شارك هذا الموضوع

نَقَاءُ الطَّوَائِف

نَقَاءُ الطَّوَائِف


ما جرى طيلة الأيام الماضية في لبنان من معارك بين المعارضة والموالاة لا يعدو كونه جولة حاسمة «لتنقية» الطوائف المتمددة داخل الفريقين .


 المعارضة تريد أن تُحدث كوّة ملحوظة في جسد الموالاة لإيجاد قيمة نوعية لصالحها، تتمثّل في تغليب حضورها السياسي داخل أنصاف الطوائف التي تتشكّل من خلالها الموالاة، فتحجّم رموزاً سياسية تعتلي تلالاً طائفية .


خطة المعارضة تقضي بأن تقضم عدوها سياسياً وأمنياً ثم تبرز القوى «المماثلة» النصيرة لها داخل طوائف الموالاة . كرامي يبرز في بيروت على حساب الحريري، ووهّاب وأرسلان يبرزان في الجبل على حساب جنبلاط، بينما يحتفظ عون وفرنجية داخل الأطر المسيحية على موقعيهما في قبال الكتائب .


ما ينفي صفة الحرب الطائفية في لبنان هو التالي : أن الموالاة تملكّت جزءاً من الطائفة المسيحية (جعجع والجميّل) بينما تمثّلت المعارضة بحضورها المسيحـي أيضاً (عون وفرنجية) .


والموالاة تملّكت جزءاً من السُّنّة سياسياً وعقدياً (الحريري/ قباني) بينما أخذت المعارضة حضورها السُنّي بشكل أميز (كرامي والحص/ حمّود ويكن) . والموالاة تملّكت جزءاً من الدروز الموحدين (جنبلاط / نعيم) والمعارضة أيضاً تملكت جزءاً منهم (وهّاب وأرسلان / غيث والغريب) .


إذاً فالصراع هو صراع سياسي وليس شيئاً آخر . ثلثا المراكز «المستقبلية» التي سقطت في بيروت كانت بأيدٍ «سُنيّة» حليفة للمقاومة . ومعارك الشويفات وعاليه ومرستي وجبل الباروك كانت بين قوى درزية موالية وأخرى معارضة .


ومن يُرِد أن يتثبّت من غياب القتال الشيعي السنُي فعليه أن يستمع في العقيدة إلى الشيخ ماهر حمّود والشيخ فتحي يكن والشيخ أحمد الزّين، وفي السياسة إلى عمر كرامي ونجيب ميقاتي وسليم الحص .


ومن يخشى القتال الطائفي ضد الدروز فعليه أن يستمع في العقيدة أيضاً إلى الشيخ بهجت غيث والشيخ غالب قيس والشيخ نصر الدين الغريب وفي السياسة إلى وئام وهاب وطلال أرسلان .


والأكثر من ذلك فإن دخول التيار الشعبي الناصري والحزب السوري القومي الاجتماعي (وهما حزبان بلا هوية طائفية) على خط الصراع يزيد من عبثية القول بطأفنة حوادث لبنان الأخيرة .


بالتأكيد لم تعد القناة الأصولية للطوائف هي مآل حراب اليوم، وإنما تقزيم المشروع الأميركي الصهيوني في لبنان . ومن يعتبر ذلك مزايدة وديماغوجيا فليقرأ ما يُكتب في تل أبيب وواشنطن عن الحلفاء الوهميين (14 آذار) لكي يقتنع بشكل جيد .


المعارضة ترى أن ما تقوم به اليوم يستحق كما استحقت فرنسا أن تُحرّر من «البيتانيين» وإسبانيا من «الفرانكوويين» . هي ترى أن الصراع ليس على بقاء السلاح أو تغميده أو على مزارع شبعا وبعض قرى الجليل المنهوبة، بقدر ما هو صراع مصيري بين مشروعين متضادين أحدهما وطني والآخر مشبوه .


برأيي فإن تعيير المعارضة هو أمر غير ممكن مع وجود حكومة غير صالحة للاستعمال من أي وجهٍ كان . هي لم تفقد شرطها السياسي فقط، بل وحتى شرطها الطائفي بعد خروج وزراء أمل وحزب الله منها .


وهي لم تفقد شرطها الوطني فقط، بل وحتى الأخلاقي بتورطها مع عدو صريح في حرب تموز ضد أفرقاء لبنانيين وطنيين، وهو أمر لم يعد يحمل صفة الادعاء بقدر ما يحمل إدانة حقيقية .


اليوم وفي هذا الصراع تحديداً لم يعد الحديث عن خلط الالتزام والإلزام وإجبار الأول بموجبات الثاني قائماً؛ بل ما يدور اليوم هو تثبيت لملامح لبنان للعشرين سنة المقبلة. وإذا ما تمّ صرع الخط المتأمرك لصالح الخط الممانع فإن الظروف لن تكون بأقل من ندّيّة متوازنة . وللموضوع صلة .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع