شارك هذا الموضوع

العناد في الطفل

 بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏
(يا أيها الذين امنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) (التحريم: 6)


أمي! أبي! - لست عنيداً
أمي الحبيبة أنا لست متمرّداً ولا أحب أن أعصي أوامرك لكني لا أحب القهر والأوامر المتكررة.


أبي العزيز لست ممن يخالفون طلباتهم لكن لا تكن ملحاحاً فهذا يجعلني في ضيق فلا أستطيع القيام بما تطلب.


أعزائي إنني مثلكم عندي الأنا والذات ولي شخصيتي المستقلّة وقدراتي المحدودة فلا تحرموني منهما بالقهر تارة وبالتعليمات الصارمة طوراً.
أرجوكم ارحموني وانظروا إليّ كإنسان يتحرك ينمو يشعر له إرادة وله حياة خاصّة به. لا تنعتوني بالمتمرّد فلا أعرف معناه ولا بالعصيان فأنا لا أفهم مؤداه.


فما هو العصيان والتمرّد يا ترى؟ (العناد)
العناد سلوك يظهر في امتناع الطفل عن تنفيذ ما يطلبه منه الاخرون (الأهل، المدرسة..) بشكل مقاومة علنية فهو يرفض التكيف مع البيئة الاجتماعية في قواعدها ونواميسها التي تفرضها. ولا يقبل أي مساومة أو مناقشة في الأمر. وهو سلوك مكتسب ليس له أي بعد وراثي أو جسدي أو غير ذلك لذا فإنه ينشأ مع الطفل أو المراهق من خلال البيئة التي يعيشها.


أما مظاهره فتتجلى في:
1 شكل مقاومة سلبية، بحيث يؤخر تنفيذ الطلب، ويظهر عليه الحزن، ثم يشكو ويتذمّر وقد ينفذ أخيراً لكن قهراً وبدون حب للفعل.


2 تحدٍ ظاهر «لن أفعل» «لن أقوم».. فيكون الطفل مستعدّاً لتوجيه إساءة لفظية أو انفجار في ثورة غضب للدفاع عن موقفه.


3 نمط عصيان حاقد وهو المرحلة الأعلى حيث يقوم الطفل بعمل معاكس لما يطلب منه فإذا طلبت الأم الهدوء يصرخ بصوت عالٍ، مثلاً.


أمي عندي امال، هي صغيرة مثلي، لكنها طموحات وأحلام، فلا تصدميها بنواهٍ وأوامر. أبي عندي قدرة محدودة (جسدية وفكرية) فلا ترهقها بالطلبات الاجتماعية وغيرها.


فما أسباب العناد يا ترى؟
1 التساهل المفرط في معاملة الطفل بحيث تلبى طلباته دون أن يقوم بأي عمل خاص به مما ينعكس في تعامله مع الاخرين (مدرسة أصدقاء...).


2 القسوة المفرطة في إجباره على اتباع نظام معيّن في المعاملة (اداب الطعام، الجلوس، الطاعة الفورية لأي أمر، الحركات داخل البيت...). هذا النقد المستمر يجعله متمرداً وعنيداً.


3 التذبذب في المعاملة: عدم اتباع منهج موحّد بين الأب والأم مما يؤدي إلى تفكّك شخصية الطفل واضطرابه فيؤدي به إلى العصيان والتمرد.


4 إهمال الوالدين لدورهما: عندما ينشغل الوالدان عن أولادهم (في مشاكل عائلية دائمة، أو العمل خارج المنزل). وينصرفان إلى شؤونهما الخاصة فإن ذلك يجعل الطفل غير مطيع لهما فيما يطلبانه.


5 شعور الطفل بعدم الأمن والأمان: وذلك إما لغياب أحد الوالدين (موت، طلاق، سفر..) وهذا الغياب قد يكون مرحلياً أو دائماً وفي كلا الحالين فإن الطفل سيشعر بعدم الاستقرار ويفقد الثقة بمحيطه فيكون مشاكساً أو عنيداً ومصرّاً على موقفه بنتيجة إحباط حصل عنده لأنه يطلب حاجاته النفسية (من الأب أو الأم) فلا أحد يلبيها فكيف سيلبي هو طلبات الاخرين.


6 تفضيل الوالدين أحد الأبناء: وهذه مسألة خطيرة ينشأ عنها العديد من الحالات والمشاكل منها العناد والمشاكسة إضافة إلى الغيرة..
فيضطر الطفل للقيام بعمل انتقامي ضد الوالدين بمواجهة الطفل الاخر وعصيان طلبات الوالدين.


7 المحاكاة: أو التقليد: الأبوان هما القدوة الأولى للطفل بقدر ما يظهران احتراماً للسلطة والقوانين بقدر ما ينعكس ذلك على سلوك الطفل.


8 الذكاء: فهو يلعب دوراً في تنفيذ عصيانه إذ الطفل القليل الذكاء لا يستطيع إدراك أبعاد تصرفاته فيميل إلى العصيان.


إذا عرفت أسباب التمرد والعصيان، فما هي سبل الوقاية والعلاج؟
1 الاعتدال في المعاملة: بمعنى أن نعرف قدرات الطفل فلا نكلفه بما لا يطيق أو لا يستطيعه.


ثم إدراك أن للطفل شخصية ويمكن أن نعطيه فرصة لإبداء رأيه من وقت إلى اخر قبل إلقاء الأوامر عليه ليكون واعياً ومتحملاً مسؤولية ما نطلبه منه. وعند الطفل العنيد لابد من استعمال أسلوب التحذير المسبق (معك خمس دقائق لترتب الغرفة مثلاً). أو ما رأيك بترتيب الغرفة قبل تناول الطعام (وعندما يجيب أنه لا يحب تنظيف غرفته فلا نحمل ذلك على الرفض وإنما هي تعبير عن مشاعره فلنتركه يعبّر، حسناً يمكن أن لا تفعل على أن لا تقوم بإهمالها.. الخ».


ثم لا نستعمل القوة والقسوة معه فالقسوة تزيده إصراراً وعناداً خصوصاً الضرب.


2 الثبات في المعاملة: كما مر من عدم الاختلاف بين الأبوين إضافة إلى أخذ موقف والتراجع عنه أمام إصرار الطفل إلا في حالات نادرة جداً. بحيث يظهر خطأ في الطلب أو الفعل.


3 العمل على توفير الأمن والأمان: وهذه المسألة ضرورية في كل حالات الطفل ومراحله لأنها الأساس في بناء شخصية متوازنة ومنطلقة ومنفتحة ومستجيبة كما يُطلب منها. مع عدم مقارنته بالاخرين لأي أمر وأي سبب من الأسباب لأن ذلك يؤذي مشاعره ويحبط من عزيمته.
4 عدم التمييز في معاملة الأطفال داخل البيت الواحد وهذا أيضاً مهم.


ه توفير القدوة الحسنة (الأبوان، الأخ الأكبر..) لأن الطفل في مراحله الأولى، كما ذكرنا، يكون مقلداً ومحاكياً، في تصرفاته.


6 الثواب والعقاب: من ثناء على سلوك جيد، مدح لعمل نفذه بطيب خاطر إلى اخره، واخر ما يكون هو الثواب المادي لأنه يؤدي إلى ابتزاز الطفل للوالدين وهذا سي‏ء تربوياً.


ويقابله العقاب المعنوي أيضاً حرمان من شي‏ء يحبه عند تأخره عن الحضور في الموعد المناسب مثلاً والعزل وما إلى ذلك.


7 التغاضي عن بعض التصرفات الصغيرة بحيث لا ندخل في جدل عقيم لأمر تافه لأن ذلك سينعكس على المسائل الكبيرة والخطيرة.


8 ضرورة التعاون بين المنزل والمدرسة (الإشراف التربوي).


وإعطاء فكرة عن شخصية الطفل للمدرسة ليتم دراسة الحالة والتعاون على حلها ليكون منسجماً (بين البيت والمدرسة) فيكون مناسباً وفاعلاً.
هناك مسألة مهمة جدّاً وهي أن العناد قد ينقلب إلى مشاكسة إذا لم يتم علاجها في مراحلها الأولى.


فقد يتحول موقف الطفل من مدافع إلى مهاجم فهو لا يكتفي برفض القواعد السلوكية بل يخطط للنيل منها.


كالاحتجاج على أستاذ أنه لا يفهم حتى لا يقوم بواجباته في هذه المادة.
أو تخريب ألعاب أخيه بحجة أنه لا يسمح له باللعب بها وهكذا.


لذا إضافة إلى ما مرّ من وقاية وعلاج فهناك بعض النصائح:


1 مساعدة الولد على مواجهة المصاعب وتذليلها (خصوصاً المدرسية).


2 تنمية روح النقد والنقد الذاتي في البيئة الأسروية وترسيخ النقاش الهادى‏ء للتفاهم.


3 تنمية شعور الثقة بالنفس ومشاعر الكرامة (عنده وعند الاخرين).


4 الاحترام المتبادل بين الطفل والأهل والثقة بينهم والأسرة ككل.


5 تنمية روح الصفح والغفران وتعويد الطفل على تقديم الاعتذار عند الخطأ وقبول عذره إذا كان منطقياً وتقديم اعتذار في حال أخطأ الأهل مع الطفل.
واخر دعوانا أن الحمد للَّه رب العالمين‏

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع