شارك هذا الموضوع

سياسة العولمة إلى أين؟!

وراء كل حقيقة دعوة... والذي يكشف الحقائق، يسعى دوماً وراء إبداء فكرة جامدة، متأصلة من دوافع ذاتية، تكون مقولبة بشكل أو بآخر لظروف موضوعية معينة، سواء كانت هذه الدعوة في خدمة البشرية أو في خدمة قطاع خاص أو شريحة معينة في شرائح المجتمع.


والمتتبع لأحداث التاريخ، يحدد على مر الزمن نوع من الأطروحات والتي تناسب من حيث وقتها وزمانها مستجدات قضيتها وأيديولوجية حضارتها المتقدمة آنذاك فكل حضارة لا بد لها من إطار خاص بها وفكرة تؤمن بها، وعقيدة تسقيها نحو الالتزام بمبادئ، تصنع حضارتها وتقدم لمجتمعها أفضل الوسائل للرفاه والتقدم.


لم يكن هناك يوماً تكافؤ قوى على الصعيد العالمي لاختلاف الموازين والمقاييس تبعاً للظروف التي تمر بها كل أمة وعلى كافة الأصعدة سواء الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية وغيرها...


لكن في المقابل نرى تحدي لبعض القوى، والتي تحاول استعباد الطرف الآخر كي تكون هي الأقوى والأحسن بين مثيلاتها في المجتمع الدولي.
إن ما يعانيه مجتمع اليوم لهكذا نوع من الإحباط والمؤامرات يجعلها مصيدة وفريسة دائمة، لمن يسير كغابة من الأطراف المتآمرة.
انتهاك حرمة شعب ما، واستغلال مواهبه، وإنجازاته هي مؤامرة قديمة، لم تستحدث في هذا الزمان فحسب، وإنما كانت ولا زالت منذ العصور القديمة.


لكننا الآن لسنا بصدد طرح المؤامرات واستفحال الأساليب المتكررة في كل عصر، إنما المراد طرحه... هو أن عالم اليوم يخضع لمطبات فكرية هي أخطر ما تكون على واقع الإنسان وأسلوب معاملاته، بحيث تجعله ينساق لأطروحات... وتيارات مجردة تجريداً تاماً عن كل القيم، والمبادئ التي يؤمن بها و أيضاً لها دور في صياغة شخصيته التكوينية.


ثم ماذا؟:
ليس ضرورياً أن يتبنى الإنسان ثقافة معينة، لكن مطالب بأن يعي ثقافة عصره وثقافة كل العصور، انطلاقاً من أن الثقافة هي شجرة غائصة في أرض الزمن جذراً وفروعاً، ومرتبطة الآفاق مع سماء العصور، فإن ذلك يعني الاقتدار،


إن الانفتاح الفكري، لا يمكن أن يكون انفتاحاً على مرحلة واحدة ثم يغلق نوافذه بتجمد... إن الفكر دائم التجدد ودائب الاندفاع وهو في كل مشرق شمس يحمل إلى العالم مزيداً من الطهر ومزيداً من السمو... وأن الإنسان العقائدي مطالب وبلا هوادة بأن يعيش في قلب عصره كل العصور في وقت واحد.


إن الهيمنة الثقافية الجديدة والتي تجتاح عالم اليوم تتعدى كونها، هيمنة عفوية وإنما هي هجوم من نوع مرحلي يتميز بنقلة نوعية ثقافية متفاوتة وذات أبعاد متمايزة مستقلة وذات قوة واحدة.


العولمة هي إحدى مظاهر الهيمنة فهي في أسلوبها المبرمج والدقيق والذي  لا ينفصل عن الاستراتيجية العالمية الحديثة، لما لها من ردود فعل إيجابية وسلبية في آن واحد.


كثيراً ما يظهر... وعلى واجهة الأحداث، آراء متضاربة ومتناقضة أحياناً، حول مدى انفتاح العالم - الانفتاح العولمي- ليس فقط على المستوى الثقافي والفكري بل وحتى على المستوى التكنولوجي المتطور.


مدى تأثير الآلة الميكانيكية، واكتساح هذا النمط المتفاعل وبقدرة اختراق عالية، لإحداث ضجة عالمية ذات تأثير متواصل، على وسيلة التطور من جانب والعقلية الموضوعية، والتقدم الثقافي من جانب آخر.


ويقتضي الحديث هنا... ومما ينبغي الإشارة إليه... إلى أن المجتمع خاضع إلى سوق عالمية وفق ديناميكية متحررة خاضعة لمعايير سياسية وثقافية وذات سيطرة خارجية لا يقودها إلا إلى طريق مسدود لا محالة، بحيث تعيش شروط تضعها الأطراف المتبنية لهذه الأسواق والراضخة بدورها للهيمنة الدولية الراهنة.


هناك من يعتبر نفسه على حق، ويتصور أن التقنية المتطورة الحالية المندمجة مع العقلية البشرية الآنية قد تكون هي البديلة لتحل محل الوسيط العالمي والذي له الفضل الأكبر لخروج الإنسان من دائرة النمط المتخلف  والمتمثلة بدول العالم الثالث، إلى حالة التعايش والتسالم الموضوعيين وبمعزل عن كل المقومات المفتعلة من شأنها هلاك الإنسان ودماره.


هناك من يدافع عن سياسة العولمة، لأنها تقدم فرصاً يمكن إذا استغلت أن تخرج المجتمعات العربية في حلقة التخلف والقهر والاستبداد، وهناك من يقف ضدها بوصفها أداة جديدة للهيمنة الدولية.


لا بد من القول في أن هذه الرؤية تضع القارئ أمام الواقع المحض، وذلك ينعكس إيجاباً على مدى ردود الفعل العالمية، التي تشير إلى مستوى الأداء البشري والتي جاءت نتيجة عمل جماعي متواصل إلى حد ما.
فالعولمة تعتبر أمر ضروري فعال للمجتمعات التي لا تنفك عن الالتزام بالوسائل المتطورة أو اعتبارها أمر لا بد منه في الحياة العملية، فهي من غير الممكن وفي حدود تصورهم هذا عدم الأخذ بنظر الاعتبار، تقنيات العولمة، واعتبارها ضرورية لتقدمهم وضمانة لنجاحهم الاقتصادي والثقافي...


لأنهم يفرضون على أنفسهم ولو إلزاماً حالة التأقلم مع تلك الآليات، واعتبارها من أساسيات الفاعلية... والإبداع... والسلوك.
بدون ضرورة الانخراط بالعولمة واعتبار الدعوة لها أمراً موضوعياً محضاً لا خيار للبشرية فيه، حتى و إن إنعدم الموقف المواجه.. متغاضين عن حقيقة ثابتة في أنه لا بد من تبلور الاستراتيجية الفكرية قبل العوم في ظلمات هذه العولمة.
ما هي العولمة؟!:


العولمة هي مبدأ أيديولوجي ذات طابع فكري، أم قيم موضوعية متمثلة في ظواهر مادية بحتة ينطلي عليها طابع الوعي الثقافي والاجتماعي، منساقة إلى مفاهيم أخلاقية تخص سلوك الإنسان الحالي...


أم أنها نزعة ذات اتجاه واحد ومحور واحد تدعو إلى التحرر، وتوجيه الأنظار إلى تكوين أسرة عالمية واحدة وعدم الاعتبار لاختلافاتهم اللغوية وغيرها...


مع كون السيادة من طرف واحد ومع الاحتفاظ بكافة المزايا سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية والسياسية.


أم أنها منهل ليبرالي اقتصادي بحت همه هو سيادة العالم... باعتباره منهج فكري معرفي.


مع كل هذه التعابير والتعريفات... تبقى العولمة في النظرة المحايدة... هي محاولة لتشكيل حلقة متصلة من الرؤى الجديدة والمختلفة تماماً نحو العالم والنظر إليه ككل واحد، وتجعله -أي من العالم- في أن يكون مفتوحاً مع بعضه ومتداخلاً بين أطرافه ومتقارباً بين أجزاءه هذا مع العلم أن العولمة فتحت أمام العالم طرقاً متعددة ومفتوحة للوصول إلى آفاق التقدم والمعلوماتية بحيث لم تعد هناك أي مشكلة كما كانت سابقاً وبالاخص لدول العالم الثالث.


هذا هو واقع الحال في جميع الميادين الاقتصادية والسياسية والتقنية، وحتى الفكرية.


لكن أين تكمن الخطورة؟!:
كثير من المعضلات الاجتماعية والتي يشكل الانفتاح عرضاً من أعراضها، ليس لها خصائص عامة ذات ارتباط مباشر بالانفتاح، كذلك فإن تلك المعضلات العصيبة لا تستجيب للنتائج المستعصية والتي تخلفها، ربما توصف عادة، كمرض عضال يعيب أعضاء البشرية وبالتالي يؤدي إلى الانحطاط والفناء الحتمي.
لا ريب في أن الأيديولوجيات المعاصرة في ظواهر اجتماعية بحتة، والصعوبة فيها بأن يكون لها دورها التاريخي وعلى مر الأزمان.
فاقدة كل خصوصياتها، وبالتحديد مكانتها الحقيقية في قلب الثقافة المعاصرة.


لأنها اعتمدت على أسس وبديهيات سطحية لا غير، وأحدثت تبايناً ثقافياً، وشرخاً واسعاً ذا طابع جوهري، بين عقيدة الإنسان وطبيعة علاقاته مع خالقه، ومع التكوينات الطبيعية التي حوله، ونحن الآن في مواجهة هذا الموقف العقيم، لا بد من سبيل لتطوير الأسلوب البديل عن المنهج، للخروج من مأزق تاريخي أحكم عليه بالتخلف والتدهور، وأن نكون بمثابة المواجهة، وأنه ليس ثمة بديل عدا أن نخرج من قوقعة الخداع والوهم إلى عالم السيادة الواقعية حتى تشمل مواجهتنا جميع أوجه الحياة الاجتماعية.


ولا بد أن ندرك أن واقع الاندماج ضمن هذا النظام لا يقوم على أساس التناقض في الأقوال والأفعال كما هو قائم اليوم في ميزان القوى والأنظمة السياسية المتسلطة، لأنها تجدها دعوة يتعذر تنفيذها، نظراً للظروف والشروط المفروضة والقائمة حالياً.


ثم لا يرى الجميع أن القيم والأساليب الثقافية المستجدة قد تحولت إلى طقوس فارغة المحتوى غير جديرة بالثقة في نظر الشعوب، التي تعيش القيود الحديدية.


كيف تكون المواجهة؟:
علينا أن نتعامل مع الظاهرة العولمية الثقافية من موقف التفاعل الحضاري المستجد، لتطوير أسلوب المنهج المتبع، لا على حساب القيم والمبادئ الاجتماعية الثابتة، التي يتبناها خطنا الإنساني الإسلامي السليم.


وإنما أن نفتح الأبواب، ومن الجهة المحددة لها كي لا تكون دعوة نشطة داخل وضمن برنامج ثقافتنا حتى لا تقع في فخ العولمة وثقافتها.
والذي يدعو إلى الوقوع في هذا الفخ، هو غياب الوعي، وانعدام العنصر التربوي والفكري والذي يعتبر من أساسيات المواجهة.
إن نمتلك فكراً، ناقداً، مبدعاً، بناءاً يوازي أو يفوق الفكر المواجه أو المعاكس لفكرنا الأصيل، وأن نكون بمستوى التعامل والنشاط، ومن جهة وجهة نظر فكرية غير سقيمة.


مع انعدام كل الفجوات في مصداقية تعليمنا وتعاملنا واستأثر بالحديث عن الخطر، ومن دون الركون إلى الكوارث التي تعتبر كالاغوال التي تنقض كعيناً حمراء ومخالب ذابحة لتضع حداً لنهاية التاريخ.


سر الخطر يكمن هو أن الغرب، ينظرون إلى الإنسان كسلعة استهلاكية، وبالأخص المرأة نموذج وإعلاناً لتسويق منتجاتهم ونماذجهم العالمية دون النظر إلى أنها كائن، ذو مواهب وقدرات من الممكن، إذا  استغلت أن تخرج منها برؤية ومنظار مستقبلي سياسي.


نموذج المرأة، هو سر الأزمة التي نعاني منها وسر الانهيار الكامن في العالم، استخدام هذا النموذج وتعميمه على عالم اليوم، وفرض الاتجاه الواحد، والثقافة الواحدة، والتصورات الواحدة، ومن هنا يظهر الخوف على الهويات والثقافات والأخلاقيات وغيرها.


فلا بد إذن من تطوير الاستراتيجية العامة لمواجهة هذا التحدي
وبكافة أبعاده دون اللجوء إلى الرفض التام والسلبي لهذه الدعوة.


تحديات المرأة المعاصرة:
إن ما يشمل تحديات المرأة المعاصرة لهذه العولمة في أنها أصبحت أكثر تعليماً وثقافة وتدريباً في كافة مجالات الحياة، وبالتالي، تغيرت نظرتها إلى ذاتها وأدوارها ومستقبلها، فلم تعد تقبل بالأدوار الضيقة، أو المحدودة لها، أو تقبل بالنظرة التقليدية والقديمة حولها.


إن هذا التحول في تفكير المرأة جعل الأطراف المحيطة بها، تهتم محاولة منها لتخفيف من حدة الكارثة المحدقة بالمرأة.. إن حصانة المرأة لنفسها، واستيعابها لدورها التاريخي والاجتماعي، يحد بدوره مكانتها ويعطيها الرونق اللائق في حياتها العلمية والعملية تمسكها بمبدئها، وعقيدتها، والدعوة للمحافظة على كيانها، ضمن وجودها في المجتمع الأسري هو أحد المواجهات، التي تتدرع بها المرأة كي تواجه الاعتداءات الفعلية، وتحل كل التناقضات الفكرية، وتضع حداً لاختراقات الآخرين
لحدودهم.


ومما لا شك فيع أن عالم التكتلات والكيانات سواء سياسية منها وثقافية، يندرج في ضمن أعماله وعلى لائحة الغدر المتواصل، من سحق واستلاب دور المرأة الرائد في العالم، باعتبارها الركيزة الأولى.


ومسخ الأدوار المهمة، والتي من حق المرأة تقمصها، وتحملها وأدائها على أتم وجه، ناهيك عن الأدوار الأخرى التي ضربت بها المرأة رقماً قياسياً لنجاحها وازدهارها، إذا  ما قورنت بدور الرجل وتوليها مسئوليتها القيادية، وهي تعيش في خضم الصراعات بكل أبعادها.
فعدم الاستجابة لترانيم العولمة الثقافية الغازية وأطروحاتها الزائفة هو الذي  يرفع من قدرها ويعلو شانها، عندئذ تصبح امرأة صانعة قرار وحاسمة أمر وقوية التأثير على اللاتي اندرجن في طاحونة العولمة الفاشلة.


فمن الضروري أن نشعر نحن -معاشر النساء- بضرورة المحافظة على الذات و العودة إلى الأصول في مقابل الهجمات العولمية عن طريق تنمية المواهب الذاتية، والاستفادة من الخبرات العقلية، واختيار الثقافة الملائمة لدورها كمرأة في هذا العالم، وكأم في ضمن نطاق الأسرة.


وعلى الموجه الإسلامي ان يوسع دائرة خطوطه الثقافية، العريضة عن طريق جعل البرامج التثقيفية الواسعة التي من شأنها رفع التهم المغرضة التي وجهت بحق المرأة، ولنغزو -نحن- العالم بالعولمة الإسلامية.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع