شارك هذا الموضوع

وثيقة نادرة عن مأتم بن خميس

المنامة - فؤاد عيسى


بالإشارة إلى الحلقات الخاصة بتاجر اللؤلؤ المرحوم الحاج أحمد بن خميس ضمن سلسلة (رجال من زمن اللؤلؤ) التي يكتبها الباحث محمد حميد السلمان في (فضاءات) ملحق صحيفة الوسط الغراء، وددت أن أقول شيئاً للتاريخ: لحسن الحظ وقعت في يدي قبل أكثر من خمس وعشرين سنة وثيقة مهمة تستحق الدراسة لأنها تؤرخ لتأسيس مأتم بن خميس في السنابس، وكنت أتوقع أن الباحث السلمان سوف ينشرها في إحدى هذه الحلقات ولكنه لم ينشرها، ويبدو أنه لم يطلع عليها، فاضطررت أن أرسلها إليكم مع التعليق.


في البدء وفي الحلقة 13 ذكر السلمان ما يأتي: «أن أحمد بن خميس وهو في السابعة عشرة من عمره قام بتأسيس ملتقى ديني ثقافي اجتماعي وهو الحسينية المعروفة بـ (مأتم بن خميس) اليوم، وذلك العام 1877م – 1294هـ».


وفي الحلقة 15 ذكر أيضا الآتي: «وذات يوم وهو ينهي صلاته (أي الحاج أحمد بن خميس) خلف الشيخ أحمد بن حرز وكان صديقة أيضا أشار عليه الشيخ بن حرز بأن يقوم ببناء حسينية خاصة لإقامة هذه الشعائر بدلا من الاعتماد على إقامتها في المسجد فقط. واستمع الحاج أحمد لنصيحة الشيخ بن حرز فقام بشراء قطعة أرض من بيت آل ربيع وقطع من بيوت أخرى وذلك من أرباح تجارة اللؤلؤ، وعلى تلك الأراضي بدأ ببناء المأتم الذي عرف منذ أول يوم لبنائه بمأتم بن خميس، وكان ذلك في العام 1294هـ الموافق 1877م».


ويبدو أن السلمان للأسف لم يطلع على هذه الوثيقة لأنه كان يستند إلى الروايات الشفاهية فقط بخصوص موضوع التأسيس.


ومن جانبه يذكر الباحث عبدالله سيف في كتابه (المأتم) ج2 «وكان تأسيس هذه الحسينية (بن خميس) في العام 1860م» ص 78. ولكنه في موضع آخر قال «وكان أول مجلس حسيني أقيم في مسجد سيدفلاح القريب من بيت الحاج أحمد بن خميس ثم أشار الشيخ أحمد بن حرز على الحاج أحمد أن يقوم ببناء حسينية خاصة لإقامة تلك المجالس مما دفعه إلى شراء قطعة أرض من أصحابها آل ربيع وبناء المأتم عليها وذلك في العام 1877م الموافق 1295هـ على أرض مساحتها 470 مترا مربعاً» ص 78.


هناك اتفاق وهناك اختلاف. وربما هذه الوثيقة النادرة عن الوقفية سوف تحسم الخلاف إن لم يكن العكس. والآن لنتوقف على مضمون نص هذه الوثيقة قبل التعليق عليها وننقلها كما هي وذلك زيادة في التوضيح لأنها مكتوبة بخط اليد:


بسم الله الرحمن الرحيم


(قد اعترف أحمد بن المرحوم الحاج علي بن خميس أنه قد أوقف الحسينية التي بناها في السنابس مع ما فيها من أثاث وما لها من مداد وبئر وصحن وتوابع ولواحق وغير ذلك مع الدار التي في جنبها الجنوبي لإقامة تعزية الأئمة الأطهار محمد وآله عليهم السلام وقد اختار لنفسه الولاة مدة حياته ثم من بعده الولاة من ذريته الأصلح فالأصلح وان انقرضوا والعياذ بالله فللحاكم الشرعي وقد اعترف أيضا أن الحضرتين العشارية ولمطيرقة وقف ينفق حاصلها إلى القاري الذي يقرأ عشرة أيام محرم الأولية في الحسينية المذكورة اعلاه وقد اشترط لنفسه الولاة ثم بعده لذريته وان انقرضوا والعياذ بالله فللحاكم الشرعي وقد اعترف أيضا أنه قد أوقف الأرض التي عمرها بما عند ورثة السيدأحمد القلاف إلى مسجد سيدفلاح تعمر وتغرس فسيل وقد اشترط لنفسه الولاة على التعمير والغرس والتأجير ثم من بعده لذريته الأصلح فالأصلح وان انقرضوا والعياذ بالله فللحاكم الشرعي. حرر باليوم 12 ربيع المولود (أي ربيع الأول) سنة 1231هـ».


هذا هو نص الوثيقة بالحرف الواحد وهناك بعض الملاحظات عليها وهي كالتالي:


1 - كتب في أعلى الوثيقة الاعتراف الشخصي بالوقفية كالآتي: اعترف الواقف المذكور بما هو مسطور لدى خادم الشريعة أحمد بن عبدالرضا آل حرز (وفي أسفله دمغة خاتمه).


2 - في أسفل الوثيقة صحيح (توقيع) أحمد بن علي بن خميس وبصمته بالإضافة إلى أسماء الشهود وهم:


أ‌ - شهد بذلك الأقل يوسف بن علي بن حسن (وبصمته).


ب‌ - جاسم الحمد (ودمغة الخاتم).


ت‌ - الأحقر عبدالله إبراهيم المصلي (وفي الأسفل بصمته).


ث‌ - يشهد بذلك الحاج أحمد بن الحاج علي بن... (غير واضح).


ويلاحظ أن اسم الشاهد الرابع يتشابه مع اسم الواقف.


3 - خاتم العلامة الشيخ أحمد بن عبدالرضا آل حرز الذي صدق على هذه الوثيقة.


التعليق:


إن التاريخ المكتوب في الوثيقة 1231هـ كتب بخط واضح (ويوافق سنة 1815م) ولكنه لا يطابق التاريخ الذي ذكره السلمان وهو 1294هـ/ 1877م. وبناء على هذه المعطيات فإن هناك احتمالين: إما أن يكون هذا التاريخ صحيحاً في الواقع وإما أن يكون قد كتب بالخطأ من قبل الناسخ. فإذا سلمنا بصحته فإن عمر هذه الوقفية حوالي 200 سنة حسب التاريخ الهجري. وفي هذه الحالة لا يمكن أن يكون تاجر اللؤلؤ الحاج أحمد بن خميس (الحفيد) هو صاحب الوقفية لأنه من مواليد العام 1860م الموافق 1277هـ على وجه التقريب – حسب الرواية الأولى – أي أن الوثيقة المذكورة قد حررت قبل ولادته بحوالي 46 سنة، وفي هذه الحالة يكون الواقف الحقيقي للحسينية هو الحاج أحمد بن علي بن خميس (الجد) وليس الحفيد وهما متشابهان أيضا في اسم الأب واسم الجد، ولكن الذي يناقض هذا الكلام أن خادم الشرع الذي صدق على هذه الوثيقة هو العلامة القاضي الشيخ أحمد بن عبدالرضا آل حرز المتوفى في جدحفص (مقبرة الإمام) العام 1337هـ/ 1918م، أي أن هذا التاريخ يؤكد الرواية الشفوية التي يعتمدها السلمان.


ولكن من المعروف أن الشيخ أحمد آل حرز قد رجع إلى البحرين من (لنجة) في العام 1317هـ 1899م بعد إكمال دراسته في حوزة النجف الأشرف... أي بعبارة أخرى ان (مأتم بن خميس) قد تأسس بالفعل قبل أن يرجع الشيخ أحمد آل حرز إلى البحرين وقبل توليه القضاء في جدحفص (وكل ذلك حسب هذه الوثيقة).


ومن جهة أخرى، إذا افترضنا أن الحاج أحمد بن خميس (الحفيد) قد وقع على هذه الوثيقة في العام 1231هـ (1815م) فإن الفرق الزمني بين التوقيع على هذه الوثيقة وتاريخ وفاته (في العام 1941م) حوالي 126 سنة وهذا أمر مستبعد. ولكي يقوم هو بالتوقيع على هذه الوثيقة يجب أن يكون قد بلغ مبلغ الرجال أيضا وبذلك سيكون الفارق الزمني أكبر.


وإذا سلمنا بخطأ التاريخ المكتوب في الوثيقة 1231هـ فإن الواقف الحقيقي للحسينية المذكورة هو المرحوم الحاج أحمد بن علي بن خميس (الحفيد) كما هو مذكور في الروايات الشفوية.


ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي حقيقة التاريخ 1231 هـ المكتوب في أسفل هذه الوثيقة؟


إذا فرضنا أن الخطأ في التاريخ وقع من قبل الناسخ للوثيقة في المئتين بدل الثلاثمئة أي ان التاريخ الصحيح لتحرير هذه الوثيقة هو 1331 هـ الموافق 1912م وليس 1231 هـ كما هو مدون في أسفل الوثيقة فيصح بذلك أن الحاج أحمد بن علي بن خميس (الحفيد) هو الذي بنى هذه الحسينية (وكان عمره آنذاك حسب السلمان يناهز السابعة عشرة من العمر أي 1877م (على افتراض ولادته في العام 1860م حسب الرواية الأولى) ولكن في هذه الحالة فإن العلامة الشيخ أحمد آل حرز الذي أشار عليه ببناء الحسينية لم يرجع بعد إلى البحرين. والراجح أن البناء قد سبق الوقفية بسنوات عديدة حسب ما يستشف من الوثيقة أي أن للبناء تاريخاً وللوقفية تاريخاً آخر، بمعنى آخر إن تأسيس المأتم قد تم بتاريخ يسبق رجوع الشيخ أحمد آل حرز إلى البحرين وذلك حسب نص الوثيقة (قد أوقف الحسينية التي بناها).


وهنا يشار إلى أن الوقفية تم توثيقها رسميا في الطابو (إدارة التسجيل العقاري حاليا) بتاريخ 1364هـ/ 1944م أي بعد وفاة تاجر اللؤلؤ الحاج أحمد بن خميس يرحمه الله تعالى بثلاث سنوات كما هو واضح في هذه الوثيقة.


وهناك ملاحظة أخرى أن عمر الحاج أحمد حين وفاته كان يناهز سبعين عاما (حسب الرواية الثانية لأن وفاته في العام 1941م وفي هذه الحالة فإنه من مواليد العام 1871م) والبعض الآخر يذكر أن عمره يناهز ثمانين عاما تقريبا لأنه من مواليد العام 1860م حسب الرواية الأولى والله أعلم.


على كل حال سواء كان التاريخ المذكور في الوثيقة صحيحا أم لا فإن هذه الوثيقة التي يبدو أنها (يتيمة الدهر) قد نشرت على الملأ وأن كاتب هذه السطور ولله الحمد قد أدى الأمانة التي كان يحملها بحرص شديد على مدى ربع قرن من الزمان.


هذا ما لزم بيانه راجيا قبول جزيل الشكر والتقدير لكل من الباحث محمد حميد السلمان والصحيفة على هذا الجهد المتميز في سبيل توثيق (رجال من زمن اللؤلؤ) في جميع مناطق البحرين الحبيبة.



صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3051 - الخميس 13 يناير 2011م الموافق 08 صفر 1432هـ


( ملحق فضاءات )




 

التعليقات (2)

  1. avatar
    ولد السِّيف

    مهما يكن التاريخ ومتى يكون التأسيس ومن يكون المؤسس ووو فالحقيقة التي لا يصل إليها الشك بل وهي محفوظة باليقين وكما يقول الولي (روحي فداه)أطفئ السراج فقد طلع الصبح ؛؛ أنّ أنّ أنّ الحسينية عظيمة عِظَم الحسين عليه السلام وهي قرة عين الموالي البعيد والقريب وهي باقية بقاء الحق في دنيا الولاية ... وإن ابتعدت قليلاً عنك فقلبي مأسور بك لا يحيد ولا ينسى ولا يغفل ..فيك الطيبون ولك لله يعملون ...جف القلم!

  2. avatar
    سنابسي أصيل

    إن هذه الوثيقة والبحث الدائم حول شخصية الحاج أحمد بن خميس وحسينية الحاج أحمد بن خميس يتطلب همة كبيرة لكتابة بحث كامل حول الموضوع، خصوصا وأن هذا الرجل الشجاع كان يؤسس لمرحلة مقبلة ليس على مستوى السنابس وحسب، وإنما على مستوى البحرين والخليج بشكل عام، والبحث حول هذا الرجل يطول وأتمنى لو يتصدى أحد الباحثين من قرية السنابس أو من خارجها للبحث المستمر حول شخصية الحاج أحمد بن خميس وكتابة فصول حياته كاملة خصوصا وأنه كان يتردد على /" دارين /" تاروت حاليا في المملكة العربية السعودية، وحسب نقل بعض الأشخاص في تاروت فإن هناك مسجد بناه أحد المحسنين البحرينيين ويسمى المسجد بمسجد الخميس أو بن خميس .. كما أننا قرأن في حياة الرجل بأنه اشترى بعض اللآلئ الغالية من تاروت مما يدلل على أن للرجل حركة بين البحرين وبين تاروت، كما لاننسى بأن في تاروت منطقة تسمى سنابس وهذا كله يحتاج إلى بحث واهتمام كبير .. فأتمنى من كل قلبي البحث في حياة هذا الرجل العملاق ..

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع