شارك هذا الموضوع

شبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله)

في اليوم الحادي عشر من شهر شعبان سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة، ولد أشبه الناس برسول الله خَلقاً وخلقاً. ولم ينص المؤرخون على مشابهة آل النبي (صلى الله عليه وآله) له في جميع الصفات إلا في علي الأكبر.


فأما فاطمة الزهراء (عليها السلام) فإنها تشبه أباها في المشية إذ أنها تميل على الجانب الأيمن مرة وعلى الأيسر أخرى، والحسن (عليه السلام) شابه جده في الهيبة والسؤدد والحسين شابهه في الجواد والشجاعة، وأخرج الحاكم في مستدركه ج 3 ص 211 عن علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجعفر الطيار: أشبهت خَلقي وخُلقي، ويحدث الشيخ الطريحي (في المنتخب) أن الحسين قال في حق عبد الله الرضيع: اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد (صلى الله عليه وآله).


وهذه الشواهد كلها لا تدل على مشابهة العترة الطاهرة للرسول (صلى الله عليه وآله) في جميع الصفات الكريمة لكن كلمة الحسين الذهبية في حق ولده الأكبر:


(اللهم اشهد أنه برز إليهم أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك، وكنا إذا اشتقنا إلى نبييك نظرنا إليه، ترشدنا إلى أن علياً كان مرآة الجمال النبوي ومثال كماله الأسمى وأنموذجاً من منطقه البليغ الرائع حتى أن أباه (عليه السلام) كان إذا اشتاق إلى رؤية ذلك المحيا الأبهج، عطف نظره إليه، أو أراد سماع ذلك الصوت المبهج الذي ترك نغمات داود خاضعة للطفه، أصاخ إلى قيله، أو راقه تجديد العهد بتلكم الخلائق الكريمة التي مدحها الله تعالى في كتابه حيث قال: (وإنك لعلى خلق عظيم) توجه بكله إليه.


إن جامع هذا الخلق الممدوح يشمل كل ما يتحلى به رسول الله من ورع وإخلاص وشجاعة وكرم وحلم وبشاشة في العشرة ودماثة في الخلق ولين الجانب، وخشونة في ذات الله وتجنب عن الدنايا والرذائل سواء في ذلك ما حظرته الشريعة أو زجرت عنه الإنسانية الكاملة إلى غيرها مما حق له أن يعد عظيماً عند الله تعالى.


إن الآثار وإن أفادت مشابهة أفذاذ حسن البشر لشخصية الرسالة لكن (الأكبر) هو المثل الأعلى لتلك الذات القدسية الكاملة المعصومة عن كل خطأ، المنزهة عن أي عيب، المحلاة بالجمال القدسي الإلهي، فلا يعدوه أن يكون معصوماً كالذوات الطاهرة من الأئمة المعصومين وإن احتاج إلى إمام يركن إليه.


وليس ببعيد من فضل الباري جل وعلا أن يوجد ذاتاً كاملة منزهة عن كل تقص مبرأة من أي شين وعار، وأن كلمة سيد الشهداء الحسين تلفتنا إلى تحقق تلك الشخصية القدسية بما حوته من فضائل ومحامد في ولده علي الأكبر.


زد على ذلك ما جاء في زيارته المخصوصة في أول رجب من قول الإمام (عليه السلام): كما منّ عليك من قبل وجعلك من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. وإذهاب الرجس معنى العصمة فهي متحققة فيه وإن لم تكن واجبة كوجوبها في الإمام المطلق الحجة على الخلق.


والفرق بين العصمة الواجبة أو الكبرى كما يسميها بعض العلماء في قبال العصمة الصغرى التي نحن بصدد الحديث عنها في شخصية الأكبر (عليه السلام) هو أن من له النوع الأول من العصمة، يستحيل عليه العصيان استحالة وقوعية، وأما من له العصمة من النوع الثاني (أي الصغرى) لا يعصي الله سبحانه وتعالى طرفة عين وإن لم يكن العصيان عليه مستحيلاً وذلك لرفعة الأنفس وقوتها في الأولين وأن اختلفوا كما قال عز من قائل (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) وأنفس الآخرين ليست لها من الرفعة والسمو كالأولين.


ولقد كان علي الأكبر تطفح عليه لوائح العظمة وتلوح على أساريره علامات الفضيلة ويتدفق من جوانبه الكرم النبوي فكان على شرفه الباذخ ومجده الأثيل وخطره التليد الطارف متلفعاً بكل خصال الخير يرفل على باحة المنعة بأبراد المناقب القشيبة وحلل المآثر الساطعة من معروف طافح ونائل متدفق وضرائب حميدة كاثرت النجوم فكثرتها وطاولت الجبال فبذّتها وكان فذّ وقته وبطل زمانه في جميع الفضائل آخذاً بأعضاء الشرف والسؤدد.


كيف لا يكون الأكبر كذلك وقد تفرع من الدوحة المحمدية وكان غصناً من أغصان الخلافة الإلهية وأن الفضائل والفواضل بأسرها موروثة له من سلفه الطاهر، ومما قد يشهد له أن معاوية مع ما عليه من المباينة والبغض للبيت الهاشمي لم يسعه إلا الاعتراف أمام قومه باجتماع الفضائل في علي الأكبر (عليه السلام) وإنه على (حد قوله) جدير بالخلافة وقابل للزعامة الدينية، كما نقلت جميع كتب التأريخ والسيرة.


مما تقدم وغيره الكثير المتروك تجنباً للإطالة، يتبين أن لشبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله) خلقاً وخلقاً أبي الحسن علي الأكبر (عليه السلام) الذي كان أول الشهداء من بني هاشم يوم الطف، وأكرمهم بعد أبيه وعمه (عليهم السلام)، منزلة هي دون المعصوم وفوق البشر العاديين وهي ما أصطلح عليها بالعصمة الصغرى.. ولكن هل بلغ الأكبر هذه المنزلة بعمله فقط أم بمؤهلات أخرى؟!


لا شك أن عمله كان في القمة العالية إلا أن جوهره كان أعلى شأناً لأنه الأساس في عمله أيضاً ففضل الذهب على التراب ليس بالكمية أو الوزن وإنما هو في الجوهر وهل من جوهر أرقى من رجل شابه الرسول (صلى الله عليه وآله) في الخلق والخلق والمنطق؟!

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع