شارك هذا الموضوع

تقرير إخباري مفصل حول تشييع المرجع الديني السيد فضل الله

تقرير إخباري مفصل حول تشييع المرجع الديني السيد فضل الله


شيّع أمس وسط حداد عام، المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله إلى مثواه الأخير في واحد من أعظم المآتم التي شهدها لبنان، سياسياً وشعبياً، عجز خلاله المنظمون عن ضبط بحر مائج من البشر اتشح بالسواد حزناً. فمسيرة التشييع لـ «الراحل الكبير» التي قدّر أن تستغرق نصف ساعة انطلاقاً من منزله في حارة حريك مروراً ببئر العبد فالمشرفية فساحة الغبيري ثم مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، امتدت لأكثر من ثلاث ساعات ونصف ساعة حين رفعت تكبيرة الإحرام لصلاة الجنازة، ودقت اجراس كنائس الحارة بالتزامن مع التشييع.


منذ الصباح الباكر توّجه الآلاف من محبي السيّد الى حارة حريك حيث اتخذ «حزب الله» اجراءات تنظيمية، آتين من قراهم ومناطقهم وكذلك من دولهم وبخاصة من البحرين والكويت والسعودية والعراق، جاؤوا بالمئات للمشاركة في وداعه، تقدمهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري ممثلاً في الوقت نفسه رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ومثل وزير البيئة محمد رحال رئيس الحكومة سعد الحريري، الى جانب ممثلين عن رؤساء الطوائف الدينية وحضر وزراء ونواب ورسميون أبرزهم رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط على رأس وفد. كما حضر وفد رفيع المستوى من إيران ضم أمين مجلس صيانة الدستور سماحة آية الله الشيخ أحمد جنتي ونائب الرئيس مسعود زريبافان ورئيس مؤسسة الشهيد ونواباً، ووفد عراقي كبير برئاسة رئيس ديوان الوقف الشيعي في العراق صالح الحيدري يضم وزراء ونواباً ورجال دين، ووزير التعليم العالي الاماراتي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان موفداً من رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ونجل أمير قطر جوعان بن حمد آل ثاني ممثلاً والده، والسفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي ممثلاً الرئيس بشار الأسد ووفد من العلماء في سورية.


أمام المسجد الكبير وعلى الطرق المؤدية إليه، اختلط الناس بعضهم ببعض في جو من الحزن والأسى على رحيل السيّد الذي علّقت صوره على الواجهات الخارجية للمسجد وحملت كل واحدة موقفاً له. وجميع الآتين كانوا يمرون تحت رايات سود وصورة كبيرة للراحل خط عليها «استودعكم الله». أما اللافتات التي رفعها الناس فخطت عليها عبارات تذكر فضله كـ «وداعاً يا أبا الأيتام» و «فقدناك سنداً قوياً».


قبل آذان الظهر كان حديث الناس مركزاً على ذكر مواقفه وصلابته ومرضه والحزن على رحيله، وبعد أداء الصلاة وانطلاق موكب التشييع اختلف الحديث وأصبح عن عظمة الحشد وصعوبة ضبط المسيرة، ولم يعد أحد يسعى إلى ظلّ يستظله اتقاءً للهب آت من السماء كما من الأرض. وعمد شبان الى رش الحشود برذاذ المياه الممزوجة بماء الزهر للتخفيف من حرارة الشمس.


هنا، وقف رجل يكنى بأبي حسين يروي نقلاً عن احد اقرباء الراحل، آخر لحظاته. قال: «يوم دخل في غيبوبته كان مقرراً أن يغادر المستشفى. بقي واعياً حتى اللحظة الأخيرة. استيقظ الثالثة ليلاً فسأله من كان بقربه ماذا تريد، فأجابه أريد أن أصلي، فقال له ليس وقت صلاة الآن، فكبّر ثلاث مرات ثم نام ولم يستيقظ بعدها. كان مريضاً بالقلب، وبداء السكري، وآخر أيامه أصبح يغسل كليتيه، وهذا ما أثر في صحته كثيراً حتى قضى عليه».


لا ينتهي حديث أبي حسين بل يحسد السيد على موقعه وعلمه. ثم يقول لمحدثيه إن للسيد 11 ولداً بينهم 7 شبان بينهم اثنان معممان هما السيد علي والسيد جعفر. ويثني على علم السيدين وموقعهما لكنّه يشّبه جعفراً بأبيه «ليس بشكله فحسب بل بعلمه واجتهاده».


يرفع آذان الظهر، تفرش عشرات الحصر على الطريق بعدما غصّ المسجد بالمصلين الذي بلغ عددهم نحو 10 آلاف. أديت الصلاة ثم ماج الجمع في اتجاه بيت السيّد الذي بثّت خطبه. ظنّ ان الناس لا يزالون يصلون. بدا كأن المحتشدين والمحتشدات لا يلبّون دعوة المذيع بالتوجه إلى بيت السيد، لكن الحشد كان امتداداً واحداً من امام مبنى المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الى منزل الراحل مروراً بمسجد الامامين الحسنين. ظلّ المذيع أكثر من نصف ساعة يحضّ الناس على اللحاق بالمسيرة المتصلة بعضها ببعض في خط سيرها، وفاضوا الى الشرفات واطلوا من النوافذ.


الذين ادركوا المسيرة لم يعرفوا كيف وصلوا الى المسجد، وتفاوتت أوصافهم لضخامتها وبعضهم بدا غاضباً من سوء التنظيم. ويقول ماهر إنه شارك في مسيرات عاشوراء ومهرجانات كثيراً «لكنني لم أرَ في حياتي حشداً كهذا. حين رفع النعش وانطلقت المسيرة شعرت كأن ظهري كسر من عزم الموجة ... عمائم كادت تقع عن رؤوس المشايخ. النعش لم يستقر طويلاً على الأكتاف حتى عمامة السيد وقعت، ما اضطر المنظمين إلى وضعه في سيارة».


كثافة المحتشدين دفعت المنظمين إلى اتباع طريق مختصر في المسيرة وبخاصة بعد المرور بمحلة بئر العبد حيث تعرض السيد لمحاولة اغتيال عام 1985، فنثر عليه أرز وهتف المشيعون «الموت لأمريكا» و «الموت لإسرائيل». كما اقاموا منصّة لصلاة الجنازة خارج المسجد، وكان المصلّون الذين أمّهم شقيق الراحل السيد محمد علي فضل الله، مرصوصين على امتداد الشوارع والأزقة وكثيرون كثيرون من الآتين حزناً لم يروا النعش، لكنهم كانوا يمنون نفوسهم بأنهم عائدون لزيارة السيد الذي ووري في صحن المسجد.


وتسنى للوفود الرسمية الوقوف أمام نعش الراحل وتلاوة الفاتحة والإدلاء بتصريحات أبرزها لآية الله جنتي الذي وصف رحيل السيد فضل الله بأنه «مصيبة كبيرة للمسلمين في العالم ولبنان. كان عالماً كبيراً ومجاهداً خسرناه جميعاً ونتمنى أن نتخطى هذه المصيبة عبر الوحدة والعمل بمبادئ الراحل في خدمة قضايا الأمة».


وأعلن زريبافان التعزية باسم الرئيس نجاد والشعب الايراني، قائلاً: «إننا نشارك في مراسم وداعه مستذكرين توصياته في لمّ شمل الأمة وترسيخ هذه الوحدة».


وقال رئيس الوفد الكويتي محسن جمال: «لعل من يشهد هذه التعزية يجد أن كل الأطياف اللبنانية والعربية والاسلامية وتوجهاتها، جاءت لتقول رحم الله هذا الشهيد، هذا السيد». ووصف عضو مجلس النواب العراقي وليد الحلي الراحل بأنه «من كبار الشخصيات الاسلامية التي تدعو الى الوحدة والابتعاد عن الفتن والاخوة والمحبة وان يكون الحل السياسي بين الفصائل والمذاهب والاديان عبر الحوار».


أما جنبلاط فوصف رحيله بأنه «خسارة كبيرة للعالم العربي والاسلامي من اقصاه الى اقصاه». وقال: «كان متقدماً بأفكاره واجتهاداته وأراد بسيرته اخراج السيرة النبوية الاسلامية من التقوقع، من التصلب، من التحجر ونجح»، داعياً الذين سيأتون من بعده الى أن «يستمروا على هذا النهج من اجل الانفتاح والعلم خصوصاً اننا نرى في مناطق من العالم العربي والاسلامي يغرق الاسلام في نوع، من الطالبانية التي رفضها في الاساس السيد فضل الله».


واتشحت مدن الجنوب وقراه بالسواد ولفها الحزن والاسى حداداً حيث تجمع الاهالي وانتظموا في مواكب سيارة يرفعون صور الراحل والرايات السود. وتابع المواطنون التشييع عبر شاشات التلفزة. وعم الحزن والاسى منطقة البقاع الاوسط وتليت آيات قرآنية من مكبرات المساجد، فيما رفعت في الشوارع لافتات تنعي «الفقيد الكبير» وتشيد بعلمه وثقافته وتنوره ومحبته للفقراء.


وأقيم  في مدينة صور مجلس فاتحة عن روح فضل الله في نادي الامام الصادق، حضره النائبان نواف الموسوي وعلي خريس. وقال الموسوي: «ما عرفناه منذ نعومة أظفاره إلا أبا موجهاً ومرشداً يسعى الى تأسيس ركائز تقوم على العلم والإيمان ونهج المقاومة». أما خريس فاعتبر أن «لبنان فقد مرجعية دينية علمية ثقافية سياسية على المستوى العالمي، وانها لخسارة كبيرة ألمت بنا جميعاً في لبنان والعالم العربي والإسلامي».


ورأى المطران يوحنا حداد ان «السيد فضل الله هو رجل فريد بأخلاقه العالية ومحبته للبشر وليس فقط لأبناء طائفته الكريمة، وبرحيله نفتقد الكثير».


ومن المتكلمين ممثل حركة «حماس» في صور جهاد طه الذي اعتبر ان «رحيله خسارة للبنان وفلسطين، وستبقى هذه الشخصية تنير طريق المقاومة حتى تحرير فلسطين من رجس الاحتلال الإسرائيلي».


برقيات من عبدالله الثاني وحمد بن عيسى و خامنئي والشرع


توافد حشد من المسؤولين والشخصيات من لبنان والخارج خلال اليومين الماضيين للتعزية بالمرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله. وورد المزيد من برقيات تعزية به من شخصيات وبينهم مرشد الجمهورية الإسلامية في ايران سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي الحسيني الخامنئي مد الله في ظله والرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ورئيس حكومتها الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة ونائب الرئيس السوري فاروق الشرع ومسؤولون فلسطينيون وعراقيون.


وتلقى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان برقيات تعزية من شخصيات وهيئات ومراكز دينية وثقافية في لبنان وبلاد الاغتراب. ومن أبرز المعزين العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني.


وأكد سماحة الإمام الخامنئي في بيان التعزية «إن هذا العالم الكبير والمجاهد قدم الكثير في الساحات الدينية والسياسية وكان له الأثر الكبير على الساحة اللبنانية». وشدد «على أن المقاومة الإسلامية في لبنان كانت على الدوام تحت رعاية هذا العالم المجاهد ودعمه ومساعدته». وأضاف: «كان الرفيق المخلص والمقرب من الجمهورية الإسلامية ونظامها وكان وفياً لنهج الثورة الإسلامية واثبت ذلك قولاً وعملاً على مدار 30 سنة».


وفي العراق أعلنت محافظة واسط الحداد العام ثلاثة أيام. وقال مسؤول الدائرة الإعلامية في مجلس واسط طه الرديني أن «مجلس المحافظة أعلن الحداد الرسمي حزناً على وفاة السيد فضل الله وأن كبار أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية سيتقبلون التعازي». وكانت إدارات محافظات النجف وكربلاء وذي قار أعلنت في وقت سابق الحداد، كما دعا السيد مقتدى الصدر مناصريه في العراق وخارجه إلى الحداد ثلاثة أيام.


وأصدرت «كتائب حزب الله» في العراق بياناً نعت فيه السيد فضل الله واصفة إياه بأنه كان «سنداً قوياً ومفكراً مبدعاً ومدافعاً صلباً عن المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين والعراق».


ومن جانبها أصدرت «المقاومة الإسلامية - عصائب أهل الحق» بياناً دعت فيه القادة وعلماء الأمة الإسلامية الى «الاقتداء بالمسيرة الجهادية الداعمة للمقاومة الإسلامية التي زخرت بها حياة الفقيد الراحل».


وعزى المجلس الأعلى للروم الكاثوليك في بيان «الطائفة الشيعية الكريمة واللبنانيين بوفاة رجل العلم والاجتهاد والفضيلة والاعتدال المؤمن بالحوار الهادئ الرصين والعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين».


واعتبرت كتلة نواب «المستقبل» بعد اجتماعها أمس برئاسة الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة «أن غياب العلامة والمرجع الكبير السيد محمد حسين فضل الله شكل خسارة فادحة حلت باللبنانيين والعرب والمسلمين، فقد ترك غيابه فراغاً كبيراً في نطاق الفكر النير والموقف الشجاع والرؤية المتقدمة والإفتاء الإسلامي المتمكن والحوارالإنساني والتواصل الثقافي بين المسلمين وغير المسلمين». وتوجهت الى اللبنانيين وعائلة الراحل بالتعزية.


وتقدم رئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» سمير جعجع من بكركي بـ «التعازي بوفاته، من الطائفة الشيعية في لبنان وجميع اللبنانيين»، متمنياً أن «يبقى عنواناً للحوار والاعتدال لنا جميعاً».


وكتبت السفيرة البريطانية لدى لبنان فرانسيس ماري غاي في مدونتها الإلكترونية «إن غياب فضل الله «سيتجاوز (اثره) شواطئ لبنان». وتحدثت عن انطباعاتها بعد التعرف إليه، وقالت: «عند زيارته يمكنك أن تكون متأكداً من حصول نقاش حقيقي مع جدال محترم وتعلم إنك ستتركه مع شعور بأنك أصبحت شخصاً أفضل».


واعتبرت أن «العالم يحتاج الى مزيد من الرجال مثله المستعدين للتواصل عبر الأديان والاعتراف بواقعية العالم المعاصر ولديهم الجرأة لمواجهة القيود القديمة». وأكدت أن «إحدى المزايا التي يتمتع بها الديبلوماسي هي الأشخاص الذين يلتقيهم، الكبار والصغار، الشغوفين والغاضبين». وأشارت الى أن «الناس في لبنان يحبّون أن يسألوها عن السياسي الأكثر إثارة للإعجاب بالنسبة إليها»، وأوضحت أنها «تتجنب عادة الرد من خلال الإشارة إلى الذين تستمتع بلقائهم والذين يبهرونها أكثر، وأن جوابها المفضل كان حتى الأمس الإشارة الى السيد محمد حسين فضل الله، أعلى مرجع شيعي في لبنان».


وقال رئيس الرابطة المارونية جوزف طربيه: «فجعنا برحيل صوت الاعتدال والدعوة الى الكلمة السواء، مؤمناً بحوار الاديان والحضارات ومجسداً الصورة الحقيقية للإسلام بما يحمل من سماحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر. وكان صوت نور في ليل الظلمات، مزاوجاً بين الحداثة والشرع، والمعاصرة والتقليد».

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع