شارك هذا الموضوع

الزي بين التجمُّل والفتنة

 اللّباس والزي من نِعَم اللَّه جلَّ جلاله علينا، نواري به من أجسادنا ما لا يجوز إظهاره للملأ، ونتدثَّر به إتِّقاءً للحر والبرد، ونتجمَّل به أمام إخواننا من دون تكبُّر وتفاخر.


فالألبسة والأزياء عُرفت منذ زمن طويل، وأقرَّتها الشريعة المقدَّسة ضمن ضوابط ونُظم، إضافة إلى آداب ومستحبات تبعث الدف‏ء والإلفة في المجتمع.


قال اللَّه جلّ جلاله: «يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يُواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير».
واقعنا اليوم‏


لكننا لاحظنا في العقود الأخيرة تفلُّتاً وتسيُّباً لافتين على صعيد الأزياء، في شكلها وألوانها وأحجامها ودورها، إلى درجة أنَّ بعض الألبسة لم تعد ألبسةً تقوم بالدور المفترض لها!


فالمتتبِّع لِدُور الأزياء العالمية بات يرى دون جهد أنَّ كشف الأجساد وتعريتها، وليس سترها وتغطيتها، أصبح الهدف الأساس من عروض الأزياء الكثيرة والمبتزلة والمملَّة والتي بدأت ولم تنته!


فعروض الأزياء هذه، والتي أصبحت لها قنوات فضائية خاصة، لكثرتها، كأنَّ هدفها الإغراء وعرض الأجساد، حتى أنَّ بعض المصممات العالميات وجمعيات نسائية بريطانية، دانت هذه الأساليب المنحطة التي لا دخل لها بما تُعلن عنه وتدَّعيه، وقد أبدى بعض هؤلاء تزمُّرَهم من الحالة التي وصلوا إليها، على ما نقلت الوكالات ونشرت الصحف، (الجمعة في 20 - 2 - 2003).


فبعض «الأزياء» لا أزياء فيها إلاَّ اللَّمم، وبعضها مجموعة من «الاكسسوارات» العشوائية تُعرض لِلَفْت الأنظار، وبعضها صرعات لا تنفع إلاَّ على المسرح، وبعضها تُقصد بها حاملتها أكثر مما يُقصد المحمول نفسه!
الأزياء المُعَوْلمة
هذه الأزياء أخذت تغزو مجتمعاتنا الإسلامية بكل «ثقة»، وهي من جملة العادات والمفاهيم «المُعَوْلمة» التي تُبثُّ لنا، ويتقبَّلها أكثرنا:
إمَّا لضعف ثقة بديننا وتاريخنا وأحكام شرعنا وبالتالي بأنفسنا.
وإمَّا لغياب الأصالة في العقول «المثقَّفة» المتعدِّية!
وإمَّا لعدم الحسم والجزم من أولي الأمر وأهل التأثير.
وإمَّا لإنصياعنا وخضوعنا لسياسة الاستيراد والقبول، دون صرف جهد في الإبداع والاجتهاد.
وإمَّا لعدم القيام بجهد مضاد يواجه الفضائيات وسياسة الإعلام الطائر، الذي لا يجد مَنّ يتصدَّى له بحزم وقوَّة.


فهذه الأزياء والألبسة، كثير منها منكرٌ شرعاً، وأكثرها غريب عن عاداتنا وتقاليدنا وتاريخنا والسلف الصالح ممَّن سبقنا... لكنَّها تغزونا تحت عنوان سحري يُسقط كلَّ المحرمات، ويفتح كلَّ الإحتمالات، يُعبَّر عنه بكلمة «الموضة»!


والموضة هذه خرجت عن معناها اللُّغوي الذي يعني الحداثة والتحضُّر، إلى معاني «إقتحامية» متعدِّدة الرؤوس والأهداف، تصبُّ جميعها في:
الترويج لمظاهر غريبة وعادات جاهلية بهدف إسقاط العقيدة الدينية، واستبدالها بعادات اجتماعية وحياتية «وقيَمِيَّة» جديدة، مع إرفاق ذلك بفوائد اقتصادية هائلة، تبلغ مئات المليارات من الدولارات سنوياً، تُضخُّ في جيوب اليهود والغربيين.


وهناك إحصاءات موثَّقة واعترافات منشورة، تُقرُّ بذلك حتى بلغ «شبح» الموضة أن تدخَّل في دقائق الأمور، فتعدَّى من الثياب إلى أدوات الزينة والأحذية والنظارات والجزادين والعدسات اللاصقة وغيرها...
ما هو موقف الإسلام مما يُحيط بنا:
بما أنَّ جوهر الإسلام وحقيقته يقوم على تهذيب نفوس البشر ليكونوا عباداً ربانيين، فلا بد أن تكون أحكامه المتعلِّقة بالثياب كما غيرها، تصبُّ في هذا المصب لبناء النفس الإنسانية على حقيقة التقوى.


قال اللَّه عزّ وجلّ: «وما خلقت الجن والإنس إلاَّ ليعبدون»
فلا شك أنَّ الإسلام العزيز اهتم بالمظهر والشكل الخارجي، وجعل لذلك أبواباً في كتب الأخلاق، ومئات النصوص الشريفة، لكن، ليس بالطريقة التي يغلب فيه المظهر على الجوهر، والشكل على المضمون.


فالذي يقضي وقته باختيار أزياء لقبل الظهر وأخرى لبعدها، وأزياء صباحية (MATINE) وأخرى مسائية (SOIRE)، وألبسة لهذه المناسبة دون تلك، وما يُلبس في هذا المكان لا يتكرَّر في مكان آخر... لا شك أنَّ مثل هذه التصرفات والممارسات تُبعد عن الآخرة ودرجاتها.
ونعوذ باللَّه تعالى من أن نهتم لعين النَّاس، ولا نهتم لعين اللَّه تبارك وتعالى.


فلا مانع من أن يلبس المسلم ما يشاء، ويظهر بالمظهر الحسن، ويستنَّ بسنَّة رسول اللَّه (ص)، بشرط أن لا يتعدَّى حدود اللَّه عزَّ وجلَّ، ويخوض في عناوين محرَّمة، باتت منتشرة للأسف الشديد، وإن غفل عنها كثيرٌ من المسلمين، وذلك لقلَّة المذكِّرين من جهة، ولكثرة «المنفتحين» المتهاونين من جهة أخرى:


1  فلا يجوز التشبُّه بالكفار فيما يُعرفون به، أو يختصُّ بهم أو يكون لهم شعاراً، وهذا من أهم الضوابط، وأمَّا شياع التشبُّه على النحو الذي يُحيط بنا، فناتج عن عقدة النَّقص والإنهزامية.


ورد في النصِّ عن الإمام الصادق (ع): «لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي». وكان منهال عند الإمام الصادق (ع)، وكان يلبس حذاءً كما يلبس اليهود (من حيث شكله)... فأمره الإمام (ع) بتعديلها، ففعل.
وعن أبي الحسن أنَّه نظر لِمَنْ لبس مثل ذلك، ثم قال له مستنكراً عليه: «أتُريد أن تتهوَّر».
ولا ننس هنا فتوى مولانا ومقتدانا الإمام الخميني رحمة اللَّه عليه في تحريم لبس «ربطة العنق» من هذا المنطلق.
وعلى هذا المنوال أفرد سماحة السيد القائد الخامنئي، كما هي سُنَّة السَّلف الصالح، باباً خاصاً في «حرمة التشبُّه بالكفار».
ولا ريب أنَّ الكثيرين يتهاونون بهذا الأمر في أيامنا هذه.


2  عدم جواز التشبُّه بالفاسقين والفاسدين في شعاراتهم (الهيبيَّة مثلاً) ولباسهم ورقصاتهم وقبَّعاتهم... ممَّا ينسب المسلم إلى التهتُّك أو التهاون أو المنكر أو الجرأة على إمتطاء الحرام.


وهذا ممَّا انتشر كثيراً في السنوات الأخيرة، حتى في مجتمع النساء المتدِّينات اللواتي يلبسن أحياناً في مناسبات اجتماعية لباساً يُخرجهن عن حدود الإتزان، عندما يُقلِّدن المشهورات من الفاسدات كالممثلات وعارضات الأزياء والراقصات، فتُصبح المرأة عندها متهتِّكة في لباسها وتصرفاتها.


والمعروف «أنَّ مَنْ تشبَّه بلباس قوم أخذ من أخلاقهم، فالمقلِّد يتَّبع المقلَّد».


3  أن لا يلبس الرجل لباس المرأة الخاص بها فقط ليكون «مخنَّثاً»، وهذا ممّا نهي عنه رسول اللَّه (ص) في نصوص كثيرة.


4  أن لا يكون في لباسه، رجلاً كان أم امرأة، مُسْرفاً أو مبذِّراً أو مضيِّعاً للمال، فالمسرفون «هم أصحاب النار».
وقال سبحانه وتعالى: «إنَّ المبذِّرين كانوا إخوان الشياطين»


5  أن لا تُؤدِّي هذه الألبسة إلى خيلاء في نفسه وتكبُّر على غيره من إخوانه المسلمين.


وقد يسوقه ذلك، نعوذ باللَّه تعالى: إلى احتقار أو إزدراء عامة المسلمين وفقرائهم، وهذا من الحرام الواضح.
رُوي عن سيدنا رسول اللَّه (ص) «مَنْ لبس ثوباً يُباهي به ليراه النَّاس، لم ينظر اللَّه إليه حتى ينزعه».
ونهى (ص) أن يختال الرجل في مشيه، وقال: «مَنْ لبس ثوباً فاختال فيه، خسف اللَّه به من شفير جهنَّم، وكان قرينَ قارون، لأنَّه أولُ مَنْ اختال، فخسف اللَّه به وبداره الأرض، ومَنْ اختال فقد نازع اللَّه في جبروته».
وفي نصٍ آخر «لا يجد ريحَ الجنَّة عاق، ولا قاطع رحم، ولا مُرْخي الإزار خُيَلاء».


6  ولخصوص المرأة المسلمة التي أرادها اللَّه عزَّ وجلَّ عفيفة طاهرة كريمة، قواعد شرعية معروفة في الستر وعدم لبس لباس الشهرة وما يُلفت النظر... ولو كان المجال هنا ضيِّقاً للخوض في التفاصيل، إلاَّ أنَّ ما ابتُلينا به كثير، بحيث أصبح المنكر منتشراً، بل أمراً عادياً، بل أنَّ الحياء فُقد، فترى الكاشفات العاريات يفتخرن، ويعتبرن فعلهن «جرأة».


وصدق أمير المؤمنين (ع) عندما قال: «يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة وهو شرُّ الأزمنة، نسوةٌ كاشفاتٌ عارياتٌ متبرِّجات... داخلاتٌ في الفتن، مائلاتٌ إلى الشهوات، مسرعاتٌ إلى اللَّذات، مستحلاَّت للمحرمات، في جهنَّم خالدات».


ختاماً...
لهذا الموضوع الذي نحن بصدده تداعيات كثيرة اجتماعية واقتصادية وسياسية وتربوية... ودينية تستدعي التفصيل لاحقاً.

التعليقات (1)

  1. avatar
    أحمد

    جميل ما تفضلتم به و هو مما يجعلني أكره نفسي و أكره المجتمع أتساءل أحيانا هل أنا مخطئ عندما أنظر للمجتمع من منظور مقالكم أم أنني شاذ عن الآخرين.. و ملاحظتي على إحدى النقاط التي تفضلتم بها.. أن هناك فرق بين الإسراف و التبذير مما لا يتطابق مع الآية الكريمة «إنَّ المبذِّرين كانوا إخوان الشياطين» تمنياتي

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع