شارك هذا الموضوع

تجارب موكبية في سيرة رادود (23) - موكب أبناء الرسالة

الزراعة في الأرض المهيأة للزرع تؤتي ثمارها ... لا سيما إذا زرعت بشجرٍ يُعطي ثماره لمدى سنين متطاولة ... ينسى الجهد المبذول وتبقى النتائج تُجنى لعقود متلاحقة ...الطفل كالأرض ... العناية بتثقيفه وحثه على الخيرات مهمة ضرورية ...


انشغالنا بتعليمه في السنوات العشر الأولى يزرع في كيانه بدايات لا يمكن نسيانها والهروب منها .... وكما قال الإمام الصادق (ع) اتركه سبعاً ... نحن في السبع الأولى نتركه وليس تمام الترك .... نوجهه ونحثه على الطريق بلا فرض ولا إجبار ولا تكليف ... بالترغيب والتشويق ...


المواكب منابرُنا نبوح فيها بما يلامس مشاعرنا ... نعمرها بما أوتينا من بذل ... قصارى ما نملك نضعه فيها ... الرادود يستثمر أوقاته لاستخراج الألحان وانتقائها ... في المناسبة قد لا تكفي وقفة واحدة في فترة بدأت الوقفات تستحوذ على حيزكبير من الإهتمام ...


في وفاة الإمام الحسن العسكري (ع) في الثامن من ربيع الأول ... نصف طريق الموكب قطعته ... بدا لي الحاجة لوقفة ثانية ... استللت القلم من جيب قميصي ... وانعطفت على جانب من مسير الموكب ... ورحت أكتب الوقفة ارتجالاً ... استعداداً لإلقائها في التوقف الثاني للموكب ...


اللحن جاهز في ذاكرتي ومحفوظ ... لم يتوقف الموكب في موقع الوقفة إلا والنص جاهز ... حاير يشوفه ... والدمع بعيونه ... بهذه الكلمات التهبت الوقفة حماساً وتفاعلاً ...


التجربة كفيلة بالأهمية ... الإرتجال أثناء الموكب ... التجربة تعد ضرورة لوقت الضرورة ... لا يمكن اعتمادها كأسلوب تحرك به المواكب ... النص بحاجة إلى مراجعة وتمحيص ... ويحتاج إلى تدقيق ... وحذف وإزالة وإعادة ترتيب ... هذه المراحل كلها لا يمكن انجازها في النص الطارئ المرتجل ... النص المستعمل كهذا يلحق الضرر في الأعم الأغلب ... وفي قليل من حالاته ينقذ الموقف ويسد الفراغ ...


ويمكننا أن ندعي واثقين أنَّ كتابة النص لربما لعدم وضوحها تسببت في تلكؤ الرادود وتلبكه في القراءة ... وهذا كثيراً ما حصل في السنوات الأولى ... سيما القصائد الطرية ... التي أنجزها ... ومن البيت إلى الموكب مباشرة وفي أوراق المسوّدة .


وقراءة النص عن ظهر قلب تأتي بمفعول على نقيض القصائد المرتجلة ... يا لتاريخ بالأقلام خلّد موتة الزهره ... وقفة أودعتها طيات قلبي حفظاً ... وألقيتها من خفقان ذاكرتي ... مستغنياً عن الأوراق ... هذا يعني استعداداً مسبقاً وتمريناً وتهيئة على عكس ما فات من نص طارئ .


في نصوص الموكب الكثير من الطرح الجدير بالإهتمام ... فصوت الموكب يستل أقلامه مدافعاً عن الثورة الحسينية ... في جميع أبعادها ... ويقدم رؤيته عن هذه المأساة العظيمة ...


يا مغوار ... بالبتار ... نصر الدين ...وقفة تقدم فلسفة لقوة الدم في التغيير ...وما قامت به الدماء العاشورائية من حركة صنعت التغيير...وأخرى كعقيدة...صيحة العليلة...جينه يا لوالي ... تدافع عن الممارسات الولائية في عقيدة محبي أهل البيت...


لم تقتصر القصائد على التمسك بالرثاء وحسب... إنما كان صوتاً رادعاً لكل مناوئ يستهدف مبادئ الطائفة... وفي قصيدة من قصائد المسير تحمل في أبياتها فكرا توضيحيا لفلسفة الدعاء... والنهضة الروحية المتبلورة في حياة الإمام زين العابدين... مع تضمينها نتفاً من فقرات لأدعية السجاد(ع)... يا سجاد مسموم... اسمك عالي اليوم...


لم نغفل دور الطفل في الموكب... وماله من أثر على نفسه البيضاء... كما كنا صغاراً ونتوق لمحاكاة الكبار في طقوسهم وما يصدر عن مواكبهم... بتنا نشعر بالأطفال المتعلقين بالموكب... ونحس بهم مشاعراً متأججة حول الموكب... أنظارهم معلقة بالرادود أينما حل وجهه...


أخيرا كان الحل أن أنشأنا موكبا مصغراً يمشي خلف موكب الكبار... الموكب معزوه ورواديده من الصغار... فرحة الأطفال بالموكب كانت عارمة وطافحة لا يعدلها معادل...


انجذاب الصغار للموكب انجذابهم حول كعكة عيد الميلاد... وأصبح الصغار لهم موكبهم الخاص... وصاروا كما كنا... تم تكليف الأخ حسين سهوان بمتابعة شؤونهم... وتلبية ما يحتاجونه... ورعاية الناشئة من الرواديد...


أعددت لهم مستهلا يرددونه أثناء دخولهم المأتم كل مرة... موكب أبناء الرسالة... رافع أعلام العزاء... موكب الأشبال... ناصرا للآل... أصبح أسم موكبهم... موكب أبناء الرساله... لحن حسين سهوان المستهل لهم... أصبحوا يدخلون المأتم عند رجوعهم بهذا الشعار... إعلانا عن أنفسهم... ترى على وجوههم مسحة الرضا... مبتهجين بالسعادة التي شملتهم بموكب يخصهم ....لا يزاحمهم فيه عنت الكبار...


بعد دخول موكب الكبار إلى فناء الحسينية... يتبعه موكب أبناء الرسالة... تنشق حلقة الكبار من آخرها ليدخل الصغار في الموكب... ويؤدي بعض من رواديدهم قصائدهم بصحبة الكبار... محاولة ترديد الجواب من رادود من الصغار تلاقي مشقة عند الكبار...طبقة أصواتهم تنحو إلى الصعود مما تشكل إرهاقاً على الكبار... الكبار مأنوسين بهم... وهم في بهجة غامرة... كان تدشين موكبهم في وفاة الإمام السجاد(ع) في الخامس والعشرين من محرم لعام 1407هـ...


في هذه الذكرى طرحت في المواكب وقفة.. طالعين إنادي... على ابن الهادي... الشطر الأول ولأننا نلفظ كلمة (النادي)بإخفاء حرف اللام الشمسية فلا فرق بينها وبين(إنادي) في اللهجة الدارجة... بعض البسطاء توهمني أقصد النادي... من المضحك أنه جاءني يسئل؟.. وما دخلنا نذهب للنادي؟... انفرج ثغري عن ابتسامة صغيرة... وأوضحت له المعنى..

التعليقات (2)

  1. avatar
    محمد الأنجوي

    بسم الله الرحمن الرحيم لقد جعلت مقالاتك تمثالاً للذكريات ، فموكب الرسالة .. الذي إكتض باللاطمين اليانعين يتنافسون بعفوية الأطفال بإبراز الإحمرار على صدورهم العارية .. ذكريات موالية تتحدى النسيان الأموي من تلاشيها .. مازلنا نتتبع مقالاتك يا أستاذ عبدالشهيد مأجور و مثاب إن شاء الله .

  2. avatar
    عباس

    ما أحب أن أشير إلى أن مقالات الأخ عبد الشهيد مع احترامي الكبير إليه فهو صديق وغالي علينا إلا أنه افتقد في مقالاته إلى الكثير من الوقائع وجمل صورته كأبهى صورة. الذكريات لا بد أن تذكر بحقيقتها إن كانت تسمى ذكريات وامانة للتاريخ

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع