شارك هذا الموضوع

مؤسسة الرادود

تعاني المواكب في الفترة الحالية في البـحرين من تذبـذب فـــــي المستوى يقلق المتابعين والمتفحصين لغالبية فعالياته, بين موكب قوي اللحن والكلمة والأداء وبين موكب متوسط الفاعلية وآخر ضعيف .


تتحمل تبعة هذا التذبذب في رأيي إحدى هذه الجـــهات الثلاث. إما أن يكون التذبذب ناتجاً عن خطأ في تقييم الجمــــهور وإدراكه للمستوى والتأكيد على الضعف , والتمسك بنقاط الضعف وإهمال نقاط القوة. والانصراف عن التفاعل مع الإعدادات القوية في الموكب. وهذا ناتج عن حالة تشبع بالمواكب وممارساتها حيث مرت على هذا الجمهور المناسبات الكثيرة, وعاش التجارب الناجحة التي لا تحصى ويصعب عليه القبول بمســــتوى أقــــل مـــن تـــلك المستويات السابقة .


والجهة الثانية التي ربما يكون التذبذب ناتجاً عنها هي الجهات المنظمة. والإدارات القائمة على تنظيم المـــــواكـــــب, ولربما كان الضعف الناتج عنها غير مقصود. فإذا قصـــــــرت هذه الجهة في الإعداد والتنسيق في جداول المناسبات ولم توفـــــق في وضع الهيكلة الصحيحة للمشاركات كانت المواكب الناتجة عن ترتيبها متقهقرة المستوى . أو لحسن ظن منها في مستوى بعض الرواديد الجدد.


أما الجهة الثالثة والتي تحمل في اعتقادي غالبية الحمل في تراجع المستوى الموكبي لدينا فهو الرادود . الرادود المتحمل لثقل الموكب بأكمله والذي يطالبه بالوصول به إلى أفضل ختام ومطلوب منه الإبداع في مستوى اللحن, وبلوغ غاية القوة في الأداء والتحصل على أفضل نص بما يتناسب مع ما يعايشه من وسط يوجهه إلى رغبته في مشاركته على نحو معين ولحن مصنف إلى نوعية معينة.
تبعاً لما سبق من توضيح لمستوى الموكب أعود للرادود وما يمكنه عمله لتلافي النقطة الحرجة في الهبوط بالموكب. أحمل في طيات كلامي القادم دعوة جديدة لنقل الرادود من مرحلة العمل المفرد إلى مرحلة العمل المؤسسي , وتكون هذه الدعوة تحت عنوان ( مؤسسة الرادود) .


مؤسسة الرادود: دعوة لتشكيل فريق عمل يساند الرادود في أداء مهامه في الموكب بدعمه في مرافق عمله الثلاثة المتمثلة في:
1- النص
2_ اللحن
3_ الاستشارة والنقد


تعتمد هذه الدعوة على مدى تفاعل الرادود مع مهمته كرادود ومدى حبه لتقديم المستوى الأفضل, ومدى اتساع أفقه لمستقبل هذه المهنة الملقاة على عاتق المكلفين بأداء عدة أدوار في دور واحد.


النص:
ينتخب الرادود لنفسه ثلة من الشعراء الذين يجد في حسهم الشعري قريحة فياضة تتمكن من نقل المشاعر المتدفقة وجداناً, والكلمات المستمدة من جذور الإحساس, قد يكون مجموع هؤلاء الشعراء 5 شعراء أو أكثر بحسب التفاعل الموجود من الرادود تجاه ما تجود به قريحتهم عليه, ولربما أشكل البعض قائلاً وما عمل الشعراء الباقين؟


أستطيع القول لمن يوجه هذا الإشكال : هناك رواديد آخرون يمكن لبقية التعامل معهم ولا يمنع أن يتعاون معهم هذا الرادود في حالات معينة. وإنما من أجل تنظيم عملية الخروج بأفضل المواكب إعداداً لابد للرادود من هندسة القصيدة باختيار كاتبها. وبتوافق الرادود مع مجموعة من الشعراء يستطيع فهمهم ويستطيعون فهمه ويتمكن بذلك اختصار المسافات للوصول بالقصيدة إلى أرقى صورها.
ولاضير من وجود تمحيص بين فترة وأخرى وإعادة نظر في التشكيلة المتعمدة. فإذا كان الشاعر مطلعاً وخبيراً بمشاعر الرادود وبكافة امكانياته يستطيع أن يقدم نصاً منسجماً مع رادود يقدم نصه ويستطيع أن يعطينا قصيدة متوافقة مع لحن هو أعرف بمدرسة صاحبه. والرسام عند يطلب منه انشاء لوحة فنية وبحسب مايعرف من ذوق صاحب الطلب يستطيع أن يلتقط المشاهد الطبيعية التي تحوز على اعجاب صاحب الطلب . وبهذا الإختيار استطاع أن يوصل المشاهد التي تبقى دائماً مؤثرة لدى صاحب اللوحة.


مع بداية الفكرة ممكن جداً أن يتعاون هؤلاء الشعراء مع أكثر من رادود في فترات عدم الضغط , مما يسهم في عدم التأثير السلبي على الوضع العام للموكب.


اللحن:
منذ أن نشأنا وأعيننا تلتقط صوراً للرواديد وهم يكتبون القصيدة على ضعف ملكاتهم وآذاننا تستشعر تهويماتهم ومحاولات التلحين لديهم بين إبداع وإخفاق. نعم كان الرادود في السبعينيات والثمانينات لايتراجع عن تأدية دور الشاعر والملحن والرادود في جرعة واحدة. حيث لم يكن هناك من يفصل بين هذه المهام وكأنها مهمة واحدة لايمكن أن تجد خطاً يميز بين تلك المهام.


ولكن مع تطور وانتقال المواكب إلى مراحل أبعد تأثيرا انفصل دور الشاعر عن دور الرادود في 99 % من الحالات الموجودة وألقى الرادود عن ظهره عبء القصيدة ليحملها شاعر نذر نفسه لمهمة من ثلاث مهام. ولا زال الرادود يحمل مهمة انشاء اللحن وتأديته. وماأثقل هاتين المهمتين عليه في عصر تعقدت فيه تركيبة اللحن وارتفعت نسبة المطالب من أداء الرادود . على هذا وكما هو حاصل في بعض الحالات بالنسبة لبعض الأخوة الرواديد, حيث يمدهم بعض المتمكنين من أعنة الألحان ويكفونهم مؤونة استخراج اللحن, ويا حبذا لو تحصل الرادود على 3 أو 4 من المتمرسين في استكشاف الألحان ليكونوا له عوناً على تدافع المشاركات , وتزاحم المناسبات واكتظاظ جدوله.


إذا توفرت للرادود هذه المجموعة النابهة في مجال اللحن وفنه استطاع تنسيق مشاركاته بيسر وما عليه سوى حفظ الألحان, وإعادة إخراجها لتكون جاهزة للأداء . وبهذا يستطيع التنوع في مدارس الألحان وتقديم أكبر قدر من الإبداع لتفرغ الملحن لابتكار اللحن فقط وتقديمه على طبق من الراحة والإطمئنان للرادود .


الاستشارة والنقد:
بعد اتمام كل عمل للرادود في الموكب يتم تناوله بالنقد واستعراض أجزائه على المحك وفي ميزان التقييم, وللأسف متروك أمر تقييم المواكب لدينا للجمهور على إطلاقه, وهذه سلبية لا تخدم الموكب, الجمهور المعجب بالرادود لا يكيل بغير مكيال الثناء, والجمهور الساخط عليه لا يرمقه إلاّ بعين السخط على كل مايبدر منه حتى ولو كان إبداعاً كالشمس في رابعة النهار, وطرفٌ آخر من الجمهور ينعقون مع كل ناعق ولايهتدون بسبيل , ولهم في كل طرفة عين بديل ,


ولحين التوفر على الفئة النادرة من الجمهور بالفئة المتوازنة في حكمها على مستوى الموكب يكون الرادود إما غارقاً في أمواج المدح وإما يائساً من كل ماقدمه وقاطعاً رجائه من القبول .


إذن كيف ينجو الرادود من فكي الجمهور ألاّ متوازن هذا ؟! يستطيع الرادود انتخاب مجموعة معتدلة التوجهات تدله على مواقع الصعود والهبوط في عمله. ويتمكن بتسديد هذه المجموعة تقييم كل عمل بعد الإنتهاء منه, حيث يلتقي بها مجتمعةًً لتصوت على مستوى العمل وتضعه على محك النقد مميزةً كل مافيه بفاكرة التشخيص المعتدل. وفي ختام لقائها تقدم نتيجة وافية ترسم للرادود صورة عمله ليتمكن على غرارها من مواصلة عمله بعدها متلافياً مواقع الهفوات ومعززاً نقاط القوة مستفيداً من الرؤية النهائية لمجموعة النقد والاستشارة لديه.


وكما ورد في الأثر الشريف (ماخاب من استشار) بهذه المشورة يفلح سعي الرادود للوصول إلى جني الإبداع عطاءً متواصلاً في طريق خدمة الإسلام الأصيل بكل عمل راسخ في الصلابة , وتكامل الأطراف .


وفي ختام الموضوع أقول : إذا توفرت للرادود الفاعل هذه المجموعات الثلاثة , مجموعة الشعراء يعتمد عليها في انجاز النص , ومجموعة تكفيه مؤونة استخراج اللحن , ومجموعة ترفده بكل نقد بناء يسدد مسيرته .في هذه الباقة من المجموعات يصبح لدى الرادود مؤسسة متكاملة البناء. تشد من أزره وتعاضده في ايصال رسالته. وما هي إلاّ دعوة تعالج بعضاً مما يعترض الموكب من صعوبات. قد لانتمكن من تطبيقها قريباً , ولكنها تبقى محاولة لإيجاد طريق أفضل مما نحن فيه , ولا بد أنها في يوم من الأيام ستفرض نفسها بصورة ما ولو في حالات بسيطة.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع