة في مسيرة عطائه على المستوى المحلي والخارجي، وسنذكرها لاحقاً.





أعمال وعلاقات بن خميس المميزة في الوسط الاجتماعي في البحرين وخارجها



في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين تقدمت جماعة من الأهالي بطلب إلى الحكومة بأن تتولى جهة أخرى غير القضاة - بسبب بعض المشاكل - إدارة الأوقاف فتم تشكيل لجنة من كبار الشخصيات لهذا الهدف تكونت من ستة أعضاء من القرى - من بينهم الحاج أحمد بن خميس - وأربعة أعضاء من المدن من بينهم الشيخ محمد على التاجر، وقد أوكلت إلى هذه اللجنة مسئولية الأوقاف الجعفرية.


كما يذكر أن بعض أصدقاء الحاج أحمد بن خميس من كبار تجار اللؤلؤ والعقارات في البحرين قد أشار عليه أن يحتفظ بأمواله في ذلك الوقت في البنك الشرقي (ستاندرتشارتر بنك حالياً) منذ العام 1920 وكذلك في البنك البريطاني للشرق الأوسط (BBME) فيما بعد.


وهنا يشير علي حسين، حفيد الحاج أحمد بن خميس، أن جده كان وجيهاً وكانت له علاقات بكبار الشخصيات وكبار تجار اللؤلؤ ومنهم عمدة القطيف والأحساء تاجر اللؤلؤ محمد بن فارس، وفي البحرين عبدالرحمن القصيبي وأحمد بن ناس وسيد أحمد العلوي. وكانوا عادة ما يتبادلون الزيارات الودية بينهم في ديوانياتهم ويتواصلون معاً باستمرار، وقد وقف معهم في كثير من المناسبات كما وقفوا مع بن خميس في قصته مع الدانة التي ذكرناها سابقاً، وشهدوا لدى المعتمد البريطاني بأنه كان على حق في رفض دفع ضريبة مضاعفة عليها. وكذلك في أزمته الأخيرة التي سنذكرها لاحقاً. بالإضافة للأسماء المذكورة أيضاً، كان بن خميس على علاقة طيبه جداً بالقاضي الرئيس الشيخ جاسم المهزع، الشيخ أحمد بن عبد الرضا الحرز، الشيخ علي المدني والد سليمان المدني، والسيد إبراهيم كمال الدين أحد زعماء هيئة الاتحاد الوطني.


كذلك قرب أحمد بن خميس العلماء وكان يُجلّ قدرهم كثيراً، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر الشيخ أحمد بن حرز الجزيري، الشيخ عبد الله المصلي، ومن خارج البحرين الشيخ على آل حسان - وكما يذكر الحفيد علي بن حسين - فهو ينتسب لآل عصفور أيضاً من فرع القطيف. وكان على قدر كبير من العلم ومن أولاده عبد العزيز الشيخ علي من كبار كتاب البحرين ومن أفراد الحركة الوطنية في الخمسينيات وهاجر إلى الكويت وهناك تم تعيينه مديراً لمكتب مقاطعة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وبقي في الكويت حتى توفي. وكان يكتب في مجلة صوت البحرين التي أصدرها عبدالرحمن الباكر لفترة من الزمن.


كما كان على علاقة وطيدة كذلك مع القاضي الشيخ علي بن حسن آل موسى(1) الذي قدم من القطيف وأصبح قاضياً للقضاء الجعفري في السنابس والمنامة في الفترة من العام 1927م حتى العام 1940م، بمشورة وترشيح من الحاج أحمد بن خميس. وجاء ترشيح القاضي عندما كان المستشار البريطاني «بلغريف» يتردد على ديوانية بن خميس فطلب منه ذات يوم أن يرشح له قاضياً له سيرة طيبه ليتولى أمور القضاء في قرية السنابس ضمن حركة إصلاح وتنظيم القضاء في البحرين؛ إنقاذاً له من الأسلوب القديم غير المنصف للناس. فاختار له أحمد بن خميس القاضي الشيخ علي بن حسن آل موسى والذي كان يتواجد حينها في القطيف. ووافق الأخير على تلبية دعوة صديقه عندما حدثه بن خميس في احدي زياراته للقطيف عن هذه الأمر بحكم تلك العلاقة الوطيدة بينهما، و تولي أمور القضاء في السنابس. قدم الشيخ على آل موسي إلى البحرين في العام 1927م وجلس للقضاء في بيته الكائن في السنابس وقد أحسن بن خميس هذا الاختيار فقام آل موسى بوظيفته خير قيام وأدى خدمات جليلة لأهالي السنابس وبقية القرى المجاورة. ثم بعد مدة أرسل في طلب عائلته فجاءوا إلى البحرين في سفينة خاصة (جالبوت) أرسلها لهم بن خميس إلى ميناء دارين. وسكنوا جميعاً في قرية السنابس في البيت الكبير الذي بُني على ساحل البحر، وبقي الشيخ على آل موسي في قضاء السنابس مدة ثماني سنوات قبل نقله إلى قضاء المنامة.





أملاك بن خميس في البحر



بالإضافة إلى عمل أحمد بن خميس في تجارة اللؤلؤ إلا أنه كان ينوع من أعماله التجارية الأخرى بشراء بعض العقارات بين حين وآخر إما ليوقفها على الحسينية أو لتكون مصدر رزق للناس. ولهذا فقد أقام عدة حضور (مصائد السمك) في الساحل المقابل لسنابس وكذلك في ساحل سماهيج. فكانت (أم المالح والمغزار والرويسية) في ساحل سنابس. أما في سماهيج فقد كانت (العريضة والخويسة)، وكلها ضمن أملاك بن خميس البحرية الخاصة في سواحل البحرين.





في الحلقة القادمة: مراحل غياب قمر سنابس.



(1) القاضي الشيخ علي بن حسن بن الشيخ عبدالعزيز بن موسى التاروتي: من مواليد 1841 في جزيرة تاروت، ودرس في النجف الاشرف. تولى القضاء في تاروت نحو 36 عاماً. كانت له علاقة وثيقة بأحمد بن خميس. تزوج من باربار وسنابس وسكن مع أفراد عائلته بعد قدومه إلى البحرين في سنابس وله أحفاد فيها حتى اليوم. وبعد وفاة السيد عدنان الموسوي قاضي المحاكم الجعفرية في العام 1928م عينت الحكومة قاضيين أحدهما للمنامة وهو الشيخ عبدالله بن محمد صالح، والثاني هو الشيخ علي بن حسن ليكون قاضياً مسئولاً عن القرى، فهو يحظى باحترام كبير في أوساط الريف. وعندما عزلت الحكومة الشيخ عبدالله بن محمد صالح عن القضاء الشرعي بالمنامة قررت نقل الشيخ علي بن حسن آل موسى من قضاء السنابس وتعيينه قاضياً رسمياً بالمنامة العام 1935 على الأرجح، كما عينت معه للقضاء الشيخ علي بن جعفر أبو المكارم (القديحي). وبقي في القضاء بالبحرين حتى العام 1940.



صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3065 - الخميس 27 يناير 2011م الموافق 22 صفر 1432هـ

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع