شارك هذا الموضوع

غداء بنكهة نووية في مفاوضات الريف السويسري

انتهت مفاوضات جنيف بين إيران ودول (5+1). الجميع قال إنها كانت «إيجابية». المُتوَعِّدِين، والمُتوَعَّدُون بالسّواء. كان ذلك زفيرا لأربعة عشر شهراً خلت ملأ خلالها الصدور خوفٌ عارم من أيّ خطأ في التقدير قد يحدث، لتقع الكارثة.


لذا فإن اجتماع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول كان في بؤرة شعور السياسة الدوليّة إلى الحدّ الذي لم يُنافسه خبر آخر. اشرأبّت له أعناق المتابعين، وشنّفت له آذان من يعُون أهميته جيدا، وحَمْلقت أعينٌ في الشرق والغرب صوب لاعبيه وأبطاله.


في الاجتماع المذكور كان المشهد دراميا بامتياز. داخل فيلا بمنطقة غنتهود تقع شمال شرقي جنيف نُصِبَت طاولة بيضاويّة. على حافّتها الأولى جلس أعضاء الدول (5+1) وفي حافّتها الثانية جلس أعضاء الوفد الإيراني.


مثّل الأميركيين ويليام بيرنز. ومثّل بريطانيا مارك ليال غرانت. ومثّل فرنسا جاك أوديبر. وألماينا فولكر اشتانسل. أما الصين فمثّلها خي يا في، ومثّل روسيا سيرغي ربابكوف. في حين مثّل الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا المنسق الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد.


أما الإيرانيون فمثّلهم أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، وعلي باقري، ومساعده لشئون السياسة الخارجية والأمن الدولي، وسفير إيران لدى بريطانيا مهدي سفاري، والمستشار القانوني في وزارة الخارجية ومؤسسة الطاقة الذرية حميد رضا عسكري، ومستشار وزير الشئون الاقتصادية والمالية محمد هادي زاهدي وفا.


بالتأكيد فإن الاجتماع لم يكُن تقنيا تفصيليا. هو كان مُحدِدَا لقاطرة ستسير بالجانبين إلى محطة تالية. كما أنه تحوّل إلى ضربة مقبض على تاريخ جامد بين طرفين ندّين (طهران/ واشنطن) وهو الأبرز في جولاته الصباحيّة والمسائية.


في الاجتماع تحقّقت نبوءة سابقة. فبمُراكمة الإيرانيين ملفا على آخر، أصبح المُبَرَّز هو حرف الروي من بيت الشّعر. محطة قم الأخيرة. يريد الغرب تفتيشها ومعلومات عن موقعها (الجبلي). لا مشكلة لدى الإيرانيين في ذلك ما دامت المحطة لن تعمل إلاّ بعد سنتين، وبالتالي ليس بها ما يثير فضول المفتّشين.


لم يعُد الحديث مُنصبّا إذا على الماء الثقيل في مفاعل نتنز أو أراك، ولا عن نطاق السلاسل بين معالجة اليورانيوم والمواد الأخرى، ولا عن العيّنات المأخوذة من محيط مصانع التخصيب الإيرانية ومطابقتها مع نظام الأمان الدولي.


ولا عن «عدد من روابط بين مشاريع إيرانية لمعالجة اليورانيوم واختبار مواد شديدة الانفجار وتعديل رأس مخروطي لصاروخ ليناسب رأسا نوويا» كما كانت تقول الولايات المتحدة الأميركية بشأن عسكرية الملف النووي الإيراني.


ولا عن أجهزة الطرد المركزي، سواء بنموذجها الأول أو ذلك الذي أعلِنَ عنه قبل أسابيع والتي تضاعفت قوة الفصل فيه إلى 3.5 عن السابق. أو الحديث عن ضخ غاز UF6. وبالتالي فإن الموضوع يبدو مختلفا هذه المرة.


من جاؤوا من طهران مدّوا جسرا مطاطيا للتفاهم وبغرض التعويم. قالوا: «نحن على استعداد لتقديم (جزء من) اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة، لدولة ثالثة وزيادة تخصيبه وتسليمه إلينا بنسبة 19.75 في المئة» بعد تحويله (اليورانيوم المخصّب) إلى قضبان وقود نووية يتم شحنها إلى إيران لإمداد مفاعلاتها النووية.


وللذاكرة فقد كان ذلك (أو شبيها له) جزءا من مقترح إيراني قُدّم في السابق لتخصيب اليورانيوم على الأراضي الروسية ضمن كونسورتيوم واختُلِف حينها على نِسَب الدول فيه. اليوم طُرِحَ بشكل مُحسّن ومشروط.


وللذاكرة أيضا فإن دول 5+1 كانت في السابق تطالب بوقف إيران للتخصيب حتى بنسبة 3.5 لكنها اليوم تتعاطى مع تلك النسبة على أنها ضمن البرنامج المُجاز دوليا، وتزيد عليه بالمشاركة في تكثيره إلى 19.75 في المئة.


وإذا ما صحّ هذا الأمر وتمّ تطبيقه عمليا فإن الغرب لم يتنازل فقط عن «الوقف الفوري لتخصيب اليورانيوم» قبل إجراء أي مفاوضات بل ساهم بشكل رسمي في شرعنة التخصيب ما دون الـ 3.5 وبالتالي استمرار عمليات التخصيب في إيران.


في عموم الموضوع يلحظ التالي: أن طهران استجمعت كلّ مشاكلها مع الدول الكبرى في مشروعها النووي، إلى درجة أنها قدّمته كالرَّثَم في طرف أنف الفرس، لا يُرى إلاّ هو دون سواه، ويُقدّم على أنه مفتاح الحل لبقية الملفات.


ثم زاد الإيرانيون على ذلك بأن ثقّفوا هذا الملف أكثر وجعلوه ينتهي من باحة إلى طريق، ومن طريق إلى زقاق، ومن زقاق إلى كُوَّة صغيرة. كان الموضوع في البداية تخصيبا لليورانيوم ومعامل أبحاث والبلوتونيوم الانشطاري ليُصبح اليوم محطة جديدة في قم!.


في موازاة ذلك أراد الإيرانيون وقتا أكثر وحصلوا عليه. حصلوا على موعد مع البرادعي أول أمس (السبت) وهي الزيارة السادسة له إلى إيران منذ العام 2003. وأيضا لديهم جولة مباحثات في الثامن عشر من الشهر الجاري مع الوكالة الدولية ومندوبي الدول الست، ولديهم موعد آخر نهاية الشهر الجاري.


هذا أمر جيد بالنسبة لهم. ففي ظلّ مزيد من الوقت الضائع تجري مزيد من التطورات السياسية أو الاقتصادية في الإقليم والعالم التي قد تفرض واقعا جديدا يعطي للعبة قواعد جديدة. (أزمة القوقاز مثالا).


كذلك ثمّر الإيرانيون وجود الأميركيين في الاجتماع. ولقاء جليلي وبيرنز الذي استمرّ 54 دقيقة هو الأول (لقاء مباشر) بين الجانبين منذ ثلاثين عاما، وهو بالتأكيد يحمل رمزيّة كبيرة بحيث تجنّب الطرفان إفشال المحادثات، وابعدوا كلّ ما من شأنه تعسير مجرى الأمور.


فخلال سبع ساعات من المباحثات لم تُطرَح كلمة عقوبات. بل ونُوقِشت مواضيع أخرى لم تُدرج على جدول الأعمال من بينها الأميركيين الثلاثة المعتقلين في طهران الذين دخلوا إليها عن طريق كردستان العراق.


في كلّ الأحوال ينتظر المراقبون جولتي منتصف ونهاية الشهر بمزيد من الترقّب. وهي بالتأكيد ستناقش موضوعات أكثر بعضها يدخل ضمن رُزَم مقترحات الجانبين. حينها ستتضح الصورة أكثر.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع