شارك هذا الموضوع

أمي! أبي! - لماذا أكذب؟ وكيف أكون صادقاً؟

أنا طفل أسمع وأرى، ألاحظ أفكر أتحرك، لي حريتي ولي أهدافي، عندي آمال وأمانٍ أحب أن أحققها...
أنا طفل؟ نعم طفل صغير الجسم كبير العقل، مشروع إنسان متكامل: أراقب، أحاكي، أقلّد، أؤلف، أركب... صوراً أفعالاً وحركات وأبقى في نظركم طفلاً لا يعي شيئاً.


أمي الحبيبة! والدي الحبيب!
إذا خرجتما لزيارة بعض الأقارب أو الأصدقاء لا تقولا إنكما ذاهبان إلى الطبيب.
وإذا كان مزاجكما لا يسمح برؤية أحد فلا تطلبا مني أن أجيب أنكما خارج المنزل وأنتما أمامي.


والداي العزيزان!
لا تعداني بشي‏ء ثم تنسيانه أو تتجاهلانه لأن ذلك يؤذيني فأعدكم بما تحبون وأخلف وعدي.
ولا تقسيا عليّ إذا أخطأت حتى تجبراني على الهروب من الحقيقة فأكذب لأنجو من العقاب الذي لا أحتمله.


ما هو الكذب:
الكذب هو ذكر شي‏ء مخالف للحقيقة قولاً أو عملاً بنيّة الغش والخداع والتضليل: وقد يكون للحصول على نتيجة محبّبة أو هروباً من ألم محتّم أو انتقاماً وتشفياً.


وهو سلوك مكتسب فلا يمكن أن يكون بالفطرة أو الوراثة أبداً.


وقد أكد الإسلام على أهمية الصدق وأظهره من بين الصفات والأخلاق الحميدة التي يجب على الإنسان المؤمن أن يتحلى بها قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه وكونوا مع الصادقين) (التوبة: 119).


فيما أنكر الكذب وصوره بأقبح مظهر حتى جعله من أكبر الكبائر، إذ به تُغطّى وتُخفى باقي الذنوب. قال تعالى: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات اللَّه) (النحل: 117).


قال الإمام العسكري عليه السلام: «جُعلت الخبائث كلها في بيت واحد وجعل مفتاحها الكذب».


لهذا نجد من المهم جداً بل هو أمر خطير ترك هذه الظاهرة وهذا السلوك ينمو مع الطفل.


وقد يبدأ الطفل بالكذب في مرحلته الأولى أي من عمر السنتين وما فوق ويكون خيالياً أو هروباً من نتائج فعل قام به. (كأن تسأله الأم بغضب شديد من كسر هذا فيخاف ويشير إلى أخيه أو أخته ويقول فلان، عندها تضحك الأم لصغره وذكائه في الهروب فيتكرر الأمر ويصبح واقعاً وصفة لازمة.


أسباب الكذب وأنواعه:
1 الكذب الخيالي: نتيجة ما يسمعه من قصص خيالية ولأن تنمية الخيال أمر مهم وضروري للطفل يبدأ الطفل بنسج روايات من وحي خياله فيضفي أفعالاً وأقوالاً صفات وحركات بعيدة كل البعد عن الواقع. فتارة تسمعه يجعل من نفسه بطلاً لقصة سمعها وأعجبته فيضفي عليها بعضاً من أحلامه وتصوراته ويكون هو البطل الذي تغلب على الوحش الفلاني، أو رائد الفضاء الذي صنع مركبة وصل بها إلى القمر وهكذا، وهذا يُعرف بأحلام اليقظة وهي ضرورية للطفل لتجعل منه إنساناً خلاّقاً مبدعاً، شرط أن لا تتحول إلى حالة مرضيّة تسيطر على حياته فتفسدها، وأحياناً يخلط بين الواقع والخيال وذلك عندما يسمع عن شخصية أو حدث لا يعرف صوره فيؤلف الصور والأحداث بمستوى مخيلته وينسج ذلك مازجاً بين الواقع والخيال.


2 الكذب التقليدي (أو القدوة).
ينشأ الولد لا يعرف ما هو الكذب أحياناً فإذا بالأهل يمارسون الكذب، بشكل واضح أو بأسلوب غير مباشر، أمام أطفالهم غير مبالين بمدى انعكاس ذلك على سلوكهم فيما بعد: (مثلاً يرن جرس الهاتف يسأل عن الأب فيقول: قل له إني لست موجوداً أو الأم فتقول: إني في السوق...) والجانب الآخر عندما يعد الأهل أولادهم بهدايا أو أشياء ثم لا يفون بها. عندها يلجأ الولد إلى نفس الأسلوب فيقول لأستاذه لم أفعل الواجب لأني كنت مريضاً وهو قد قضى وقته باللعب..


3 الكذب الأناني أو الغرضي (التباهي، والشعور بالنقص):
ويحدث هذا إذا كان الولد يشعر بالنقص أمام الآخرين فإذا حدث ومدحنا ولداً آخر قام بعمل ناجح لم يستطع هو القيام به، يكذب على الأهل ويقول للأهل مثلاً. إنه استطاع حل مسألة لم يستطع زملاؤه حلها ليحصل على الاعجاب والمدح، وليسد شعوره بالنقص من جهة أخرى.
4 الكذب الادعائي والمرضي (النقص العاطفي):


أحياناً يشعر الولد أنه بحاجة للرعاية والحنان ويرى أنه لا يحصل ذلك إلا في حالات خاصة فيدعي المرض لينال العطف والرعاية والاهتمام.


5 الكذب الدفاعي:
يقع الولد في ورطة ولا يرى لها مخرجاً سوى الكذب كأن ينال علامة لا تنال رضى الأهل أو يضيّع مالاً كان معه وهو يعرف تماماً العقاب القاسي الذي ينتظره، فيلجأ إلى الكذب هروباً من العقاب (دفاعاً عن نفسه).


6 الصرامة في المعاملة:
ونعني بها الدقة الزائدة في البحث في تفاصيل حركات الولد وكلماته بحيث لا نترك له مجالاً للاستقلالية ولشي‏ء من الخصوصية الذاتية التي يحتاجها الطفل في حياته اليومية بحيث يشعر أنه محاصر من كل الجوانب خصوصاً إذا سبق ذلك دلالاً مفرطاً أعقبه قسوة وحزماً مفرطاً.


7 الكذب الاتهامي (الانتقامي):
وهو أخطر أنواع الكذب لأن الولد هنا يلفق التهم لغيره من أخوة وأصدقاء... انتقاماً أو حسداً أو غيرة لينالوا العقاب فيتلذذ هو ويفرح بذلك إذا لاقى نجاحاً لمكيدته.


كأن يشي بأخيه أو صديقه لدى الأهل أو المدرسة ويلفق تهمة له ليس لها أساس ويكون قادراً على حبك أحداثها لتبدو صحيحة وصادقة وقد يلجأ للكذب أحياناً دفاعاً عن صديق يحبّه ولأجل غايات أخرى ولكن هذه هي أهم أسباب الكذب.


ما هو العلاج؟ وكيف تكون الوقاية من الكذب؟
1 معرفة الدوافع والأسباب: قبل تحديد العلاج لا بد من معرفة الدوافع والأسباب الكامنة وراء كذب الطفل وادعائه والعمل على تحاشيها، وذلك بإعداد نظام تربوي مشترك بين البيت والمدرسة (مع أفراد العائلة) ولا بد من منح الطفل الثناء والتقدير للعمل الذي يقوم به مهما كان صغيراً. إضافة إلى منحه بعض الاستقلالية والحرية في تصرفاته.


2 تعليم القيم الأخلاقية: تعليمه القيم الأخلاقية والسلوكية الصادقة مع تبادل الثقة والاحترام له وللآخرين، وذلك من خلال مفاهيم القرآن الكريم وأحاديث المعصومين عليهم السلام بقصّ السِّير والقصص التي تنمي وتعزز هذه القيم والمبادى‏ء.


3 القدوة الحسنة: لا ينفع أي تعليم وأي زرع إذا لم يكن متآلفاً مع سلوك صادق وقدوة حسنة؛ فالأهل الذين يكذبون على أطفالهم أو أمامهم لا ينتظرون أن يكون طفلهم مختلفاً عنهم. خاصة الوعود التي لا يتم الوفاء بها فلا نعد أولادنا وعوداً نعرف مسبقاً أننا لن نفي بها لاحقاً.


4 الثواب والعقاب: الثناء والمدح ضروريان بعد كل عمل حسن قام به الطفل وإظهار الاحترام والتقدير لعمله، خصوصاً بعد تصحيح خطأ كان قد أخطأه وتراجع عنه. واللوم والعقاب عند الأخطاء التي يقوم بها الطفل لكن العقاب المعنوي (كحرمانه أمراً لمدة محددة ومحدودة) وإظهار أن الكذب سينكشف ولو آجلاً وسيكون العقاب نتيجة لذلك. (العقوبة: حرمانه من بعض الامتيازات مع التأكيد على عدم القسوة الزائدة لأن تأثيرها سلبي أكثر).


5 مساعدة الطفل على قول الحقيقة: وذلك بتنمية الوعي الذاتي لديه، كأن نطلب إليه استرجاع الحادثة وطلب إعادة ما نشك بصدقه ليفهم أننا نشكك بذلك. هل أنت متأكد من أن هذا قد حصل؟ أو إذا قال بأنه سيقول لمعلمته أنه كان مريضاً فلم يفعل الواجب، فلنعلمه بأن استياءها سيكون أكبر عندما تعرف الحقيقة.


6 اعطاؤه البدائل والخيارات: وذلك يجعله يختار بين الصدق والكذب والتنفيس عن مكنونات ذاته وأحلام اليقظة لديه بأن يعبر عنها بمهارات فنية يمكنه القيام بها (رسومات ألعاب هوايات..) بدل إظهارها على شكل أكاذيب وأوهام خيالية.


7 إشباع حاجات الطفل: اعطاؤه ما يحتاجه من حنان ورعاية إضافة إلى ما يحتاجه من إبداع حسب قدراته بأن نوجهه نحو أعمال يستطيع القيام بها والابداع فيها لينال الرضا عن نفسه وينال الرضا منا فلا يحتاج إلى ادعاء نجاح أمام فشل واجهه.


8 التقليل من العقاب البدني: فالشدة والقسوة تولدان الهروب والحاجة إلى الكذب للهرب والنجاة مما يخاف ويخشى.


سكنة حجازي‏

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع