شارك هذا الموضوع

تجارب موكبية في سيرة رادو (50) الحلقة الأخيرة - بقايا الرحيل

الإصدارات أخذت تحتل مكاناً مرموقاً من آذان الكثير ... أثناء دعوتي للكويت برفقة الرادود أبا ذر الحلواجي ... لإحياء وفاة الزهراء في حسينية الحيدرية ... اقترح علينا صاحب تسجيلات الهدى عمل شريط مشترك مع بعض ... أدينا المشاركة بقصيدة شيعني يبو حسين ... من قلمي وألحانه(أبا ذر) ...


نزلنا الاستوديو في اليوم الثاني ... لدى استوديو أهل البيت ... المهندس جاسم الشايع متمكن ذوق رائق ... ثلاث قصائد عليَّ تسجيلها ... في يوم واحد ... راح وتركني ابغربتي ... قصيدة لم تستغرق وقتاً في تسجيلها ... ولكون هذه التجربة الأولى لي في تسجيل الإستوديو ... كان عليّ التأقلم مع الإيقاع المستخدم ... يا عاشر تراني ... استهلكت مني وقتاً طويلاً ... كلما انطلقت في تسجيل القصيدة أشار لي المهندس بالإعادة ...


ها هي الطف دماءٌ تتكلم ... جعلت لها أبوذية كمقدمة ... عند تسجيل الأبوذية لاحظ المهندس نشاز في دخول القصيدة خلف الأبوذية ... ألغى التسجيل الأول ... أعمل يده في (الأورغ) بنفس مقام القصيدة ... الآن ابدأ الأبوذية بهذا المقام ... التجربة كانت كفيلة بإيقاظ الحس الفني لهذه الجنبة المغفولة لدينا ... النشاز في تباعد الطبقات ... وتباعد المقام عن الآخر ... والدخول إلى مقام دون مفتاح وسيط ... في الختام أنهينا الشريط تحت مسمى ... وداعاً حسين ...


في العام 1423هـ ورداً على إخفاق سابق في تفعيل المسرحية الشعرية ... قررنا إعادة الكَرَّة بصورةٍ أخرى هذه المرة ... دأبت على كتابة النص قبل شهر رمضان ... بجهدٍ متواصل ...


لم يقبل هلال شهر رمضان إلا والنص ناجزاً ... قررنا تطبيق العمل في ليلة العشرين من الشهر الكريم ... بقايا الرحيل ... اسم العمل المميز ذاك ... رتبنا الشخوص كاملة لتنفيذ الأدوار ... نحتاج لخمس شخصيات ... العمل يتمثل في نص حواري بين الإمام علي وأولاده الحسن والحسين والعبّاس بالإضافة إلى أختهم زينب ...


حاولنا عمل البروفات في البيت عندي لمرّات متعددة ... ومن غرابة الأمر أنّ الخمسة الأشخاص جميعاً لم يجتمعوا مع بعض ... إن حضرت أنا والشيخ وصالح تخلف حسن المعلمة وأبا ذر الحلواجي ... وهكذا حتى جاء موعد تأدية النص ... أديناه بطريقةٍ جديدة لم يسبق تطبيقها ... مجموعة مواويل ... وأبيات لطم ... وأبيات شعر بطريقة الإلقاء كما في الإحتفالات ...لكل دوره في النص ... ولكل حريته في اختيار اللحن والطريقة ... باعتماد أنّ للكل الخبرة الكافية لتجاوز النشاز والفوارق الشاذة ...


وتم العمل بوجود خلفية آهات من خلف الكواليس ... العمل كان متنوعاً رائعاً ... لا يسير على وتيرة تبعث الملل في النفوس ... ينطلق باللحن المنبري ويعقبه الموال ويتلوه اللطم ... الأوزان متنوعة مختلفة القوافي ...


التغطية الإعلامية لم تسعف العمل في البروز ... لهذا نستطيع أن نجزم أنّ للأعمال حظوظاً كما للبشر حظوظ كذلك ...فرب عمل تام النجاح لا يجد الظروف الصحيحة لبروزه فيبقى مخفياً مظلوماً ... بينما هناك عمل أقل كفاءة منه ... ويحصل على زخم إعلامي يظهره ويقويه ويؤكد وجوده لدى الناس .


لذلك بعض القصائد التي لم تجد الظرف الملائم لها اضطررنا لإعادتها ... لإعطائها حقها الكافي من الظهور ... مع أني لست مع إعادة القصائد وتكرارها في الظروف الطبيعية ... القصيدة الناجحة والنص الجميل أخذ دوره في الواقع ويكفي... مع إعادة الإتيان به نغلق الباب على الجديد القادم... ولا نتيح له الفرصة لتقديم ما لديه ... ولا بأس بالإعادة بعد تقديم الجديد وإعطائه الفرصة التامة .


وألاحظ بعض القصائد لا تجد نجاحاً في مكان... بينما هي كاملة النجاح في المكان الآخر ... كل هذا يقاس بالظروف المحيطة بالقصيدة ... قصيدة تجد جمهوراً يسعفها ويرفعها فتجد طريقها إلى النجاح ... وأخرى تواجه بالإهمال وعدم الحضور حتماً سيكون مصيرها إلى الفشل ...وللتجارب التي عشناها أدلّة وأمثلةٌ لا تُحصى .


المناطق تختلف عن بعضها البعض ... بعضها تجد الحماسة ملتهبة في جمهورها وتواجده ... ولا يمكن أن تفشل القصيدة فيها ... ومنطقة أخرى أهلها أموات في لباس أحياء ... يتمنى الرادود الخلاص العاجل من قبضتهم...


وللمناطق هويات مختلفة ... بعضها مهما حاولت في إتقان اللحن لا يُجيدون اللطم بسهولة ... فيقاسي الرادود الأمرين ليستقيم سير اللطم كما يُريد إذا استقام ... ومناطق تفضل اللطم السريع مباشرة ... وبعضها على عكس هذا .


ولابد لي من إلتفاتة قصيرة أوضح بها بعض الضروريات ... مع بداية نهوض الموكب في نهاية الثمانينات بدأت بأسلوب إلقاء الكلمات النثرية عقب ما ينهض الموكب من الهواسة... ثم رأيت أن هذا أمر ثقيل حمله ... وعلى عاتقي أكثر من مهمة... تم تكليف الأخ زهير إبراهيم بالمهمة ... وبحقيقة الشعور أقول لقد أجاد المهمة تمام الإجادة ... وأبدع في تأديتها لفترة لا بأس بها ... ولربما تمت إناطة الدور بآخرين غيره إلا إنه بأسلوبه الإلقائي الجميل ذاك ... كان علامة بارزة في الموكب ... وخطوة في نقله إلى الأمام .


كما أنه يرجع الفضل لما نحمل من هم وحدوي لحركة الأستاذ أحمد الإسكافي التعليمية... فكثيرا ما رأينا مشروعه لا يفرق بين المأتمين في زمن تفاقمت فيه دواعي الخلاف... ولقد نشأنا ونحن نرى خطواته تتردد بمسيرها في المأتمين ... فكيف لا نكون سائرين على آثاره المباركة...


هذه تجربة عمر ... تجربة ما يُقارب الثلاثين سنة موجزة في خمسين حلقة ... بحلوٍ من صورها ... ومرارة من تجاربها ... وظرف لا يخلو من فائدة ... وعبرة بالتأمل فيها تجد ما يُنير الدرب للمستفيدين من سابقيهم ... لا أدّعي فيها صحة كل ما كتبت كرؤية ... ولكن هذا بالغ جهدي أخلصته في عُصارة تجاربي ...


أقدمها لعل هناك من يتطلب الفائدة والمنفعة ... ولم أحبب أن أكون كالذين مروا وكأنهم لم يمروا ... إنما أحببت أن أضع حجراً في جدارٍ حصين ... نتحصن بصلابته في مقارعة النسيان ... ولم أرغب في الموت ناسياً منسياً ...وإنما نحن ما قدمنا من صالح ... أو ما أبقينا من جميل عمل ... وذكرى باقية تمر النفوس وتبقى ألقاً ماثلاً من الأعلى ... نعم إنما نحن أعمالنا ..

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع