شارك هذا الموضوع

خذ مهـري واصرفه على عزاء أبي عبدالله الحسين

رجال من زمن اللؤلؤ - (16)


عندما قالت زوجة حسين بن خميس: «خذ مهـري واصرفه على عزاء أبي عبدالله الحسين»
المحرق - محمد حميد السلمان


أشرنا في الحلقة السابقة من سلسلة تاجر اللؤلؤ والمصلح أحمد بن خميس إلى أنه أقام مشروعه الديني الذي كان يحلم به وهو المؤسسة الحسينية التي أطلق عليها «مأتم بن خميس» بمنطقة السنابس في نهاية القرن التاسع عشر للميلاد. وتدريجياً تطورت هذه المؤسسة وبذل فيها الحاج احمد بن خميس في زمانه الغالي والنفيس وما يملك وكذلك فعل أبناؤه وأحفاده من بعده حين تسلموا إدارة الحسينية في سبيل أن تستقطب هذه المؤسسة الدينية الاجتماعية أشهر وأكثر خطباء المنبر الحسيني كفاءة وشهرة في الخليج سواءً من العراق أو الأحساء أو البحرين، نذكر قسماً منهم على سبيل المثال لا الحصر: الملا خضير، وهو عراقي وكان يدفع له الحاج أحمد 14000 روبية وهو مبلغ ضخم بمعايير ذلك الزمن، الملا داوود، الملا جاسم أبوحلق الذهب، ملا منصور، الشيخ حسن الشخص، وملا منصور الشجار، الحويمر، سيدمحمد حسن آل ياسين، ملا أحمد بن رمل، الشيخ عبدالوهاب الكاشي، الشيخ فاضل المالكي، السيدجاسم الطويرجاوي الكربلائي، الشيخ باقر المقدسي، سيد جاسم الموسوي، ملا أحمد بن ناصر المعلم، ملا حسن بن سهوان، سيدعلي آل ياسين، سيدحسين السويجي، ملا عيسي المصلي، وغيرهم من كبار الخطباء وخدمة المنبر الحسيني.


وذكرنا أن الشيخ باقر المقدسي بدأ في البحرين بقراءة مجالسه الحسينية في مأتم بن خميس منذ العام 1965 وذلك حرصاً من حسين بن أحمد بن خميس على رفد المأتم بأفضل الخطباء جرياً على عادة والده. واستمر المقدسي لثلاثة مواسم عاشورائية لا يقرأ إلا في هذا المأتم حتى العام 1967- كما توضح الرسالة – فقد كان آخر مواسمه بعد أن اتفق مع إحدى الحسينيات في قطر.


المقرئ عبدالوهاب الكاشي أو الكاشاني: بدأ مواسمه الحسينية في البحرين بمأتم بن خميس بعد المقدسي مباشرة كما تذكر شهادة دخوله البحرين الصادرة من دائرة الهجرة والجوازات لشرطة حكومة البحرين (انظر المرفق برقم 730/67 –فبراير 1967). وكان المقرئ الكاشي في حوالي السبعينيات من عمره عندما وصل البحرين إن صح العمر التقريبي الذي كتب في شهادة الدخول. وقد كتب تحت تلك الشهادة عبارة «مهم: إن هذه الشهادة لا تخول حاملها دخول البحرين بل يجب تبديلها بتأشيرة دخول البحرين من قبل أية سلطة بريطانية مرخصة لإصدار التاشيرة». وبقي الكاشي يقرأ في مواسم عاشوراء لمأتم بن خميس مدة لم تبين الوثائق مداها تسلم في أحد مواسمها العام 1969 مبلغ ألف دينار عراقي عن خمسة مجالس فقط حتى الثمانينيات من القرن العشرين كما تثبت الرسالة الموقعة باسمه.


المقرئ السيدجاسم السيد بن السيد عبدالموسوي: بدأ القراءة في مأتم بن خميس منذ محرم 1390 (1970) واستمر لموسمين آخرين، وفي محرم 1392هـ (1972) وقع اتفاقاً جديداً للقراءة لخمسة مجالس فقط بمبلغ 550 ديناراً عراقياً وأقر الخطيب بأنه لا يجوز أن يقرأ عند غيره كما تذكر الوثيقة التي وقعت باسمه وشهد عليها الحاج محمد علي المرهون. ولشدة إعجابه بأهل البحرين وما شاهده من حسن الضيافة والاستقبال والتجاوب معه وللصلة الروحية التي ربطته كما يبدو بمأتم بن خميس بالذات فقد كتب قصيدة طويلة في العام 1970 عن المأتم وعائلة بن خميس كتبها نسخها بخط يده ملا جعفر بن عبدعلي بن الحاج ناصر آل صادق علي.


كما اشتهر مأتم بن خميس، قبل أن تظهر فتوى بمنعه، بأطول سلسلة عزائية (القامة) أو الحيدر كما اصطلح عليها في البحرين وأهمها تأثيراً بين مآتم القرى والمدن. وكذلك التمثيل والتشبيه لمأساة كربلاء مسرحياً على أرض قريبة من المأتم كان يتقاطر إليها القاصي والداني من داخل وخارج البحرين ليشاهدوا عصر يوم العاشر من محرم تجسيد مأساة كربلاء الدامية لآل البيت وهناك كان يحدث تفاعل غريب بين الحضور والمجسدين مازالت ذكراه ماثلة في أذهان العديد ممن حضرها في تلك الفترة من الخمسينيات والستينيات حتى مطلع السبعينيات من القرن الماضي.



--------------------------------------------------------------------------------


إدارات مأتم بن خميس


أثناء حياته قام المؤسس الحاج أحمد بن خميس (1860- 1941) ببناء وتمويل وإدارة المأتم حتى وفاته، وقد ترك الحاج أحمد وصية تتعلق بكيفية إدارة الحسينية، سيأتي ذكرها عند الحديث عن آخر أيام بن خميس العامرة بالأحداث.


بعد وفاة المؤسس تحولت العائلة من حال الثراء إلى الإفلاس بسبب ما حدث لأحمد بن خميس من أزمات مالية في أواخر أيام تجارة اللؤلؤ والكساد العظيم الذي أصابها ثم الاحتيال الذي تعرض له بن خميس مع وكيله دلال اللؤلؤ الهندي - كما سيأتي ذكره لاحقاً. لذا فعندما خلفه ابنه الثالث حسين في إدارة المأتم وتمويله العام 1941 وحتى وفاته العام 1972م، تم في هذه الفترة استقبال التبرعات الطوعية. إلا أن تلك الموارد المالية لم تكن في أحد الأعوام تكفي لتوفير حتى الطعام للمعزين يوم العاشر من المحرم. ففكر حسين بن خميس - كما يروي ابنه علي - «في إرسال العم مهدي إلى أحد الدكاكين الواقعة آنذاك شرقي مدرسة الخميس طالبا منه كمية من الرز والماش على الحساب، ولكن صاحب الدكان قال له ساخراً: «إذا كان أخوك ليس لديه المال فالأحرى به أن لا يفتح حسينيات، رافضاً أن يبيعه على الحساب أي شيء. ولما رجع إليه عمي مهدي بهذا الخبر أصاب والدي هم كبير من هذا الرد غير المتوقع، وعاد إلى البيت حزيناً لما آلت إليه نفوس بعض الناس. لاحظت ذلك زوجته أم علي (فاطمة بنت الشيخ علي آل درويش) وسألته عن سبب حزنه فقص عليها الخبر، فقامت من حينها وفتحت صندوق ملابسها وأخرجت صرة من المال أعطته إياها قائلة: «هذا هو مهري ثلاثمائة روبية، قم واصرفه على عزاء أبي عبدالله الحسين ولا تحمل هماً».


وفي فترة إدارة حسين بن أحمد في عامي 1965 و1966 تعرضت الحسينية لمضايقات ومحاولات لإبعاد الناس عنها والتعرض لموكب بن خميس بإلقاء الزجاج والحصى عليه أثناء مروره ولكن هذه المحاولات - يضيف علي - باءت بالفشل بفضل الصبر والصمود وتوفيق من الله وبركات أهل البيت (ع). وكذلك تمت محاولات لتغيير اسم المأتم لكن دائرة الأوقاف الجعفرية عارضت ذلك.


بعد وفاة الحاج حسين بن أحمد بن خميس العام 1972 تولى إدارة المأتم السيدعبد الله الشرخات وفي عهد تلك الإدارة تم لأول مرة إدخال أجهزة التكييف الحديثة العام 1974. وفي العام 1977م تسلم إدارة المأتم علي حسين بن خميس ومحمد علي مرهون وتم تشكيل مجلس إدارة لأول مرة وكان بالتزكية بحيث تم اختيار شخص من كل عائلة بالإضافة إلى ممثلين عن شباب الديرة.


في تلك الفترة التي اتسمت بعدم الاستقرار السياسي، تعرضت الحسينية لعدة مضايقات ومنها أنه تم إلزامها بطلب تراخيص كلما كان هناك حاجة لخروج موكب عزاء، وفي ليلة إحياء ذكرى الإمام الجواد (ع) العام 1983 خرج موكب العزاء كالعادة، وفي اليوم التالي، وكان يوم خميس، أُخطِرَ المأتم من قبل مركز الخميس بذلك فتسلم ذاك الإخطار المرحوم عبدالرضا حسين بن خميس، فتطوع بالتوجه إلى مركز الشرطة لاستطلاع الخبر- دون علم الإدارة بذلك - وهناك تم إبقاؤه قيد الاعتقال بتهمة إخراج مسيرة دينية غير مرخصة. ولما علمت الإدارة بذلك - مساء الخميس - ذهب شقيقه إلى المركز لمعرفة سبب احتجاز عبدالرضا. وهناك أُخبر بأن عبدالرضا «أقام له مأتماً بدون ترخيص». فرد عليه علي قائلاً: «إن المأتم مرخص منذ أكثر من مئة سنة، وأنا المسئول عنه وليس عبدالرضا». وفي يوم السبت اجتمع الشيخ إبراهيم آل خليفة بإدارة الحسينية التي بينت له أن خروج الموكب أمر عادي كالسابق كما أن لدى الحسينية تفويضاً من (الكولينيل رايت) منذ الستينيات بأن باستطاعة الحسينية تسيير المواكب الدينية متى تشاء. لكن الشيخ إبراهيم أوضح للإدارة آنذاك «بأننا اتفقنا مع العلماء على أن تقتصر المواكب على عاشوراء والأربعين، وفاة النبي والإمام علي فقط». فردت الإدارة بأن حسينية بن خميس لم تحط علماً بهذا التغيير كما أنها اعتادت تسيير المواكب في كل وفاة. وفي نهاية الموقف تم إطلاق سراح عبدالرضا بعد أربعة أيام بعد أن وقعت إدارة الحسينية على تعهد بالالتزام بهذا القرار وإذا خرجت مواكب بخلاف المناسبات المذكورة يجب التقدم للحصول على ترخيص جديد في كل مرة.


وازدادت المؤامرات على المأتم وكان آخرها محاولة تغيير اسمه إلى «مأتم السنابس الشمالي» العام 1981، ولكن - كما يقول علي بن خميس - القاعدة الشرعية تنص على أن الوقف على ما أوقف عليه، ولذا لم يفلحوا في ذلك وعاد الاسم كما كان. كذلك اختفت كل المخطوطات التي كانت بالمأتم، كما اختفى القرآن الكريم الذي أقسم عليه أعضاء هيئة الاتحاد الوطني ليلة تأسيس الهيئة في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1954، ويشهد عبدالأمير بن حسين بن خميس على ذلك وأنه شاهد ذلك القرآن عندما كان في المأتم قبل اختفائه فجأة. ولم يتم العثور على ذلك القرآن حتى الآن مع أن الحفيد - علي بن خميس - قد أعلن أنه مستعد لتقديم أي ثمن لاسترجاع ذاك المصحف التاريخي.


وفي العام 1987م تسلم إدارة المأتم عباس بن حسين خميس وتم تشكيل إدارة جديدة من الشباب، كما انتُخب مجلس إدارة آخر في العام 1995. إلا أن أحداث التسعينيات العاصفة والتي أدت للعديد من التوترات السياسية والأمنية جرت على المأتم الكثير من المضايقات والإشكالات وتخريب أجزاء منه، كما أدت لغلق أبواب المأتم أكثر من مرة وصلت مدة الإغلاق في إحداها إلى حوالي تسعة أشهر خصوصاً فيما بين 1997-1998. وفي تلك الفترة ألقى العلامة الشيخ عبدالأمير الجمري كلمة في مأتم بن خميس مطالبا فيها برفع الظلم وإلغاء قانون أمن الدولة وإطلاق الحريات العامة والتحقيق في جرائم القتل والتنكيل وفتح أبواب السجون والمعتقلات. كما تم في تلك المرحلة أيضاً مضايقة آل خميس وإبعادهم من المأتم وتسليم المأتم لإحدى الجمعيات. وفي نهاية المطاف أعيد افتتاح المأتم بتاريخ 1/ 3/ 1998 ولقد صادف ذلك ذكرى مولد الإمام الرضا (ع).



--------------------------------------------------------------------------------


أملاك وأوقاف مأتم بن خميس


يتفق معظم أفراد بن خميس الذين ارفدونا بمعلوماتهم أن الحاج أحمد بن خميس أوقف على المأتم الأملاك التالية:


1 - ثلاث حظرات بحرية (مصائد أسماك) في السنابس هي أم المالح والمغزار والرويسية وحضرتان في بحر سماهيج هما العريضة والخويسة. ولقد ضاعت هذه الأملاك البحرية بعد عمليات دفن الشواطئ، بسبب عدم قيام إدارة الأوقاف الجعفرية بتسجيل هذه الأملاك، على الرغم من قيام الدائرة بتضمينها وتسلم الإيجار.


2 - الدالية الملاصقة لبيت الحاج أحمد بن خميس وقد تم إنشاء فيلا على قطعة الدالية العام 1978م وتأجيرها. وفي العام 1988م تم بناء شقة فوق الفيلا وتأجيرها وتم إنشاء (كراجات) عشوائية بها واستثمارها.


3 - في جزء آخر من الدالية ومن جهة الغرب تم بناء بيت لاستخدامه مخزناً ومطبخاً وفي جزء منه سكناً للخطباء وذلك العام 1977م. ولاحقا تم بناء شقق في الجهة الشرقية وذلك العام 1986م.


4 - على رغم أن الحاج أحمد كان قد أوقف الأرض التي تم بناء دكاكين بها وروضة أطفال وشقق على بعض من أولاده، إلا أن الناس تعارفت على كون الأرض تابعة للحسينية ولذا فقد أحجم أولاده عن المطالبة بها رغم نص المحكمة على كون الأرض وقفاً لهم. وتم إنشاء دكاكين و(كراجات) في هذه الأرض وتأجيرها العام 1967م. وفي 25 ديسمبر/ كانون الأول1984 عقد اجتماع بين إدارة المأتم آنذاك وهما (علي حسين خميس ومحمد علي مرهون) ومجلس إدارة الأوقاف الجعفرية برئاسة صادق البحارنة لدراسة إمكانية استثمار المساحة الشاسعة من الأرض (200x200 قدم) وفعلاً تم الاتفاق على أن تقوم الأوقاف الجعفرية بإنشاء عمارة واسترجاع ثمنها من الإيجار على أن يعطى للحسينية نسبة من الإيراد يتفق عليها بعد السنة الخامسة، ولكن الحسينية لم تتسلم أي شيء من الإيراد حتى الآن كما يقول علي بن خميس.


5 - أوقفت المرحومة زهرة بنت الحاج علي البغل البيت الكائن غرب الحسينية والذي يستخدم حالياً مطبخاً لإطعام المشاركين في مواكب العزاء. مع العلم بأن البيت هذا مازال في حاجة إلى تسجيل.


6 - أوقف الحاج أحمد الساحة الواقعة غرب المأتم عليها وقد قام ابنه حسين بشراء جزء منها حيث أقام عليها حسينية للنساء.


7 - أوقف المرحوم الحاج عبدالله الاسكافي بيتاً للحسينية وقد كان آيلاً للسقوط وتم هدمه.


أقامت إدارة الحسينية السابقة برئاسة علي حسين خميس ومحمد علي مرهون دعوى في العام 1985، تطالب باستعادة أرض (الجوبار) في ساحة بر الخميس، ولقد كسبت الإدارة القضية في 13/ 4/ 1987، ولكن تم استئناف القضية من قبل المدعى عليه، وتجميدها فترة طويلة، ولكن تم أخيراً البت برفض الاستئناف وصدور الحكم نهائياً في 18/ 6/ 2003 بملكية مأتم الحاج أحمد بن خميس لها.


ولمأتم بن خميس حكايات أخرى سنأتي عليها حين تتمة الحديث عن تاجر اللؤلؤ أحمد بن خميس.


 



صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3023 - الخميس 16 ديسمبر 2010م الموافق 10 محرم 1432هـ

التعليقات (3)

  1. avatar
    مأجورين

    لا أنسى أن السيدجاسم الطويرجاوي الكربلائي في كل محظر ومحفل ومجلس يذكر هذه الحسينية بالخير ويدعوا لهم بالتوفيق حتى ان أحد رواد هذه المجالس سأل السيد هل أنت متزوج من السنابس او متزوج من هذه العائلة قال لا ولاكن لي علاقة بهم خاصة وهم أهلي لأني كل مادعيت في البحرين هم يحتظنوني لا بالأيدي بل يحتظنوني بالقلوب والانفس

  2. avatar
    sanabise

    لماذا الجريده تأخد كلام شخض واحد؟ ألا يوجد إحتمال لوقوع خطأ في سرده؟ ونحن نعلم ان بني آدم خطاؤون ونساؤون!! ولماذا القصه بكاملها تتكلم عن حسين بن أحمد بن خميس؟أين أخوته؟ أبناء عمومته؟أعمامه؟ المقالات الإسبوعية لم تستهويني،لما يوجد بها من علامات إستفهام كبيره!؟

  3. avatar
    إبن حسينية بن خميس

    أخي سنابسي حسين بن أحمد بن خميس : صفحة مشرقة في تأريخ الحسينية العريق لذا ما المانع من ذكره ! يكفي أنه حلقة وصل بين والده وأبنائه وله فضل نقل هذا التراث العريق ! ثم دعني أسئلك : إذا اردت تتكلم عن شخصية في حسينية أو عائلة أو نادي أو دولة ولك ما شئت .. من تذكر ؟! أليس صاحب الفضل وكبير القوم !! اذا عندك علامات استفهام قم بكتابتها للصحيفة وللكاتب ..

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع