شارك هذا الموضوع

الطلاق مشكلة أم حل؟

يعتبر موضوع الطلاق من المواضيع الشائكة اجتماعياً، نظراً لما يترتب عليه من نتائج على مستوى الأطراف التي جمعها تحت سقف واحد ارتباط مقدس جميل.


ترى كيف يتحول هذا الارتباط إلى مشكلة عند طرف من أطرافه أو عند الاثنين معاً؟


وكيف ينبغي أن ننظر نظرة موضوعية للطلاق، بالدراسة والتأمل وفهم السبب الكامن وراء تشريعه؟ حتى كيف يمكننا أن ندرك معنى الحديث الذي يعتبر أن الطلاق هو أبغض الحلال عند اللَّه؟
وهل بالإمكان تجنبه، إذا كانت هناك البدائل المتاحة للابقاء على الحياة المشتركة والرباط المقدس والشرعي بين الزوجين خصوصاً عندما يتواجد أطراف آخرون هم بأمسِّ الحاجة إلى الاستقرار والابتعاد عن تفكك عائلي له سلبياته وانعكاساته؟


الزواج قبل الطلاق‏
قبل الخوض في موضوع الطلاق نُطِلُّ على الزواج، أي هذا الاقتران والارتباط بين شخصين، فاللَّه تعالى استخلف الإنسان في الأرض بقوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) (البقرة: 29).
وجعل اللَّه تعالى منه الزوجين الذكر والأنثى وأودع في كلٍّ منهما ما يجعله يميل للآخر، ليتم التزاوج ويكون من ثمراته التناسل ليبقى النوع الإنساني يعمر الأرض، فشرّع اللَّه تعالى الزواج ووضع له نظاماً مرتبطاً به وأولى له اهتماماً خاصاً، وقد بيَّن اللَّه تعالى لكلٍّ من الزوجين ما له من حقوق وما عليه من واجبات.


ورسم درب الاصلاح بينهما وبيّن الطريقة التي ينتهي بها العقد إذا ما عجز الاصلاح عن تصحيحه، والآيات التي تتحدث عن الزواج وأهميته على الصعيد النفسي والجسدي والاجتماعي كبيرة منها: «واللَّه جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة» (النمل: 72).


وفي آية أخرى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» (الروم: 21).


وقد جاء عن الرسول (ص): «ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى اللَّه من التزويج»، إذن الزواج رباط وثيق، ربط اللَّه سبحانه وتعالى به بين رجلٍ وامرأة وأصبح كلٌّ منهما يسمَّي نفسه زوجاً بعد أن كان فرداً، ويحمل الواحد منهما آلام وآمال وأفراح الآخر، فتنشأ المودة والرحمة، ولا تنمو هذه الصفات إلاَّ بقيام كلِّ واحدٍ من الزوجين بحقوق الآخر بما يتلاءم مع هذا الأمان والاطمئنان والمودة والمحبة، وإذا فقدت هذه المعاني لسبب من الأسباب، وطرحت وسائل الاصلاح والتذكير بمعاني الزواج التي أرادها اللَّه تعالى للزوجين واستنفدت السبل، فهنا الآيات القرآنية واضحة: «وعاشروهن بالمعروف».


فإذا لم يعد للمعروف مكان لا بد من ايجاد طريقة ما تجعل كلاًّ من الزوجين يعيش حياة هادئة بلا اضطراب أو مشاكل.


وفي آية أخرى نجد: «الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح بإحسان» (البقرة: 229)، فالهدف هو هذا المعروف القائم بين الطرفين الذين ارتضيا أن يرتبطا برباط الزواج تحت سقف من المودة والمعروف.


الإسلام دين يسرٍ لا دين عسر وقد أتى بكلِّ تشريعاته ليواكب الناس ويصلح حالهم وينقلهم من الظلمات إلى النور ويسعدهم في الدنيا قبل الآخرة، لذا شرَّع اللَّه تعالى الطلاق ليكون حلاً لا مشكلة، ولكن المشكلة عند الناس أنَّهم يجعلونه مشكلة، وذلك من خلال التصرف والسلوك واستغلال هذا الحكم، دون اللجوء إلى حلول أكثر فاعلية وأقل سلبيات ومشاكل وانعكاسات.
ما هو الطلاق:


الطلاق: هو حل الرابطة الزوجية بلفظ يصدر عادة عن الزوج، وعن الزوجة إذا فوِّض إليها ذلك وشاءت هي.


أسبابه ومبرراته تعود إلى حالات يستحيل فيها العلاج إلاَّ بالطلاق والانفصال.
إطلالة على بعض الأحاديث في كراهة الطلاق:


جاء عن الرسول (ص): «ما أحلَّ اللَّه شيئاً أبغض إليه من الطلاق».
وجاء عن الإمام الصادق (ع): «ما من شي‏ء أبغض إلى اللَّه عزّ وجلّ من بيتٍ يخرب في الإسلام بالفرقة».
وعن الإمام الباقر (ع): «إنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ يبغض كلَّ مطلاق ذوَّاق».


فلا بُدَّ إذن من استنفاذ كلَّ الوسائل قبل الوصول إلى أبغض الحلال، فالأصل هو المحافظة على الحياة الزوجية باعتماد الوسائل التي تساعد على بقائها.


وقد ورد حديث عن النبي (ص) عن الطلاق قال فيه: «أبغض الحلال عند اللَّه الطلاق» وهنا قد تثار أسئلة عديدة من حيث كون الطلاق حلالاً ومبغوضاً في ذات الوقت والجواب:
إن عقد الزواج يختلف عن سائر العقود الأخرى كالبيع والاجارة والرهن وغيرها، لأنّ سائر العقود الأخرى عبارة عن علاقات اعتبارية اجتماعية لا دخل للغريزة والطبيعة التكوينية فيها، ولم تضع الطبيعة قوانين خاصة لها، خلافاً لعقد الزواج الذي يقوم على أساس إرادة  طبيعية من الطرفين وله نظام خاص لا بدَّ من إقامته.


والإسلام عندما يجد أنَّ الأساس الطبيعي للزواج قد تلاشى فلا يمكنه أن يعد الزواج أمراً باقياً وحياً، وهنا تتضح الآية أكثر «فامساك بمعروف أو تسريح بإحسان».
عوائق الطلاق ‏وضع الإسلام عوائق للطلاق تفضي أحياناً إلى تأخيره أو عدم الاقدام عليه منها مثلاً:


1  وجود شاهدين عدلين.


2  اعتبار العادة الشهرية مانع في وقوع الطلاق بالرغم من أنها ليست كذلك في اجراء عقد الزواج.


3  وجود مهر المرأة، ونفقة العدة، تجعل الزوج يتأنَّى في ايقاع الطلاق.


4  وجود العدة في الطلاق الرجعي والطلاق حال الحمل حيث يمكن معه للزوج أن يعيد زوجته أثناء مدة العدة.


5  أقرَّ الإسلام المحكمة العائلية التي تساهم في حلِّ بعض المشاكل «وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا اصلاحاً يوفق اللَّه بينهما إن اللَّه كان عليماً خبيراً» (النساء: 35).


ولكن للأسف هناك من أهمل هذه الوصية، فالإسلام يسعى للحفاظ على الارتباط الزوجي والأسرة التي تكونت منه ونشأت تحت ظلاله باستثناء الحالات التي يصبح الزواج فيها مشكلة للطرفين معاً بحيث لا تقام حدود اللَّه، ولا يلتزم بالقوانين الشرعية الأخلاقية للزواج ما ينعكس على الأسرة كلها.


فلعل هذه المحكمة العائلية لو لعبت دورها كما يجب وكما أراده اللَّه تعالى لأصلحت الكثير من الأمور بين الزوجين ولكن للأسف هناك من يلعب الدور النقيض من الأهل والعائلة ويساهمون في توسيع الهوة والمشكلة.


الطلاق مصلحة أم مفسدة؟
فالعلاقة الزوجية ليست قهرية بل هي قائمة على المودة والمعروف، وألاَّ تتحول إلى حياة جامدة غير مريحة للشريكين وهنا شرَّع اللَّه انهاءها بإحسان «أو تسريح بإحسان» كما ورد في الآية 29 من سورة البقرة المباركة.


ذكرنا أنَّ الإسلام دين واقعي يريد للإنسان أن يعيش حياته الدنيوية براحة وسعادة وإيمان ويزرع للآخرة دار المقر والمستقر، وقد فسح المجال للإنسان ليتابع حياته هادئة مستقرة شرط مراعاة الظروف الشرعية والإنسانية في اتخاذه القرارات على كافة المستويات والتأني في معالجة مشاكله لكي لا يقع في مشكلة أكبر من التي يعاني منها، ومن هذه الواقعية الإسلامية تشريع الطلاق حتى مع اعتباره أبغض الحلال.


ولكن عدم تشريعه، ووضع السدود التي لا يمكن اجتيازها عند الشريكين حتى لو تفاقمت المشاكل وهجر الزوجان بعضهما، فإن ذلك يعتبر مشكلة أكبر من تشريع الطلاق ووقوعه، فهناك بعض المفاهيم التي وردت ووضعت تحت عنوان ديني. كالاقتران مدى الحياة حتى لو رفض الزوجان بعد مدة من العشرة والحياة بينهما هذا الاقتران والارتباط، ولذا نجد أنَّ بعض الأفراد يلجأون لدين آخر أو طائفة أخرى ولو ظاهرياً لكي يحصلوا على الطلاق أو الانفصال عن الشريك غير المرغوب فيه، وهذا ما نشاهده ونسمع عنه كثيراً في العديد من الأوساط، وقد يحصل العديد من الانحرافات من قبل الشريكين الزوجين أو أحدهما هروباً من الزواج الذي لا يريده أو فرض عليه مدى الحياة. فهذه الديمومة أي عدم قابلية الزواج للانحلال قد تجعل في بعض الحالات هذا الزواج يؤدي إلى مفاسد عديدة نفسية واجتماعية بحيث ينحل تلقائياً حتى لو لم يقع الطلاق حقاً على المستوى النظري.


بينما في الإسلام، الغاية المرجوة من الزواج هي الديمومة القائمة على المودة والمعروف والرحمة والاستقرار وبناء أسرة سعيدة، وفي حال فقدت هذه الأمور، شرّع الإسلام الانفصال لمصلحة الشريكين شرط التأكد من صحة الظروف المتوجبة للطلاق واستنفاذ كل الوسائل. وكم من حالات قد توجب الطلاق شرعاً مثل، العقم عند بعض الأزواج، فنجد هؤلاء قد عاشوا المودة والمعروف فاستطاعوا تجاوز رغبتهم بالبنين أو البنات من أجل  هذه العشرة والحياة الزوجية السعيدة بينهما، وكم من أزواج أو زوجات يصبرون على أذى الطرف الآخر، احتساباً لوجه اللَّه تعالى، للأجر أو محبة للطرف الشريك حتى مع بعض السلوكيات الصعبة أو التي توجب الانفصال وتريح هذا الطرف أو ذاك. وكم من أزواج أو زوجات يفضلون الحفاظ على الأولاد، لكي ينعموا بحياة مستقرة بين الأبوين حتى لو كان ذلك على حسابهم الشخصي وعلى حساب راحتهم ومستقبلهم الأكثر هدوءاً وسعادة لو حصل الطلاق، وهناك قاعدة لو اتبعناها لألفينا الكثير من الزيجات والبيوت والعائلات، في أحسن حال وأهدأ بال وأكثر سعادة وهناء، إنها المستقاة من الآية المباركة: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» (البقرة: 229).


عندما تعيش الأسرة الإسلامية الأمان ينعكس ذلك على أداء أفرادها في مجتمع يحتاج إلى الذين يعيشون في ظروف داخلية آمنة وسعيدة لكي يتفرغوا لتحديات اجتماعية أكبر.

التعليقات (1)

  1. avatar
    سلام

    أبعد الله عنا هذه الآفات

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع