شارك هذا الموضوع

الإخوة في أسرة اليوم

تعتبر الأسرةُ في مركز التحولاتِ الاجتماعية ماضياً، حاضراً، ومستقبلاً فالرجلُ والمرأةُ والطفل والشاب والشابة هم روافد الحياة الأسرية ورأسمال المجتمع في الوقت نفسه.


هذه الأسرة التي كانت ولا زالت تشكِّلُ صمَّامَ الأمان، ومهدَ العواطِفِ النبيلة، ومحضن النفوس، وعافية المجتمعات، من أجل ذلك أصبحت هدفاً للكثيرِ من السهام التي اجتاحت قيمنا ومجتمعنا من أجل تمزيقها وانكار الروابط التكاملية والتبادلية فيما بينها.


وحتَّى لا تفقد الأسرة قاعدتها الإنسانية، ومضامينها الرسالية وحقيقتها الأساسية في نمو الحياة واستقرارها لا بُدَّ أن يعي كل فردٍ من أفرادِها واجباته ودوره والقيم التي تؤدي الى أسرة سعيدة تستقر على شاطى‏ء الأمان الإجتماعي.


نظراً لتعدُّد الشعارات التي ترفع والتماهي في قيم ومستجدات لا تُسْمِنُ ولا تُغني من جوع، فالأسرة هذه المؤسسة الاجتماعية التي كانت موضع احترام وتقديس خاص في الإسلام على اعتبار أنَّها مهد النمو والتربية والمودة والرحمة.


أيضاً في المسيحية نقرأ: »أنّ‏َ الأسرة شركةٌ تبنى على الحبّ‏ِ والتعاون وهي تساهم في تطوير المجتمع وتضفي عليه مسحة انسانية تخفِّف من حدَّة المصالح المتضاربة بين أفراده«.


وهنا لا بدَّ من الحفاظ على العائلة الصغيرة من هجمة تفْرز أخطاء تهدد مصير ما عرفناه من معانٍ ومفاهيم عن هذا العالم الصغير كالنواة ولكن عليه تقع مهام الزرع والثمر فيما بعد.


لكي يبقى البيت محصناً في سقفه ونوافذه وجدرانه وأعمدته ودعائمه التي يقوم عليها.


كما ينبغي على الأسرة ذاتها أن تراعي المحيط الذي تعيش فيه وهذا يقع على عاتق الأبوين بالدرجةِ الأولى لإعادة ترتيب الأولويات ومعرفة الحاجات.


وهنا نستحضر بعض الملاحظات في علاقة الأخوة داخل الأسرة الواحدة.


1 - الفجوة بين الأخ وأخيه، فقد أصبح الكلام بينهما قائماً على المناسبات فتارةً يجلس الواحد مع صديقه وتارة مع التلفاز وطوراً مع الكمبيوتر.


2 - الغربة الداخلية: فنجد أنّ‏َ الاستقلالية المصطنعة أحياناً تحل مكان الألفة والتعاون أو حتى في استعمال بعض الأغراض الخاصة بهذا الأخ أو ذاك أو حتى في التعاطي الحقيقي مع المشاكل التي يعاني منها أحدهم حيث يتخذ كلّ‏ُ واحدٍ ركناً خاصاً تحت عنوان الاستقلالية.


3 - ظاهرة الهروب من البيت والأعذار كثيرة حتى لا يواجه بعض الأمور التي تشكل ملح الحياة أحياناً.


4 - الضياع في مصطلحات ابتعدت عن معانيها الاساسية كالأصالة والمعاصرة دون العمل على التوازن السليم بينهما من أجل عدم الانزلاق الى متاهات المصطلح ومصاديقه غير الواقعية.


5 - الابتعاد عن الأجواء التي كانت تسود العائلة فيما مضى من حيث الالتفاف حول جيبة واحدة تشكل رمزاً للتكافل المادي فيما بين أفراد الأسرة.
فكل واحد له جيبته الخاصة وماليته المستقرَّة. لسنا ضدَّ الاستقلالية في شتَّى أنواعها ولكن أن لا تصل الى حالةٍ من عدم الاهتمام بما يعاني منه أحد أفراد العائلة لدرجة قد يلجأ فيها الى الغريب ولا يلجأ الى أقرب المقربين لديه داخل أسرته.


6 - استبدال مفهوم الرباط العائلي بمفهوم الحرية الشخصية وهذا ما يشاهده الشباب وحتى الأطفال في المواد التي تعرض على شاشات التلفزة لا سيما الأجنبية والغربية منها فقد يرفض الواحد مثلاً اخوة أخيه أو أخته إذا تعارضت مع حريته الشخصية وهذا ما يتأثر به المتلقي ليصبح متقمِّصاً بدوره للقصة وما دار فيها من أحداث ووقائع.


7 - غياب الحضور الطبيعي للأب والأم في حياة الأبناء وعدم ممارسة الدور الملقى على عاتقهما بتعزيز معنى الأخوة وتعزيز مساحات الحوار والجلوس مع بعضهم البعض.


اذاً الفردية المفرطة هي التي تحتاج الى علاج وهي من المشاكل والسمات التي تتفاقم يوماً بعد يوم بين الأخوة وأفراد الأسرة تأثراً بمفاهيم ومجتمعات أخرى. وهذا لا يعني عدم احترام بعض الخصوصيات لكلّ‏ِ انسان سواء كان تحت سقف العائلة الصغيرة أو الكبيرة )أي الجميع(.
الاباء والأمهات دورهم حافلٌ بالمسؤوليات وهم الخيط المتين الذي يوصل العلاقات داخل الأسرة كما يجب أن تكون.


الأخوة تتسع في مداها لتطال النظرة الرحيمة والبسمة المستمرة والشعور بما يعيشه الأخ من فرح أو حزن...


هذه الأخوة هي ركيزة الأخوة الاجتماعية بمعناها الأعم، ولا غنى عنها مهما عشنا مع الأصدقاء والمعارف، فلكلّ‏ٍ موقعه وخصوصيته.
وهنا نستحضر قولاً متداولاً على السنة الناس منذ زمن »ربّ‏َ أخٍ لك لم تلده أمُّك.


نأخذ منه أكثر من بعدٍ، فعندما يتحول الصديق أو القريب الى أخٍ فهذا يدل على مكانةِ الأخ الكبير في أذهان الناس وفي طبيعة الحياة كما يدل على محبة هذا الشخص وتفانيه ومواساته لمن اعتبره أخاً حقيقياً ولكن دون ان تجمعهما أمّ‏ٌ واحدة، ونفهم أيضاً من هذا القول شيئاً اخر وهو أنّ‏َ بعض الأخوة قد يتنازلون طوعاً عن أخوَّتهم ويعيشون الفردية بعيداً عن القيمة العظيمة التي أودعها الله تعالى فينا فيكون أخاً بالاسم لا بالفعل وبالهوية لا بالشعور والسلوك.


كم هو جميل جلوس الأخوة مع بعضهم يتبادلون طرائف الحديث ويحللون ما يعانونه من مشاكل أو يمدون يد العون لبعضهم البعض إذا اشتدت ظروف وحاجات.


ولا ننسى الحديث الوارد عن الإمام الصادق‏عليه السلام:


المرء كثيرٌ بأخيه.
وحتى لا يفسد الجفاءُ الإخاء« كما قال الإمام علي‏عليه السلام. ينبغي ان لا تسود القطيعة بين أفراد الأسرة الواحدة وخصوصاً الأخوة فيما بينهم وأن يحافظوا على النصيحة والتواصي بالحق في وقت صعب أخلاقياً واقتصادياً واجتماعياً...


وقبل أن نختم الحديث نعرض لمناسبة عظيمة حملت معنى الأخوة حين اخى الرسول‏ بين المهاجرين والأنصار، لأنه لا يوجد معنى أعظم من معنى التاخي ليجمع الرسول‏P بين المؤمنين والمسلمين تحت سقف من المودة والمحبة والتعاون على السراء والضراء.


إذاً الأسرة هي مهد الأخوة وبنيانها، وينبغي ان لا يعيش الاخوة غرباء تحت سقف واحد من العائلية وإذا كانت العلاقات متينة بين أفراد الأسرة انعكست متانتها على واقع المجتمع كُلِّه وهذا ما يحمي من العواصف التي تمزِّق أشرعة السفن التي تريد الوصول الى شاطى‏ء الأمان بأفرادها وركابها.


إن تطوير واقع الأسرة وتحصينه واغناءه محل نقاشٍ ودراسات وكتابات ولكن يبقى السؤال:


أين هي الأسرة المثالية اليوم؟


وما هي شروط وجودها وبقائها؟


في ظلّ‏ِ ما نعيشه من تطورٍ معلوماتي وثورة مفاهيمية وخلطٍ في القيم؟


نلا الزين‏

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع