شارك هذا الموضوع

تجارب موكبية في سيرة رادود (28) - ثلاثة أولاد يُمثلونه

قبل أن يزدري الآخرون حذاءك لثقبٍ فيه أبدله ... ولا تدع شماتة الأعداء تنال من شموخ نفسك ... أسعف نفسك بتقريعها تجد نفسك أبيضاً ترفُل بثوب النقاء ... تدُسُ في أعين الحاسدين مساميراً لا تنتزع ... قلّم من ذاتك أوزارها لا يعبث بها أدعياء التقليم ...


أنخاك طايح مجروح ... عباس جيتك بالنوح ... قصيدة كتبتها لجميل العرادي ... جاء بها جميلة اللحن والأداء ... وقصائد أخرى مثل ... مات يا ناس أبو الزهره العظيم ... روح يا جاسم امودع ... ربي يكفيك العده ...حقاً الصوت الحسن أحد الجمالين ... بصوتٍ رقيق ولحن ٍ واصل تكتمل القصيدة وتصل لما يُراد لها أن تصل إليه ... الصوت واللحن كالسلك والفيشة الكهربائية ... هُما المُوصلان للطاقة .


وهذه عائلة أخرى تقدم أبناءها خُداماً لسيد الأحرار ... سيد الطف العظيم ... جميل ومحمّد ومُحسن ... والدهم الحاج ميرزا العرادي رحمه الله ... داوم على الاعتناء بموكب الزنجيل ... يُعنى بترتيبه كمهمة أولى ... ثُم سعى لتقديم القصائد بصوته ...


يتدرب على قصائد المرحوم حمزة الصِغَيِّر مثل... يبن أمي عالتربان عفتك رمية ... ويُقدمها في الزنجيل ... دفع أبناءه وتابع أداءهم ... برزوا كألمع المشاركين في الزنجيل ... ينتقل محسن إلى الموكب في الوفيات ... ويبقى الزنجيل محطتهم الرئيسية ...


يقول المهتمون بالزنجيل أنَّ محمّد هو الأكفأ لقصائد الزنجيل ... المهم أنّ والدهم استطاع تقديم زاده عند أبي عبد الله ... بذل ثلاثة أولاد يُمثلونه في عزاء الحسين المظلوم ... فصوته باق يردد الرثاء ما دامت أصواتهم ملعلعة في المواكب ...


وها نحن نقف أمام نماذج تعلمت من الحسين بذل أولادها في سبيل من تعشق ... فرحمة الله على مثل هؤلاء الآباء ... أحبوا وأحبوا لمن أحبوا ما أحبوا ...
مع تنامي قوة الموكب في منطقة السنابس بالذات ... وفي العاصمة المنامة أيضاً ... أصبح الاهتمام بالرادود وما يُقدم أمرا مهماً ... وصار الناس يتقاطرون للسنابس للمشاركة ولسماع جديدها ...


في عام (1408هـ) قدمت قصيدة ... أهداف موكبنا ... إسمعها يا مسلم ... تُعطي القصيدة نُبذة عن أهمية المواكب في الوجدان الشيعي ... وما ينبغي علينا تجاهها ... وكيف نتعاطى معها ... وفي القصيدة شجبٌ لكثير من الظواهر السلبية ... من كلام جانبي والتفرج والحركات الغير لائقة ...وفيها دعوة لعدم التحيز لرادود دون آخر ... اتبعت في إلقاء القصيدة أسلوباً آخر ... أسلوب مخاطبة الجمهور بالكلمات الخاطفة السريعة خارج القصيدة ...


ويتلوها قصائد أخرى مثل ... واصلي دور الكفاح يا منابرنا ... ثُنائية مع حسن المعلمة ... أبرزت فيها مقام المنبر لدى الطائفة ... وما له من فضل عليها ... وواجب الخطيب من الإعداد والتحضير ... واحترام المكانة المقدسة لهذه الوظيفة ... وتوجيهات بالابتعاد عن التوجه المادي في التعاطي مع أُجرة الخطابة ...في هذه القصيدة أتحنا الفرصة للناشئ سيد ناصر شرف بمزاولة القاء المستهل معنا ... تهيئة له لدور الرادود


في هذه المناسبة ... شاركت في داخل المأتم عصراً وموكب المسير والوقفه ... مميزات ذلك الزمان وقصائده تفسح لك الفرصة بالمشاركة بمثل هذا الكم وهذا العطاء ... ومع كثرة العطاء المتواصل يبدو للسامع الجيّد من الرديء ... وللمهتمين والمعنيين شأن التقويم .


للموشحات داخل المأتم أسلوب يُشبه الوقفة ... هي من فصيلة الوقفة في السرعة والأسلوب ... هي تأتي بعد القصيدة الأساسية ... والوقفة أيضا تأتي بعد قصيدة المسير الرئيسية ...


نُحاول في هذه الموشحات توظيف بعض الهواسات المشهورة ... هواسة مأجورة يزهره مأجور يا حيدر علي ... تفتحت أعيننا في الموكب نرى الكبار ينشدونها ... وتيقظت أسماعنا في الدنيا نسمعها مرددة على الألسنة ... لا تخلو مناسبة من مناسبات وفيات الأئمة من ذكرها ...


أضفت فقرات بسيطة مع أقفال على وزن الهوسة واستخدمتها كموشح بنفس اللحن ... غير أن لحن الفقرات يختلف ... بهذا نقلنا الهوسة إلى طور الموشح ... ومنها تنبهنا إلى اشتراك الهوسة والوقفة في الإيقاع ... ومناسبة كل منهما بدل الآخر .


صار اعتياديا عندي تحضير وقفتين للموكب ... فذلك عهد الوقفات الذهبي ... الوقفة هي قائدة الموكب ... بها نجاح الموكب ... وبها فشله إن فشلت ... في الأربعين جئت بوقفتين ...


من عادتنا الجلوس في غرف الحسينية بالأعلى ... وعرض الألحان وتسميعها مع الكلمات ... أسمعت الوقفتين للحضور ... أبدى الحضور حماسهم مع ... يا اللي على الغبره ... داس الشمر صدره ... تلقاني ... بحزاني ... ووضعوا الثانية في المرتبة المتأخرة ... مرمرتني كربله يا بو علي ...


رجحوا الأولى لكون مكسرها يضخ شحنة حماس من لحنها في كلمتي ... تلقاني ... بحزاني ... ولكن علمتنا الوقائع أن ما تتوقعه قد لا يكون... لحسابات خارجة عن الإرادة ... في واقع الموكب ... جاءت وقفة مرمرتني كربله ... أقوى وأبلغ ...


أعتقد أنه خفي على المتحمسين للأولى ما في الثانية من عاطفة متدفقة ... وشجىً عارم ... ومقامها الصوتي قريبٌ من الصبا الآسر ... وفي ليلة الأربعين يتغلب الحس الحزين على الدفقات الحماسية ...


لفرط ما في الوقفة من رقة وإحساس أغمي على أحدهم وهو يلطم بفقدان الشُعور ... هذا الإحساس وضع الوقفة الثانية في المرتبة التالية ... ولم تسقط من الحساب كوقفة ناجحة ...


ولا زال الارتجال قائماً في أداء الموشحات الداخلية ... عصر الأربعين بعد القصيدة قدمت موشحات تربو على العشرة ... مرتجلة متتابعة ... الآن وبعد تقييمي للتجربة أعدها إفراطا في استعراض المقدرة الأدائية للموشحات ... كان يكفي موشح أو اثنان بمدة خمس دقائق للواحد ليقوما مقام هذا التتالي من الموشحات ...


تعدد الموشحات يتعب المعزي في التعاطي كل دقيقة مع لحن ومستهل ... ومطلوبٌ منه حفظ جديد أيضاً ... ولا يضمن الرادود كون الموشح الجديد أقوى من الموشح السابق ....


وعدم نجاح الموشح يسبب كبوة في المشاركة ... وخللاً يؤثر على قوتها ... وكان الأولى إعطاء القصيدة وقتاً أطول ... وجعل خمس دقائق أو سبع فقط للموشح ... فالموشح يسند القصيدة ولا ينوب عنها في المرتبة ... أما بهذه الطريقة فهو منافس لها ... وإن كانت له أهمية إلا أنه لا يصل لدور يسلب القصيدة موقفيتها من الأهمية ....

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع