شارك هذا الموضوع

ظروف البيعة وأسبابها

بعد أن اتّضح أنّ المأمون يعيش حالة بالغة الخطورة وشديدة التأزّم فكر ملياً فخرج بالنتائج التالية من أجل الحفاظ على ملكه وملك العباسيين فآمن أنّ إنقاذ الموقف يتوقف على:


1- إخماد ثورات العلويين الذين كانوا يتمتعون بالاحترام والتقدير ولهم نفوذ واسع في جميع الفئات والطبقات.


2- أن يحصل من العلويين على اعتراف بشرعية خلافة العباسيين وليكون بذلك قد أفقدهم سلاحاً قوياً لن يقرّ له قرار إلاّ إذا أفقدهم إيّاه.


3- استئصال هذا العطف وذلك التقدير والاحترام الذي كانوا يتمتعون به وكان يزداد يوماً عن يوم، استئصاله من نفوس الناس نهائياً والعمل على تشويهم أمام الرأى العام فالطرق والأساليب التي لا تثير الكثير من الشكوك.


4- اكتساب ثقة العرب ومحبتهم.


5- استمرار تأييد الخرسانيين دعامة الإيرانيين له.


6- إرضاء العباسيين والمتشيعين لهم من أعداء العلويين.


7- تعزيز ثقة الناس بشخص المأمون الذي كان لقتله أخاه أثر سيئ على سمعته وثقة الناس به.


8- أخيراً أن يأمن الخطر الذي كان يتهدّده من تلك الشخصية الفذّة التي كانت تملأ جوانبه فرقاً ورعباً وأن يتحاشى الصدام المسلح معها ألا وهي شخصية الإمام الرضا (عليه السلام) وأن يمهّد الطريق للتخلّص منها والقضاء عليهــا قــضاءً مبــرماً ونهــائــياً.


هذه هي الطرق التي فكّر فيها المأمون لإيجاد دولته وإغاثتها من الانزلاقات الخطيرة التي تتعرض لها يومياً.


فما المنقذ إذاً والناس عنده أتباع وشيع وفرق هذا عثماني وهذا علوي وهذا زيدي وهذا بكري وهذا يحب الخلفاء ويعتبرهم معصومين وهذا يطعن فيهم وهذا أموي وهذا يسب الأمويين والوضع السياسي صعب للغاية.


فهل يترك الحبل على غاربه ويخرج من ظل الخلافة أو يقدمها لقمة سائغة لبني العباس بعد قتل أخيه المخلوع أو أنّه يتنازل عنها للعلويين والملك عقيم. ما الحل إذاً؟ الحل أن يتظاهر بشيء ويفعل غيره ويعيش حالة من التناقضات غريبة فيما هو يجعل علياً أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يرضى من أحد أن يتجرأ على مقام الشيخين وتراه مرة أخرى يخاطب الخليفة الثاني بـ(يا جعل) في قصة المتعة وإذا به يذكره بخير أمام محبّيه.


وإذا كتب للعباسيين الذين لا يعرفون بعد نظره يقول لهم: (إنّما أردت حقن دماءكم وحفظ سيادتكم وتوفير حظكم وأنتم لاهون سادرون عما يراد بكم) وإذا اجتمع إلى العلويين اعتذر إليهم من جرم آبائه وأجداده وإنّه سيكون لهم الدرع الحصين وسيرد لهم التراث الإسلامي العظيم وهكذا تلوّن كتلون الحرباء مرة مع هذا وأخرى مع ذاك ويكسب عطف الجميع وينهي العصيان والتمرّد على طاعته وليجمع أمره وشأنه.


وأخيراً رأى أنّه لا حل ينجح القضية الحرجة ويخلصه من كل هذه المآسي إلاّ بالعهد لعلي بن موسى الرضا وكان هذا الرأي الأخير هو أحسن الآراء التي اعتمدها لإنقاذه من ويلاته وحروبه الدامية ولهذا كتب للإمام الرضا (عليه السلام) وهو بالمدينة يرجوه بالتفضّل والقدوم عليه لينزع نفسه من الخلافة ويحوّلها إلى الإمام.


فامتنع الإمام أشدّ امتناع ورفض رفضاً مطلقاً ولكنهم أصرّوا على إخراجه من دار النبوّة ومختلف الملائكة إلى دار غربة بعيداً عن أهله ووطنه.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع