شارك هذا الموضوع

مَاذَا لَوْ أَصْبَحْتُ نَازِيَّاً؟ أَيَكُونُ أَفْضَل؟

مَاذَا لَوْ أَصْبَحْتُ نَازِيَّاً؟ أَيَكُونُ أَفْضَل؟


هل يُطلَبُ من الثّأر أن يستكين لهراء السياسة؟! وهل يُطلبُ من الدّم أن يكون كفافه هزّة كتف ودمعة؟! وهل يُطلبُ من الغزّيّين أن يُردّدوا ويقبلوا بأن "الفلسطيني الطيّب هو الفلسطيني الميّت"؟!.


ما ضرّني وشرفي لو أنني ذَبَحْتُ "فَصْداً بمبضع الظلم" صهاينة في يافا وحيفا، أفصل رؤوس رجالهم عن أجسادهم، وألِجَ بيوتهم فأسبي حريمهم، وأترك أطفالهم حرّى تُذاوي جراحها بالجراح، وآهاتها بالآهات، ونّزفها بالنزف، وألمها بالألم.


ما ضرّني وشرفي لو أنني تشبّهت بمنظمات الإرغون والهاجاناه وشتيرن أقتل وأفجّر وأهجّر، فأنا مكلوم مفجوع مُعَزّى، لا جرحي بصائر إلى اندمال. ولا قلبي الدامي بمُنجبر، ولا من سجّيناهم في لُحُودِهم من أهلنا بقادرين على النهوض لأطفالهم.


مِخْرَزُ الألم اليوم بلا حدود. ولا شرعية لشيء سوى القصاص، في أيّ ميقات وفي أيّ أرض هم يهجعون فيها. فالمتُعدد اليوم هو أن يرتوي الضحية بدم جلاّده حتى الثّمالة. فيألم الصهيوني مثلما يَألَم الفلسطيني. فيُقام القسط بالميزان.


اليوم يجب أن يألف ناظرا الصهيوني بأطفالٍ منه ينامون جرحى لأيام أربعة مع أمهاتهم القتلى دون أن يدري بهم أحد. يجب أن يألف عائلة منه بأسرها تُباد، ثم تُترك لسبعة أيام تأكل من أجسادها الدواب والكلاب.


يجب أن يألف كيف يُحصي عدد الرؤوس الصهيونية المُقطّعة في مشافيه فلا يجد ما يُناسبها من جثامين لشيوخ ونساء وأطفال. ويجب أن تكتوي ذاكرته برجل يفقد أباه وأمّه وخمسة من أخوته وثلاثة من أولاده في وجبة واحدة.


يجب أن يألف كيف ينام بشمعة دون كهرباء. يقرص جلده البرد. ويضع رأسه بين ركبتيه من اليأس. وأن لا يستقلّ حافلة مخافة أن تُقصف أو تُنسَف. وأن يأكل علف الحيوانات ويشرب من مياه الصرف الصحي بسبب الحصار، وأن يتداوى على الأرصفة وفي الأزقّة.


كل ما يَنضَحُ به مجاز القتل والتنكيل والضرب هو منتهى الطلب اليوم. ولِيقضي السياسيون مهاترات لا تنتهي بشأن السلام وإجراءات الوضع النهائي، واللاجئين، والقدس، والبلدة القديمة، والمستوطنات، لكنني أحتفظ بحقّي في الانتقام. في أن أعمل ما يُمكن أن يُعوّضني عن كل ما فقدت حتى ولو أقمتُ غيتو وهولوكوست بطريقة عربية.


لماذا يجب أن يكون الفلسطيني والعربي والمسلم شريفاً نظيفاً يلتزم العقل ونظريات المناطقة؟! لماذا يجب أن يكون مُحبّاً للسلام يلتحف بغصن الزيتون ويُراعي في الأغيّار إلاًّ وذمّة. لماذا لا يكون مُحبّاً للموت كما يُحب الصهاينة الحياة.


اليوم لا أجد مجال ومُتّسعاً لأحد أن يقول قولاً ليّناً مع العدو، وإن حَدَث فهذا يعني أن من يُلِين القول مع العدو مُشترك معه في الجريمة. أقول هذا الكلام ليس لأنني ديماغوجي معوال، بل لأن ما جرى في قطاع غزّة هو كارثة إنسانية وصفتها هكذا منظّمات دولية. وقبل كل ذلك فإن ضحايا تلك الكارثة هم أبناؤنا وآباؤنا ونساؤنا.


وفي السياسة يجب أن يُقال. بأن ما جري ويجري في غزّة هو سبيل خاص ومفتوح، للحديث عن كل ما يمتّ للعدوان الصهيوني بصلة. حديث يمتد إلى تفتيت خيار العرب "الاستراتيجي" البائس في السلام، وإلى إنعاش خيارات الحرب والتحرير، وإلى استبدال القيم السياسية العربية بقيم أكثر لياقة تتناسب مع المرحلة.


ليس هذا فقط، بل يجب أن يُنفض الغبار عن جوانب أكثر جدليّة، تبدأ من السلاح مروراً بالأخلاق وانتهاءً بالسعي لإيجاد حماية قانونية دولية وإقليمية نستحقها نحن العرب والمسلمين أسوة بما لدى الآخرين.


الكل يعلم أنه وبعد التنكيل الذي أصاب يهود أوربا على يد دولة الرايخ الثالث النازيّة دفع ذلك بالعقول اليهودية لأن تصيغ معظم المنظومات القانونية الدوليّة المعمول بها حالياً والتي تتعلّق بالجرائم ضد الإنسانية واستهداف المدنيين.


العرب والمسلمين يملكون جزءً كبيراً من مفاعيل الطاقة والمال في العالم. ولديهم القدرة الكافية لإتمام الحدّ الأدني من التأثير. فإذا كان البرازيليون بتاجرون بالبُن السياسي، والهولنديون بالتوليب المُسيّس، فلماذا لا  يُسيّس العرب نفطهم من أجل مصالحهم؟!.


اليوم تعبث الصهيونية العالمية بعلاقات الطوائف والشعوب بعضها ببعض. هي أفسدت علاقات الأديان الإبراهيمية الموحّدة مع بعضها، وصار اليهودي منبوذاً بِفِعل الصهيونية وجرائمها وخلطها ما بين التصيهن العلماني والبروتستانتي وبين اليهودية كدين واليهود كبشر.


وبالتالي فإن الاستفهام يبقى قائماً لتفسير علاقة العقل اليهودي بالحركة الصهيونية العالمية. ليمتد السؤال: هل يُعقل أن اليهودي الذي حُرِقَ أجداده في الثلاثينيات المنصرفة يُمارس ذات الأفعال التي ذاقها على يد جلاديه، ثم يخرق ذات المُنجز القانوني الكبير الذي أنتجه كردّة فعل لما عاناه؟!


هذه مشكلة شاخصة بقوة. فكل من يقرأ التاريخ اليهودي سيُدرك بأن مجال الخصومة بين اليهود وغيرهم من الشعوب تتضاعف في أوربا وروسيا وليس في العالم العربي والإسلامي اللذان احتضنا الأقلّيّات اليهودية منذ مئات السنين.


في روسيا كانت إجراءات مايو في القرن الثامن عشر تُعطي السُكّان الروس الحق في طرد اليهود من قراهم وعدم السماح لهم بالعمل فيها، ولا تُجدّد عقود الإيجار معهم، وإغلاق معبد موسكو وطردهم من العاصمة.


وفي شرق أوربا تَنَكَّلَ اليهود في أواخر القرن التاسع عشر، وأُجْبِروا على سكن الأقبية والسُرادقات قسراً لكي لا تختلط تجارتهم ودماؤهم مع النبلاء والبرجوازيين. هذه ذاكرة اليهود تجاه من أقاموا عليهم الحيف.


وبالتالي فإن ما يقوم به هذا الكيان الصهيوني وما تُعْمِلُهُ آلته العسكرية بحق الفلسطينيين هو خلط ما بين جرائمه كصهيوني يُطالب بتهويد الكيان وبين اليهود كأمّة صاغت قوانين العالم. وتالياً هو عبثٌ وتهييج استراتيجي لعداء إسلامي يهودي ، وبصقٌ على أعراف وحقوق وأملاك البشر.


العالم اليوم بأسره يدفع ثمن خطأ تاريخي سُمّي مشروع "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". الجميع يأخذ بجريرة ذلك، والجميع يُريد أن يستطبب الداء في جلد يُطوّق عظماً ملتهباً يصدر منه الألم دون سواه.


 


 

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع