شارك هذا الموضوع

قَليلٌ مِنَ الخَجَل

قَليلٌ مِنَ الخَجَل


 


بين خبر استجمام رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير وزوجته شيري بجنوب إفريقيا، وخبر ما يجنيه عمرو خالد من أموال نظير مشاركاته الدعوية، أو خبر إجلاء الأمير هاري من جبهة القتال الهلمندية خشيةً على سلامته، ضاعت أخبار غزّة وأشلاء أطفالها بين ترف هذه القصاصات وبين حالة الضمور الدينية والقومية وحتى الإنسانية للعالمين الإسلامي والعربي . في المُحصّلة إن ذلك الضمور هو في مرتبتين متقابلتين (راعٍ ورعيّة) تتمايز إحداها من الأخرى بدرجة من حيث المسئولية الأخلاقية .


 


ومن قُيّض له أن يتسمّر أمام شاشات التلفاز طيلة الأيام الماضية فلا أظنّ أنه لم يستحضر صنوف التاريخ وحوادثه أو خيارات الأمّة وخياراته بصفته فرداً مُكوِّناً لها أيضاً، على رغم أن ذلك الاستحضار للخيارات يذهب بشكل آلي نحو الزعامات السياسية والمُتسيّدين على السلطة . بالتأكيد لم يقُل أحد لهذه الزعامات إن تتزنّر براديكالية هوجاء؛ ولكن أحداً ليتساءل : ألا تستطيع هذه الزعامات أن تفعل شيئاً مادامت مُستحصلة لمقومات الدولة الأساسية في حدّها الأدنى من حكم وأرض وشعب ؟ ألا تستطيع مصر العروبة (على سبيل المثال)  تعليق العمل باتفاقية كامب ديفيد، أو على الأقل تجميد البند الأول مـن المـادة الخامسـة منها والمتضمنة " تمتّع السفن الصهيونية والشحنات المتّجهة من الكيان الصهيوني وإليه بحق المرور الحر في قناة السويس ومداخلها في كل من خليج السويس والبحر الأبيض المتوسط وفقاً لأحكام اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 المنطبقة على جميع الدول " ؟ ألا تستطيع الدول النفطية في العالم العربي إعلان ضمان مالي مفتوح لأي ضرر قد تتكبّده دول الطوق (إن وُجِدت !) وفي طليعتها مصر إذا ما اتخذت إجراءات ما ردّة فعل طبيعية على ما جرى ويجري في غزّة ؟


 


من المخجل حقاً أن نسمع أنه وفي الحالة الوحيدة التي قُتِلَ فيها سيديروتي واحد بالكيان الصهيوني بسبب صاروخ حمساوي يهبّ جميع سفراء الاتحاد الأوروبي لتعزية رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت في هذا المصاب الجلل، في حين أن سفراء الدول العربية أو قادتها لم يستطيعوا إلاّ القول إن ما يجري في غزة هو أمر " غير معقول " !


 


بل إن العجب كل العجب أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يُدرك بعد أن ما كان بينه وبين " حماس " منذ يونيو/ حزيران الماضي وإلى حد الآن قد أصبح ماضياً يُحْرَم الحديث عنه أو التعيير به أو التناكف بشأنه، بل عليه أن يُدرك (أكثر من ذلك) وهو أن " اعتداله " الذي كانت تتاجر به تل أبيب في مفاضلة رخيصة منها له مع الشهيد أبو عمّار لم ولن تُنتج له أو لحركة " فتح " معادلة سياسية يمكن الركون إليها، بل على العكس تماماً فهو لم يستطع أن يزيل حاجزاً من الحواجز الخمسمئة والسبعين التي تُقسّم الضفة الغربية إلى كانتونات مات على عتباتها العشرات من الشيوخ والمرضى والأطفال، في حين دفعت صواريخ  حماس  إلى أن يخرج شاؤول موفاز ويقول إن الحديث إلى حركة حماس ضروري لإنهاء ظاهرة الصواريخ المستمرة منذ سبعة أعوام، أو أن يدعو الحاخام اليهودي مناحيم فرومان من مستوطنة تقوع إلى عقد صفقة مع الحركة لإنهاء ظاهرة الصواريخ .


 


إني أقول هذا الكلام ليس من منطق ديماغوجي، أو خطاب انفعالي بل هو حصيلة ما نرقبه من حوادث؛ لأن السّفه الصهيوني قد وصل إلى منتهاه، وجوره قد وصل إلى العظم، فهناك 700 ألف فلسطيني (أي ثلث السكان تقريباً) قد دخلوا المعتقلات الصهيونية منذ العام 1967، وهناك 352 سجيناً منذ ما قبل اتفاقات أوسلو قضى 80 منهم أكثر من عشرين عاماً في السجن وعلى رأسهم سعيد العتبة الذي يقبع في السجن منذ 31 عاماً ! وهناك 355 طفلاً ومراهقاً من بين المعتقلين ! بل بات الفلسطينيون يدفعون في وجبة توغّل واحدة مئة شهيد، وبالتالي لا أظنّ أنهم باتوا يملكون أدنى احترام للحياة أو الموت معاً، ولكن المشكلة أن المنطقة الإسلامية والعربية مازالت تقيم احترماً لحياتها وموتها؛ ربما بسبب الإدمان الخبري المُزمن الذي لا يجب على الفلسطينيين أن يدفعوا ثمنه منا بأي حال من الأحوال .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع