شارك هذا الموضوع

تجارب موكبية في سيرة رادود (31) - محبوسة الأنفاس

من لايعتني بنفسه لايعتني به الآخرون ... فحين لا تشحذ لسانك بالدفاع عن مقدراتك ... لن تسمع تسابيح الحمد من أحد ... وبكفك تنال ماتريد ... لابكف زيد ... ولا بلسان عبيد ... وعندما تترك شمعتك تعبث بها الرياح ولاتصونها ... فلن يفيدك ضجيج التشكي حين تسلب جذوتها عاصفة عابرة ... نكتب ليقرأ المقبلون بعدنا ويختصروا الطريق لأنفسهم ... ونكون معهم شركاء في خير مايقدمون...


أما أن يعيدوا تكرار أخطائنا ليتعلموا فتلك تعاسة مابعدها تعاسة ... وأما المحجمون عن القراءة والسماع فأولئك فاقدون لنعمة التوفير ... ويضيعون كنزاً من أيديهم.


حسن المعلمة يسبقنى في الموكب بمرحلة ... والداه رحمهما الله وظفا صوتيهما وماعندهما من طاقة في المآتم ... والده قارئ قرآن .. ووالدته معلمة قرآن ... ومن هنا اكتسب لقبه ... وصاحبة مأتم بجوار منزلهم ...


هو يتميز بسرعة حفظه ... هذا اعتقاد رافقني لكثرة ماشهدت من مواقف انقذ فيها الموقف بحفظ لحن المعتذر والسير به في الموكب ... أو ابتكار اللحن للقصيدة والتمرس عليه وتقديمه ... رفقة زمن طويل جمعتني به ... نظمنا الموكب لسنوات ...


في بعضها نجد معنا مرافقين ... وإلا نكون نحن الأثنين أكثر المتحملين لسد الشواغر وملأ الفراغات ... يقول فأمضي أمره ... وأقول فيمضي أمري ... لم أجدنا مختلفين في سنوات تنظيم الموكب ... ولابد من اختلاف ... لكنه لا يصل إلا إلى مرحلة الرأي ... ختاماً أحدنا يمضي رأي صاحبه ... همنا وهدفنا إنجاز الموكب بصورته الصحيحة ... لهذا لم تتمكن المخابرات من معرفة رئيس اللجنة لموكبنا ...


استلم مني قصيدة ... زينب عالنهر تنخى يعباس ... أجاد في توليف لحن لها ... وجاء اللحن في ليلة الأربعين كأروع ماينبغي أن يكون اللحن ... في ليلة تنطفئ فيها البسمات ... وتولد الدموع في المآقي ...


أخذت القصائد في الإتساع طولاً ... بعد أن كانت الفقرة ذات أربعة أبيات ... أصبحت ستة أو ثمانية ومن الأوزان الطويلة ... عليه قدمت قصيدة... للحسن آداب وتعاليم ومآثر ... ليلة وفاة الحسن الزكي في 7 صفر ... استوعبت الفقرة طرحاً وتكرارا من ناحية المقبرة إلى مأتم السنابس دخولاً ... بعد أن كنا نلقي في هذه المساحة أربع فقرات أو أكثر ... ويحدث أحيانا اضطرارنا لتقديم نفس القصيدة عصراً ...


بدأت الأعداد الغفيرة تنهال على منطقة السنابس ... وبدأت بلورته كموكب مركزي في البلد عصراً ... أثناء تقديم القصيدة عصرا لاحظت أصواتاً وحركات ملفتة ... أوقفت أداء القصيدة ... قدمت تنبيهاً للجمهور للإنصات للقصيدة كهدف أولي ... واللطم ثانياً وعدم إفتعال الحركات الخارجة عن اللياقة والوقار ...


لا أجد في نفسي حاجة للشح بما في يدي ... كوني منظما للجدول مع الأخوة ... لا أقترح نفسي في موضع إلا ما يقترحون ... فأجد نفسي موافقا أينما يضعون مشاركتي ... أدرجوني في موكب المسير لليلة العاشر عام (1409هـ) ...


إلى أن جاءت ليلة العاشر تسمعنا خفقات قلوب اليتامى في خيام الحسين ليلة عاشوراء ... وجاءني جعفر سهوان يطلب مني السماح له بالمشاركة عوضاً عني ... فلم أجد الشح في طوايا نفسي ... أبديت الموافقة بطيب خاطر مع لوم من المقربين ... أعذر لومهم ... لايجدون ماأجد من رؤية في موكب الحسين ... فللموكب أن يظهر بصورته الحسنة ... وليس جزما ً أن يكون هذا بي ... فإذا كان بي أو بغيري فليكن ... إما أن لا يكون إلا بي فذلك عبادة الذات ... وفي عبادة الأنا ... نحثو التراب في أهداف الحسين...


إنطلق جعفر بالموكب بقصيدة فصيحة الألفاظ بليغة المعاني ... ياوتر ياثارنا ... صعد جعفر بطبقة صوته ... وأجهد حنجرته بما لا يمكنه الإتمام إلا بصعوبة ... عند مأتم ملا عيسى رحمه الله طلبني لإتمام الطريق بقصيدتي ...


رأيت نفسي منصاعا لطلبه ... لم أحسب ولم يحسب أحد فرق الأداء والوتيرة الصوتية ... بين القصيدتين ... كانت قصيدته بصوت مرتفع ... وقصيدتي بطبقة منخفضة ... وعملية إستبدال القصيدتين ببعضهما غير ممكن ...


الإستبدال في الموكب عادة يكون من المنخفض إلى المرتفع ... وبعكس هذا نجعل الفتور والبرود يتخلل الموكب ... دخلت بالقصيدة مما سبب الهبوط لمستوى التفاعل ... ولم نصل بوابة مدرسة البنين حتى قررنا إعادة جعفر لمواصلة الموكب ... قصيدتي .. هذا الليل مسهر زينب ... طويتها وأعدتها في جيبي محبوسة الأنفاس... لم تجد فضاءاً تقضي فيه مايجول بخاطرها ...


في ذكرى الأربعين أعدتُ الكَرّة ...ألبست اللحن قصيدة أخرى ... بصوت حسين حسين تنادي ... وعدتُ بها ... أثبت اللحن نجاحه ... وتعلمنا من الواقعة عدة أمور ... أن نكون متسامحين في أداء أدوارنا ... متفانين في إنجاح الموكب ... نُلاشي ذواتنا للوصول لأفضل النتائج ... استخدام طبقة منخفضة بعد طبقة مرتفعة لرادودين متتاليين نسبة الفشل فيه كبيرة ...


استخدام نفس الطبقة في ظروف مختلفة لربما أعطى نجاحاً باهراً ... الظروف لها يد في تغيير النجاح إلى فشل ... والفشل إلى نجاح ... عندما نتعاطى مع جمهور يحمل ثقافة اللحن بحس واع ... ليس كما نتعامل مع جماهير غير ذات خبرة ... مبعثرة المزايا ...


حين أتيت بقصيدة ... من بعد عيناك خانوك ... يا أبو الزهره ... تعديت من المستهل إلى الفقرة ... ومن الفقرة إلى القفل المشابه للمستهل ... بسهو مني قرأت ... فاطم ابهليوم ... تجذب الحسرة ... سقطت كلمة من النص ... هو في الأصل ... فاطم ابهليوم تنخاك ... وتجذب الحسرة ... استطاع الجمهور أن يزن البيت وزناً صحيحاً ... حينما أسقطت كلمة (تنخاك) ... أسقط الجمهور كلمة (خانوك) ... وبدون سابق اتفاق ... إنما بسليقة منهم كان هذا ...


سلام الله على أيام فيها الجمهور يسدد الرادود ... فحين يكون الجمهور يقظاً لا يمكن لرادود أن يستغفله ... فلكل خبرته ... وليت بقيت لنا من أولئك بقايا ... نصلح بهم ما خرب من ذائقتنا ...


في هذا العام (1409هـ) لأول مرة بعد سنوات من واقعة يوم السابع من المحرم أشارك في مأتم السنابس ... في وفاة منقذ البشرية (ص) ... بلحن الحداء المستخدم لتسيير القافلة ... اللحن الذي ورثناه من خطباء المنبر ... عندما سار الطرماح بقافلة الحسين (ع) ... حدا بالنياق قائلاً ... يا ناقتي لا تذعري من زجري ... وشمري قبل طلوع الفجر ... لحن الحداء يُضيف للناقة استرسالاً في طيها الأرض ... إيقاعه يشبه إيقاع أرجلها ...


بقصيدة ... ياأمة ثارت على أمر الرسالة ... اللحن المنبري بدفقاته البكائية أنجح القصيدة ... وتشاء الأقدار عصراً أن تعاد عوضاً عن قصيدة لم يتمكن حسين سهوان إكمالها ... القصيدة ألهبت الموكب إعتصاراً بالألم لمأساة الزهراء ... مجللة بالكآبة لفقد سيد الكائنات.

التعليقات (1)

  1. avatar
    المعارض ، عضو في الصرح الحسيني سابقاً

    بسم الله الرحمن الرحيم الوصلة لا تعمل ! حيث المقال لا يظهر ، نتظر من فريق العمل التقني ان يصل هذا الخلل مع الشكر .

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع